الفصل الخامس

المصالح الغربية

 

        لم تكن الأزمة العراقية~الكويتية التي أدت للغزو العراقي للكويت في عام 1990, وحرب الخليج التي تلتها في عام 1991, نتيجة لتطورات محلية أو إقليمية فقط. فقد أسهمت المصالح الغربية في تطور تلك الأزمة من خلال التنافس على الثروات العربية, خاصة النفط وعائداته المالية. كذلك فإن الغرب قد ساند حركة التمرد الكردية, التي أسهمت بالتالي في حدوث الحرب العراقية~الإيرانية. أخيراً, وبعد انتهاء  تلك الحرب, أصبح الغرب ينظر للعراق على أنه مصدر خطر إقليمي لا بد من إزالته.

يبدأ هذا الفصل بتبيان كيفية حدوث وتطور السيطرة الغربية الغاشمة على المنطقة العربية, خاصة المصالح النفطية البريطانية والأميركية. يلي ذلك بحث في كيفية إسهام التمرد الكردي في التسبب بالحرب العراقية~الإيرانية. كما أن هذا الفصل يتضمن قسماً هاماً عن العلاقة ما بين نفوذ العسكريين في المجتمعات الصناعية ونشوب الحروب في العالم. وعلى الأخص, هناك بحث عن تأثير ومصلحة الصناعات العسكرية في العالم في اندلاع الحروب في الشرق الأوسط.

 

 

 

السيطرة الغربية الغاشمة

 

                لعبت بريطانيا دوراً رئيساً في تشكيل العلاقات العربية~العربية والعالمية في الشرق الأوسط, في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين, كما مرَّ في الفصل الأول. وفي تنفيذهم لسياساتهم في المنطقة العربية, كان البريطانيون يجسدون كيفية التعامل ما بين الدول الصناعية الكبرى والكيانات الهامشية التابعة لها في العالم الثالث. وقد أوجد البريطانيون تلك الكيانات, التي أطلقوا عليها اسم "المحميات," لتساعدهم في مساعيهم الحثيثة للسيطرة على المنطقة العربية ونهب ثرواتها. وعندما نجحت القوى الاستعمارية الأوروبية الغربية في إضعاف الدولة العثمانية قبل الحرب العالمية الأولي, والسيطرة على معظم أجزائها بعد ذلك, ظهرت كيانات جديدة تحت الحماية الغربية. وأصبحت الكويت واحدة من تلك الكيانات في عام 1899, نتيجة لاتفاقية الحماية التي وقعتها بريطانيا مع مبارك الصباح, الذي أصبح شيخاً للكويت بعد أن قتل أخويه محمد وجراح, كما مر في الفصل الأول أيضاً.[1]

          طبقا لنظرية النظام الاقتصادي العالمي, فإن العالم مقسم إلى ثلاث مجموعات رئيسة. تضم المجموعة الأولى كلاً من أوروبا الغربية وأميركا الشمالية واليابان, أي المجتمعات الصناعية المتقدمة, وهي بمثابة مركز الدائرة بالنسبة للنظام العالمي. وتضم المجموعة الثانية المجتمعات النامية في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية, وهي بمثابة محيط الدائرة البعيد عن المركز أو الأطراف الهامشية للنظام العالمي. أما المجموعة الثالثة, فتضم المجتمعات الصناعية الأقل تقدما, مثل روسيا وأوروبا الشرقية وشرق آسيا, وتحتل هذه المجموعة موقعاً وسطاً بين المجتمعات المتقدمة والمجتمعات النامية.[2]

        وقد عملت المجتمعات الصناعية المتقدمة, ولا تزال, على الاحتفاظ بسيطرتها على المجتمعات النامية. والهدف من تلك السيطرة هو ضمان الحصول على المواد الخام بأرخص الأسعار, واستخدامها في صناعة المنتجات المختلفة, ثم بيعها بأعلى الفوائد الممكنة. والمحصلة النهائية لهذه العملية أن مجتمعات المركز قد استمرت في تقدمها بينما بقيت مجتمعات الأطراف تراوح محلها في أوضاعها المتخلفة, والتي يطلق عليها تأدباً "النامية."[3] ومما سهل للمجتمعات الصناعية تحقيق ذلك خلقها وحمايتها لطبقات رأسمالية محلية في المجتمعات النامية تعاونت مع المصالح التجارية للدول المتقدمة وساعدتها في تحقيق أهدافها.[4] وهذا يفسر علاقة التبعية التي تربط هذه الطبقات الرأسمالية المحلية مع مثيلاتها في الدول الصناعية المتقدمة.

        وعلى ذلك, فيمكن القول أنه كانت هناك مصالح كبيرة للدول الغربية أدت بها لأن تتدخل في الأزمة العراقية~الكويتية وتجبر العراق على ترك الكويت. فلم يكن ذلك التدخل من أجل تأمين استمرار الإمدادات النفطية الخليجية إلى جميع أنحاء العالم, ولا من أجل "تحرير" بلد من "احتلال" بلد آخر له.[5] فلو كان ذلك هو الهدف, لكان من الأجدر معالجة مشكلة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية أولاً. فالاحتلال الإسرائيلي مستمر منذ عام 1967, ولم تقم إسرائيل بالانسحاب على الرغم من وجود قرارات لمجلس الأمن الدولي تدعوها إلى ذلك, خاصة قراري 242 و338, وكذلك القرار رقم 425 الخاص بجنوب لبنان الذي بدأت إسرائيل باحتلاله منذ عام 1978.[6] وعلى الرغم من ذلك الاحتلال الإسرائيلي الذي استمر لعدة عقود, فإن القوى الغربية لم تفكر أبداً بممارسة أية ضغوط على إسرائيل لحملها على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة. وفي الحقيقة, فإن المصالح الغربية في السيطرة على النفط العربي وعائداته هي أحد أبرز العوامل الرئيسة التي أدت لشن الحرب على العراق. فالأقطار العربية المصدرة للنفط أصبحت مصدراً لثروة الطبقات الحاكمة في المجتمعات الصناعية المتقدمة أكثر من كونها مصدرا للنفط اللازم للمجتمعات الغربية بصفة عامة. فالفوائض المالية العربية الناتجة عن العائدات النفطية يتم تحويلها بانتظام إلى الدول الغربية على شكل استثمارات هناك, منذ عقود عديدة. فبحلول عام 1980, كان نصف الفوائض المالية العربية يستثمر في الولايات المتحدة وبريطانيا. وقد بلغت الاستثمارات العربية في الولايات المتحدة وحدها حوالي 100 بليون دولار من السعودية, و55 بليون دولار من الكويت, و40 بليون دولار من الإمارات.[7] وقد ارتفعت الاستثمارات الكويتية في الغرب إلى أكثر من 100 بليون دولار في عام 1990.

        وبالطبع فإن النخب العربية الحاكمة تعي مقدار تبعيتها واعتمادها على الغرب. لذلك فإنها تستثمر فوائض ثرواتها هناك عن رضى ورغبة, بدلاً من استثمارها في الوطن العربي. وعلى سبيل المثال, فإنه خلال أزمة عام 1990, تمكن آل صباح من منفاهم بالسعودية من استخدام استثماراتهم في الغرب لدفع نفقات الحكومة واللاجئين وكذلك جزء كبير من تكاليف الحرب المباشرة. ومع ذلك, فإن عدم اندثار آل صباح يعود بالدرجة الأولى إلى تعاونهم مع بعضهم البعض, وعملهم كفريق واحد معاً في قيادة النخبة الكويتية الحاكمة. وينطبق الحال أيضاً على آل سعود, اللذين تمكنوا من البقاء في الحكم نتيجة لتنظيمهم الدقيق وعملهم معاً كفريق واحد, بالإضافة إلى كثرة عددهم, مما جعلهم يفاخرون بأن لا مثيل لهم بين الأسر الحاكمة في الوطن العربي.[8]

        وفي هذا الصدد, يقدم خالد بن سلطان شهادة واضحة على قوة تنظيم آل سعود أثناء الأزمة والحرب في عامي 1990 و 1991. فهو يصف الجهود والأنشطة التي قاموا بها آنذاك بأنها كانت على درجة عالية من التنسيق والتكامل. ومن خلال وصفه, يتبين للقارئ بأن تنظيم آل سعود لأنفسهم يكاد يصل إلى مستوى حزب سياسي في غاية التنظيم. وفي هذا يقول:

"لا توجد أية نخبة حاكمة في الوطن العربي يمكنها أن تفاخر بأنها مثيل لآل سعود. كما أنه لا يوجد في العالم كله سوى عدد قليل من النخب الحاكمة التي تماثلهم ... وعلى الرغم من أن الملك قد أسند إليَّ مهمة إدارة التحالف, إلاّ إنني كنت مجرد أحد أعضاء فريق الأسرة السعودية الحاكمة, ولم أكن أعلاهم قدراً. فخلال الأزمة, كانت الأسرة الحاكمة تتصرف كجسم واحد أتاح لأعضائه المختلفين فرصة إظهار مواهبهم تحت الإشراف العام للملك. فكل واحد منهم كان له دور هام ليلعبه أثناء الأزمة. وشمل ذلك جميع أعضاء الأسرة البارزين في مختلف الميادين مثل الأمير عبد الله ولي العهد, ووزيري الدفاع والداخلية ونائبيهما, وأمير الرياض, ووزير الخارجية, وأمراء المناطق, ورؤساء اللجان الملكية, والسفراء, وأعضاء لجان الأمن الوطني, وضباط القوات المسلحة, وغيرهم. وقد أثبتت شبكة أعضاء أسرة آل سعود بأنها مرنة وفعالة. وبمساندة العديد من الأفراد من خارج الأسرة, والذين يعملون في الحكومة والمهن المختلفة والتجارة, فإن المملكة ظهرت وكأنها أكثر قوة وتماسكا – عالمياً وإقليمياً – من جيرانها جميعا."[9]

            وبالنسبة للعراق في العهد الملكي, خاصة بعد وفاة الملك غازي, فإن العلاقات بينه وبين بريطانيا كانت تشبه العلاقات التي تربط الأسر الخليجية الحاكمة مع بريطانيا. لكن تلك العلاقات قد تغيرت بعد ثورة 1958, حيث بدأ العراق باتباع سياسة مستقلة اقتربت من السياسات القومية العربية في مصر وسوريا آنذاك. وكان الاستثناء في ذلك خلال فترة الحرب العراقية~الإيرانية, عندما اضطر العراق لاستيراد كميات كبيرة من المعدات الصناعية العسكرية, مما جعله يعتمد في ذلك على الدول الصناعية. ولم تفت بن سلطان فرصة التعليق على هذا الأمر, فأشار إلى أن العراق في علاقاته التجارية مع فرنسا كان يشبه الدول الخليجية في علاقاتها مع بريطانيا والسعودية في علاقاتها مع الولايات المتحدة.[10] والحقيقة أن هناك فرقاً كبيراً بين العراق وأقطار الخليج العربي في ذلك, خاصة أن الأمر ينطبق على فترة زمنية محددة بالنسبة للعراق, ولكنها غير محددة بالنسبة للأنظمة الخليجية.

 

المصالح التجارية والبريدية لبريطانيا

 

        أصبح البريطانيون مهتمين بالكويت ومنطقة الخليج العربي نتيجة حاجتهم لتأمين طرق للبريد والتجارة مع الهند. وكانت البصرة في بداية الأمر محلاً لإقامة التجار الأوروبيين على الشاطئ الغربي للخليج العربي. لكن عدة أحداث تاريخية أرغمت البريطانيين على اتخاذ الكويت بديلا عنها. وكانت الحادثة الأولى في أبريل/نيسان 1776, عندما قام الفرس باحتلالها على إثر خلاف بين شاه إيران, كريم خان, وباشا بغداد. فقد اتهم الباشا بأنه كان يسئ معاملة التجار والحجاج الفوارس. وبسبب تلك الحادثة, قامت شركة الهند الشرقية البريطانية بنقل مقرها من البصرة إلى الكويت, خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 1776 و 1779. كما عاودت الشركة المذكورة نقل مكاتبها من البصرة إلى الكويت خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 1792 و 1794, وذلك بسبب الاضطرابات التي وقعت في البصرة في ذلك الحين.[11]

         وفي ديسمبر 1821, نقل المقيم البريطاني في البصرة مكاتبه إلى جزيرة فيلكه الكويتية, على إثر خلافات بينه وبين السلطات العثمانية هناك. وعلى الرغم من أن الكويت كانت تقوم بدور البديل عن البصرة في تلك الأوقات, إلاّ أن ذلك لم يكن هو السبب الوحيد لاهتمام البريطانيين بها. فقد زاد اهتمامهم بشبه الجزيرة العربية نتيجة للوجود المصري هناك. فبعد أن تمكن محمد على, حاكم مصر, من القضاء على الحركة الوهابية واحتواء الحكم السعودي, أبقى قواته هناك. كذلك فإنه عين ممثلاً له في الكويت ووقع اتفاقية مع البحرين. وبالطبع, فإن البريطانيين لم يكونوا مسرورين من تلك الأنشطة المصرية. لذلك لم يهدأ بالهم إلاّّ بعد إرغام محمد علي على التوقيع على اتفاقية لندن عام 1840, والتي تعهدت مصر بموجبها بالانسحاب من شبه الجزيرة العربية ومنطقة الخليج العربي وسوريا. وبالإضافة إلى ذلك, فإن البريطانيين زادوا من نشاطهم بهدف توطيد أنفسهم في منطقة الخليج العربي نتيجة للتنافس الاستعماري الأوروبي على استغلال موارد الدولة العثمانية. ففي عام 1872, عرض الألمان على الحكومة العثمانية مشروع سكة حديد برلين~بغداد. ورداً على ذلك, اقترحت إحدى لجان مجلس العموم البريطاني إنشاء سكة حديدية تربط الكويت بالإسكندرونه, على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. لكن افتتاح قناة السويس والاحتلال البريطاني لمصر, في عام 1882, قللا من أهمية تلك العروض والاقتراحات. أخيراً فإن بريطانيا أرادت أن تؤكد علاقاتها الخاصة مع الكويت, والتي أصبحت رسمية بتوقيع اتفاقية الحماية في عام 1899, خاصة بعد المحاولتين العراقيتين لاستعادة الكويت في أوائل القرن العشرين. وهكذا, قام اللورد كيرزُن, نائب الملك البريطاني في الهند, بزيارة الكويت ومشيخات الخليج العربي الأخرى في عام 1903. وتمخضت الزيارة عن تعيين س ج  نوكس كأول مقيم سياسي بريطاني في الكويت. كذلك فإن كيرزن قد فرض لشيخ الكويت, مبارك, راتباً شهرياً قدره مائة ألف روبية هندية وخمسمائة كيس من الأرز. وفي المقابل, وافق مبارك, في عام 1904, على حصر الخدمات البريدية في الكويت على البريطانيين وحدهم. وفي عام 1912, وافق أيضاً على السماح للبريطانيين بإنشاء محطة لخدماتهم البرقية (التلغرافية) هناك.[12]

 

المصالح النفطية للولايات المتحدة وبريطانيا

 

        في عام 1913, وافق الشيخ مبارك الصباح على اطلاع ممثل الحكومة البريطانية, الفريق البحري سليد, على مواقع النفط في منطقة برقان. كما وافق على عدم منح أية امتيازات نفطية للأشخاص والدول إلاّ بموافقة بريطانيا (انظر الملحق رقم 5.أ). ومع ذلك, فإن الاتفاقية النهائية على الحفر بهدف استخراج النفط لم توقع إلاّ في عهد حفيده أحمد الجابر (1921-1950), في عام 1934. وبعد ذلك بأربعة أعوام, أي في عام 1938, تم اكتشاف النفط, لكن الآبار بقيت مغلقة طيلة فترة الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1946, صدَّرت الكويت حوالي 5.9 مليون برميل من النفط بيعت بحوالي 760 ألف دولار.[13] واستمرت صادرات النفط وعائداته في الزيادة منذ ذلك الحين لتصل إلى قمتها في الفترة الواقعة بين منتصف السبعينات ومنتصف الثمانينات, كما أوضحنا في الفصل الرابع.

            وقصة النفط في الكويت تعطي مثالاً على المنافسة الشديدة والجهود الحثيثة للمجتمعات الصناعية المتقدمة للحصول على المواد الخام من المجتمعات النامية بأرخص الأسعار. وقد أصبحت الحكومة البريطانية مهتمة جدياً باستكشافات النفط في الشرق الأوسط منذ عام 1913. ففي ذلك العام, أعلن وزير البحرية البريطانية ونستن تشرشل أن بلاده تنوي تملُّك (أو السيطرة على) إنتاج النفط في المنطقة بهدف ضمان استمرار الإمدادات النفطية للسفن البريطانية. وتنفيذاً لذلك, قامت الحكومة البريطانية في العام التالي, 1914, بشراء 51 بالمائة من أسهم شركة النفط البريطانية~الإيرانية.

        أما الاهتمام الأميركي بمنطقة الخليج العربي, فقد بدأ مع بداية القرن العشرين. ففي عام 1910, وصل أعضاء يمثلون البعثة العربية لكنيسة الإصلاح الأميركية إلى الكويت. وقد أكملت البعثة بناء مستشفى عام هناك, في عام 1914. كما قامت ببناء مستشفى للنساء ومدرستين. وكان الهدف من ذلك الحصول على موطئ قدم في هذه المنطقة الغنية بالنفط.[14]  أما شركات النفط الأميركية, فقد أصبحت مهتمة بالشرق الأوسط, بحلول عام 1920. وحدث ذلك نتيجة لثلاثة عوامل رئيسة. تلخص العامل الأول في أن الاحتياطيات النفطية الأميركية كانت آخذة في التناقص. أما العامل الثاني فتمثل في التكاليف الباهظة لإنتاج النفط الأميركي. وكمن العامل الثالث في خوف الشركات النفطية الأميركية من الاحتكار الألماني~البريطاني لإنتاج النفط في الشرق الأوسط, الأمر الذي كان سيغلق باب الفرص أمامها في المستقبل. وهكذا بدأت أكبر سبع شركات نفط أميركية (الأخوات السبع) مفاوضات لها مع شركة النفط التركية, في عام 1922, بهدف شراء بعض امتيازاتها. وفي عام 1928, أصبحت شركات النفط الأميركية شريكاً كاملاً مع شركة النفط الفرنسية~البريطانية, التي كان لها امتيازات نفطية احتكارية في إيران. على إثر ذلك, قامت شركات النفط الأميركية بإنشاء شركة تنمية الشرق الأدنى, لتمثل مصالحها المشتركة في المنطقة. وفي بداية الأمر, حاول البريطانيون منع الأميركيين من دخول سوق النفط في الشرق الأوسط, لكنهم تراجعوا عن ذلك عندما ذكّرهم الأميركيون بمساندة أميركا لهم في الحرب العالمية الأولى. ومع ذلك, عادت المقاومة البريطانية للمصالح النفطية الأميركية من جديد في عام 1929, عندما كان الأميركيون يفاوضون للحصول على امتياز للتنقيب عن النفط في البحرين, لكنهم ما لبثوا أن تراجعوا هذه المرة أيضاً. وهكذا, نجحت شركة نفط ستاندرد الأميركية المسجلة في كاليفورنيا في الحصول على امتياز للتنقيب عن النفط في البحرين, في عام 1930. وقد أدى ذلك فيما بعد إلى تسهيل حصول الأميركيين على امتيازات نفطية أخرى في السعودية والكويت.

        وطبقاً لاتفاقية الحماية التي وقعتها بريطانيا مع مبارك الصباح, في عام 1899, لم يكن باستطاعة الكويت منح أية امتيازات نفطية لأية شركة بدون الموافقة البريطانية. وفي عام 1930, دخلت شركة النفط البريطانية~الإيرانية في مفاوضات مع الشيخ أحمد الجابر بهدف الحصول على امتياز للتنقيب عن النفط في الكويت. وبطبيعة الحال, فإن الحكومة البريطانية قد ساندت الشركة في مسعاها وشجعت أحمد الجابر على منحها الامتياز الذي كانت تسعى إليه. وفي نفس الوقت, كانت شركة نفط الخليج الشرقية الأميركية تفاوض الشيخ لنفس الغرض. ولم يكن باستطاعة الشركة الأميركية التقدم في المفاوضات إلاّ بعد تدخل الحكومة الأميركية كعامل توازن كان من شأنه أن يحيِّد مساندة الحكومة البريطانية للشركة البريطانية المنافسة.

        وهكذا, سمحت الحكومة البريطانية لشيخ الكويت منح امتياز نفطي للشركة الأميركية بعد تدخل الحكومة الأميركية, في عام 1933. عندها, قامت الشركتان المتنافستان بإنشاء شركة نفط بريطانية~أميركية مشتركة لاستغلال نفط الكويت. وأصبحت الشركة الجديدة تعرف بشركة نفط الكويت, والتي كانت مملوكة مناصفة للشركتين. وقد غطى امتياز الشركة الأراضي الكويتية كلها بالإضافة إلى الجزر الكويتية القريبة, ولمدة 75 سنة. وفي المقابل, وافقت الشركة على إعطاء شيخ الكويت دفعة مالية مبدئية قدرها 142,000 دولار, وأجرة سنوية مقدارها 28,000 دولار, وضريبة مبيعات سنوية مقدارها ثلاث روبيات (أي حوالي دولار واحد) على كل طن من النفط الخام. وفي المحصلة النهائية, كانت الاتفاقية مثالاً على الاستغلال الاحتكاري الذي تمارسه الدول الصناعية المتقدمة ضد المجتمعات النامية. وكان للشركة الحق في إيقاف أو تخفيض الإنتاج بغض النظر عن حاجات السوق. وهذا يفسر سبب عدم تصدير كميات كبيرة من نفط الكويت حتى عام 1951, على الرغم من أن الإنتاج قد بدأ في عام 1946.[15]         

        وفي عام 1951, تم تعديل الاتفاقية بحيث تمنح شيخ الكويت 50 بالمائة من أرباح الشركة. وكان لذلك علاقة بتأثير حكومة مصدق الثورية في إيران على المنطقة. وفي عام 1976, تمكنت الحكومة الكويتية من السيطرة الكاملة على ما تبقى من أسهم شركة نفط الكويت التي كانت في حوزة الشركتين البريطانية والأميركية. ويرجع الفضل في ذلك إلى القوة السياسية والمالية التي أصبحت تتمتع بها الأقطار الأعضاء في أوبك نتيجة للعائدات الضخمة التي جنتها على إثر الحظر النفطي العربي الذي نفّذ في عامي 1973 و 1974. ومع ذلك, فان تأميم الشركة لم ينه علاقات الكويت ببريطانيا وأميركا. فالحاجة إلى انسياب منتظم للنفط من منطقة الخليج العربي أضحت هدفاً بعيد المدى بالنسبة للدول الغربية. لذلك, لم يكن مستغرباً أن تقوم الولايات المتحدة بإرسال سفنها الحربية لحماية ناقلات النفط الكويتية من الهجمات الإيرانية, في عام 1987. كذلك وافقت الولايات المتحدة, في عام 1988, على بيع الكويت 40 طائرة حربية نفاثة من طراز إف~18, وعدد من الصواريخ, وأسلحة أخرى بقيمة 1.9 بليون دولار. وأهم من ذلك كله, أن الولايات المتحدة تعلم أنها بينما تملك حوالي 3.8 بالمائة فقط من الاحتياطيات النفطية العالمية, فإن منطقة الخليج العربي تحتوي على حوالي 62 بالمائة من تلك الاحتياطيات, وأنها قادرة على تزويد العالم بالنفط لأكثر من مائة عام.[16] وقد أدت المصالح النفطية الغربية في منطقة الخليج العربي إلى تعزيز مركز الشيوخ في المجتمع الخليجي.

 

مركز الشيوخ في المجتمع

 

            تعرضت صناعة الغوص على اللؤلؤ في الكويت والأقطار الخليجية الأخرى للسقوط, في منتصف الثلاثينات من القرن العشرين, نتيجة للكساد التجاري الذي أصاب الدول الصناعية الغربية وتطور صناعة اللؤلؤ الصناعي في اليابان. وأدى ذلك إلى تحول التجار الخليجيين إلى تهريب الذهب إلى الهند. وخلال تلك الفترة, كان التجار وأصحاب القوارب يتمتعون بمركز اجتماعي أفضل من مركز الشيوخ. وكانت العلاقة بين التجار وأصحاب القوارب من ناحية, والملاحين والغواصين من ناحية أخرى, علاقة شراكة أكثر من كونها علاقة تربط العمال بأصحاب العمل, والتي عادة ما تبنى على الأرباح والأجور فقط. وكان الصيادون والبحارة والغواصون أكثر ارتباطاً مع التجار وأصحاب القوارب من ارتباطهم مع الشيوخ, الذين كانوا يستفيدون من تلك الأنشطة الاقتصادية أيضاً من خلال جمع الضرائب وفرض التعريفات. ولم يستعد الشيوخ مركزهم الأكثر أهمية من التجار وأصحاب القوارب إلاّ عندما بدأ تصدير النفط في نهاية الأربعينات. فقد مكنتهم سيطرتهم الكاملة على العائدات النفطية من أن يصبحوا أيسر حالاً وأكثر قدرة على الإحسان لرعاياهم.

 

        وهكذا, يمكن القول أن السياسة الاستعمارية البريطانية, التي أدت إلى سيطرة الشيوخ الكاملة على العائدات النفطية, هي التي رفعت من مركزهم ليصبحوا في وضع يمكنهم من القيام بدور الراعي الأبوي لمواطنيهم, الأمر الذي كرَّسهم في النهاية كحكام فعليين في المجتمعات الخليجية. وقد كان من السهل على الناس الوصول إلى الشيوخ في مجالسهم اليومية قبل الثروة النفطية, ولكنه لم يعد بإمكانهم ذلك, بنفس السهولة, بعدما أصبح الشيوخ يتمتعون بثراء طائل.[17]  وقد أدى ذلك إلى مطالبة المواطنين بأن يكونوا ممثلين في الحكومة الكويتية. لذلك, وعلى إثر الاستقلال السياسي في عام 1961,  وافق الشيخ عبد الله السالم على كتابة دستور للكويت في عام 1962, وعلى انتخاب مجلس الأمة في عام 1963. لكن المجلس النيابي قد علق مرتين, في عامي 1976 و 1986, عندما تجرأ بعض أعضائه على انتقاد أفراد من الأسرة الحاكمة.[18] وعلى الرغم من قوة العلاقة بين القوى الغربية الرئيسة والنخب الحاكمة في أقطار الخليج العربي, إلاّ أن تلك القوى الغربية لم تذهب إلى الحرب فقط من أجل نجدتهم ولإخراج العراقيين من الكويت, كما روجت أجهزة الدعاية والإعلام في دول التحالف. فقد كان هناك سبب هام آخر يتعلق بمصالح النخب الحاكمة في الدول الغربية. فالأزمة العراقية~الكويتية التي أدت للغزو العراقي للكويت كانت بالفعل فرصة للمؤسسات العسكرية في الغرب لتقوية مركزها في المجتمعات الغربية من جديد, بعد خيبة أملها في انتهاء الحرب الباردة.

 

الظاهرة العسكرية في الغرب

 

        لقد كانت حرب الخليج بالفعل حملة غربية لتدمير الآلة العسكرية التي اشتراها وبناها العراقيون خلال الخمسة عشر عاماً التي سبقت الحرب. فالمعدات الصناعية والعسكرية التي استعملها العراق في تطوير أنظمة أسلحته التقليدية والاستراتيجية تم شراؤها بصفة قانونية من أكثر من 445 شركة غربية.[19] وفي الحقيقة, فان الحكومات الغربية شجعت الشركات على بيع الأسلحة للعراق وإيران, طيلة الحرب العراقية~الإيرانية التي امتدت من عام 1980 إلى عام 1988,  بهدف إحداث أقصى درجة ممكنة من التدمير في البلدين. وعندما انتهت الحرب في عام 1988, لم يكن صانعو السياسة في الدول الغربية مرتاحين لوجود كل أنظمة الأسلحة تلك في العراق. فقد رأوا فيها تهديدا محتملاً لأمن إسرائيل وللمصالح الغربية في الوطن العربي.

        وقد كانت حرب الخليج مثالاً صارخاً على كيفية تعامل المجتمعات الصناعية الغربية مع شعوب العالم الثالث, مستخدمة ضدها أعتى وسائل التدمير بهدف إبقائها تحت سيطرتها. كما أظهرت الحرب السعي الحثيث للصناعات العسكرية الغربية لبيع أسلحتها للأقطار العربية. وقد أدى هذا النهج الغربي إلى تكديس الأسلحة وتضخيم الميزانيات العسكرية, الأمر الذي نتج عنه زيادة نفوذ المؤسسات العسكرية في المجتمع, أي الظاهرة العسكرية, في الغرب وفي الشرق الأوسط على حد سواء. ومن أبرز النتائج السلبية للظاهرة العسكرية أنها تحرم المجتمعات النامية من الموارد المالية التي هي في حاجة ماسة لها من أجل التنمية. وحتى في المجتمعات المتقدمة, مثل الولايات المتحدة, فإن الظاهرة العسكرية قد أجبرت الحكومة الاتحادية على الاقتراض بهدف الإنفاق العسكري, حتى أصبحت أكبر حكومة مدينة في العالم. وفي نفس الوقت, ينعم التكتل الصناعي~العسكري بالمبالغ الضخمة من المال الذي اقترضته الحكومة للإنفاق العسكري.

        وفي خطاب الوداع الذي ألقاه في نهاية مدة حكمه في عام 1961, حذَّر الرئيس أيزنهاور من أن وجود مؤسسة عسكرية ضخمة ودائمة وتكتل صناعي~عسكري كبير, كما هو الحال في الولايات المتحدة, يمكن أن يؤدي إلى تهديد الحكومة الديمقراطية في البلاد والى تهديد السلام في العالم. فالتكتل الصناعي~العسكري يمكن أن يصبح قوة مستقلة بذاتها تحدد الأولويات في العلاقات الداخلية والخارجية للأمم. فيتم تحويل الأموال التي تحتاجها البرامج الاجتماعية إلى برامج التسليح. وهكذا, وبسبب بلايين الدولارات من الأرباح والآلاف من الوظائف, فإن التكتل الصناعي~العسكري يصبح ذا مصلحة في خلق وإدامة الصراعات في العالم, بدلاً من نشر السلام والمحافظة عليه. وبالفعل, تحققت كل مخاوف الرئيس أيزنهاور, وأصبح ذلك التكتل يتمتع بنفوذ كبير على صنع السياسة الأميركية.[20]

            وحتى في عام 1992, وبعد انتهاء الحرب الباردة وسباق التسلح مع الاتحاد السوفيتي, فإن الإنفاق على المؤسسة العسكرية الأميركية قد بلغ حوالي 44 بالمائة من عائدات الضرائب الاتحادية. وقد وصل ذلك إلى حوالي 419 بليون دولار من أصل الضرائب التي جمعتها الحكومة الاتحادية والتي بلغت 944 بليون دولار في ذلك العام.[21]  وعلى الرغم من أن الإنفاق العسكري أخذ في التناقص فيما بعد, إلاّ أنه لا زال يمثل أكبر نسبة في الميزانية الاتحادية. ففي عام 1996, بلغ الإنفاق العسكري المباشر حوالي 261 بليون دولار, كانت تمثل حوالي 17 بالمائة من الميزانية الاتحادية التي بلغت حوالي 1.5 ترليون دولار. وفي نفس الوقت بلغ الإنفاق على برنامج مساعدة الأسر الفقيرة ذات الأطفال حوالي 1.5 بالمائة. أما الفوائد المدفوعة للدَين القومي, فقد بلغت حوالي 14 بالمائة من تلك الميزانية.[22]

            ولا يقف الأمر عند هذا الحد, فالأسلحة التي تم شراؤها سابقاً يتم تدميرها أو تصبح قديمة عندما يتم تطوير وتصنيع أسلحة جديدة. وذلك يفتح الباب أمام شراء أجيال جديدة من الأسلحة. وقد ألهمت سياسات الشراء المتبعة في وزارة الدفاع الأميركية أحد العاملين فيها, وهو تشَك سبين, لإعداد كتيب عن ذلك عنوانه "أهلاً بكم في وزارة الدفاع." وكشف تشَك أن الفرق بين خطط الإنفاق التي نفذها الرئيس ريغَن والمبالغ الفعلية التي وافق عليها الكونغرس كان حوالي 500 بليون دولار. وهذا يعني أن برنامج التسليح الذي تبناه ريغَن كان يزيد كثيراً عما نشر فعلياً على عامة الناس. أما تفسير تلك المبالغ الإضافية الهائلة فيكمن في أن "مطوري  الأسلحة, إذا ما أتيحت لهم الفرصة, فإنهم دائما يفضلون الحلول المعقدة والطويلة على حساب الحلول البسيطة. فالحلول المعقدة تؤدي إلى تكاليف أكبر في الشراء والعمليات والصيانة."[23]

                وينتج عن ذلك أن التكاليف العسكرية الباهظة تقود حتماً إلى زيادة الدَين القومي. فقبل أن يتولى الرئيس ريغَن منصبه, كان الدين القومي الأميركي قد وصل إلى حوالي 900 بليون دولار. وعندما أنهى ريغَن فترة حكمه الثانية في عام 1988, كان الدين القومي قد وصل إلى حوالي 3 ترليون دولار. وهذا هو سر المحبة الغامرة والإعجاب اللامحدود الذي يكنه له المنتفعون من سياساته التسليحية, خاصة العاملون منهم في التكتل الصناعي~العسكري.[24] وقد حذا خليفته جورج بوش حذوه, متبعاً نفس سياسته في الاقتراض والإنفاق العسكري. وكانت النتيجة أنه قد أضاف إلى الدين القومي الأميركي, خلال فترة حكمه, حوالي 1.2 ترليون دولار.[25] وإذا ما وضعنا في الاعتبار أن الإنفاق العسكري الأميركي المباشر خلال فترتي حكم ريغَن وبوش قد بلغ حوالي 3.95 ترليون دولار, فإن العلاقة الوثيقة ما بين الدين القومي والإنفاق العسكري تصبح أكثر وضوحاً. وقد بلغ حجم الإنفاق العسكري الأميركي خلال فترة الحرب الباردة, أي ما بين عامي 1945 و 1991, حوالي 12.8 ترليون دولار (كما هو موضح في جدول رقم 1.5). وقد وصل ذلك إلى حوالي 46.2 بالمائة من الدخل الفردي لدافعي الضرائب الأميركيين, خلال تلك الفترة.[26]  وهكذا, أتاحت الحرب الباردة وقرينها الدين القومي فرصة عظيمة لجمع الأموال الطائلة من قبل الأثرياء والأقوياء المتحكمين في التكتل الصناعي~العسكري في الولايات المتحدة. وفي نفس الوقت, فإن تلك الفترة كانت حملاً ثقيلاً على كاهل المواطنين من دافعي الضرائب, كما مثلت مزيداً من الحرمان للفقراء الذين لم يصلهم سوى القليل من خيرات المجتمع. والعجيب أنه عندما أصبح من الممكن البدء في سداد الدين القومي ابتداء من العام 2001, نظراً لزيادة العائدات الضريبية الاتحادية, فإن أولويات الرئيس بوش الأصغر تمثلت في تخفيض الضرائب على الأغنياء. وذلك يعني عمليا إبقاء الدولة مدينة لهم حتى يستمروا في تلقي الفوائد السنوية المترتبة على ديونها لهم.

        وقد أصبح من سمات المجتمع الأميركي, نتيجة لذلك, أن الغني يزداد غنى والفقير يزداد فقراً. فخلال الفترة الواقعة ما بين عام 1977 و 1992, زادت دخول أغنى فئات الشعب الأميركي الذين كانوا يمثلون 1 بالمائة فقط من السكان بمقدار 91 بالمائة. أما الخمس الأعلى من الشعب, فقد زاد دخلهم بمقدار 28 بالمائة. لكن حوالي 40 بالمائة من الأميركيين قد تعرضوا لنقصان في دخولهم. والحقيقة أن أفقر 20 بالمائة من الأميركيين قد فقدوا حوالي 17 بالمائة من دخولهم. كما تعرض 20 بالمائة آخرين هم أقل فقراً لنقصان في دخولهم بلغ حوالي 7 بالمائة في نفس الفترة المذكورة.[27] وقد لخص الرئيس أيزنهاور الأمر كله, في خطابه الذي ألقاه في 18 أبريل/نيسان 1953, عندما قال:

"كل مدفع يتم صنعه, وكل سفينة يتم تدشينها, وكل صاروخ يتم إطلاقه, يمثل في النهاية سرقة من أفواه الجياع الذين لم يتم إطعامهم, ومن الذين يتعرضون للبرد ولم يقدم الكساء لهم. إن عالم التسليح لا يعني إضاعة للأموال فقط, بل إنه يمثل أيضاً إضاعة لعرق العمال, وعبقرية العلماء, وآمال الأطفال. فتكاليف إحدى القاذفات الثقيلة تزيد على تكاليف بناء ثلاثين مدرسة حديثة."[28]

                كذلك فإن الأنفاق العسكري الأميركي فاق بكثير مثيله في أية دولة أخرى في العالم. فخلال العشر سنوات الممتدة ما بين عام 1984 و عام 1993, أنفقت الولايات المتحدة حوالي 3.1 ترليون دولار على مؤسستها العسكرية. وفي نفس الوقت, فإن حليفتي أميركا الرئيستين في الغرب, بريطانيا وفرنسا, قد أنفقتا حوالي 825 بليون دولار لنفس الغرض (فأنفقت بريطانيا حوالي 408 بليون دولار وأنفقت فرنسا حوالي 417 بليون دولار). وهكذا, زاد الإنفاق العسكري الأميركي عن مثيله في بريطانيا وفرنسا معاً بأكثر من 3.7 مرة.[29]  وقد تأثرت بلدان العالم الثالث عامة بظاهرة الإنفاق العسكري, خاصة المصدرة للنفط منها. فبدلاً من إنفاق ثروتها النفطية على مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية, وجدت نفسها في منافسة للحصول على أحدث الأسلحة. ولم يكن لمعظمها خيار في ذلك بسبب التهديد الذي فرضه عليها سباق التسلح مع جيرانها. وكانت النتيجة تأخيراً في التنمية وتراكماً في الديون الخارجية.

        فخلال الفترة الواقعة ما بين عام 1986 وعام 1995, استوردت بلدان الشرق الأوسط ما قيمته حوالي 78.5 بليون دولار من الأسلحة التقليدية, وذلك من إجمالي التجارة الدولية التي بلغت حوالي 321.1 بليون دولار. وكان ذلك يمثل حوالي 24.5 بالمائة من إجمالي واردات العالم من هذه الأسلحة (كما هو موضح في جدول رقم 2.5). وقد قامت أوروبا الغربية وأميركا الشمالية بتصدير ما قيمته حوالي 186.2 بليون دولار من الأسلحة التقليدية خلال نفس الفترة. وكان ذلك يمثل حوالي 58 بالمائة من التجارة العالمية في الأسلحة التقليدية (كما هو موضح في الجدول رقم 3.5) أما روسيا (التي ورثت الاتحاد السوفيتي), فقد صدرت ما قيمته حوالي 91.5 بليون دولار من الأسلحة التقليدية. وهكذا, فإن الدول الأربعة الرئيسة التي تنتج الأسلحة في العالم (الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا) قد صدرت ما قيمته حوالي 243.4 بليون دولار من الأسلحة, في نفس الفترة. وكان ذلك يمثل حوالي 76 بالمائة من سوق السلاح العالمي.[30]

        وقد أظهرت بلدان الشرق الأوسط تنافساً كبيراً في إنفاقها العسكري. ويعود سباق التسلح في المنطقة إلى ثلاثة عوامل رئيسة. تمثل العامل الأول في اغتصاب فلسطين في عام 1948, ثم في احتلال إسرائيل للأراضي العربية خلال حرب عام 1967. فلكي تستمر في احتلالها للمناطق العربية, قامت إسرائيل بإنفاق حوالي 72.4 بليون دولار على مؤسستها العسكرية خلال الفترة الممتدة ما بين عام  1984 وعام 1994, وهكذا فاقت جميع الأقطار العربية المحيطة بها (وغني عن القول بأن جل هذا المبلغ هو هبة لا ترد من الولايات المتحدة الأميركية). فقد بلغ الإنفاق العسكري 25.59 بليون دولار في مصر, و 3.66 بليون دولار في الأردن, و31 بليون دولار في سوريا, في نفس الفترة المذكورة (كما هو موضح في جدول رقم 4.5) وقد مثلت السياسات الإيرانية العامل الثاني الذي أدى لسباق التسلح في الشرق الأوسط. فقد اشترت حكومة الشاه كميات ضخمة من الأسلحة التي استخدمتها في تهديد الأقطار العربية المجاورة لها وفي احتلال الجزر العربية في الخليج. ولم تترك المساندة الإيرانية لحركة التمرد الكردي خياراً للعراق عدا تسليح نفسه لمقاتلة المتمردين للمحافظة على وحدة ترابه الوطني. واستمر الإنفاق العسكري في الازدياد في البلدين طيلة فترة الحرب العراقية~الإيرانية التي امتدت من عام 1980 إلى عام 1988. ووصل الإنفاق العسكري الإيراني حوالي 139 بليون دولار في الفترة الواقعة ما بين عامي 1984 و 1994, بينما وصل الإنفاق العسكري العراقي حوالي 85 بليون دولار في نفس الفترة المذكورة. وقد مثلت الحرب العراقية~الإيرانية ونتائجها العامل الثالث الذي أدى إلى موجة جديدة من الإنفاق العسكري في المنطقة. فقد أنفقت أقطار الخليج العربي حوالي 257.4 بليون دولار في نفس الفترة, أي ما بين 1984 و 1994. لكن ينبغي التنويه أن جزءاً من ذلك الإنفاق حدث بعد حرب الخليج. فأنفقت السعودية حوالي 187 بليون دولار, وتلتها الكويت التي أنفقت حوالي 31.2 بليون دولار, ثم عُمان التي أنفقت 17.5 بليون دولار. وأنفقت الإمارات 17 بليون دولار, وحتى البحرين أنفقت 2.3 بليون دولار.[31]  وهكذا فإن إجمالي الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط, أي العربي والإيراني والإسرائيلي, قد وصل إلى 622.8 بليون دولار في الفترة المذكورة (كما هو موضح في جدول 4.5).       

وقد مثل الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط حوالي 21 بالمائة من الميزانيات الحكومية و17 بالمائة من إجمالي المنتجات المحلية العامة. وبينما كانت الديون الخارجية تقتطع حوالي 35 بالمائة من الصادرات في عام 1981, فإنها زادت لتصل إلى 113 بالمائة في عام 1991, نتيجة للزيادة الهائلة في الإنفاق العسكري.[32]  والمحصلة النهائية أن الشرق الأوسط قد حُرِمَ من فرصة ذهبية للحاق بأقاليم العالم الأخرى نتيجة لذلك الإنفاق العسكري الهائل والحروب المتلاحقة التي فُرضت على العرب. والأهم من ذلك أن غالبية الأقطار العربية قد غرقت في الديون, مثل الولايات المتحدة, على الرغم من الثروة النفطية العربية التي كان يمكن لو استخدمت بحكمة أن يعم خيرها العرب جميعاً.

 

الثروة النفطية

 

        لقد من الله سبحانه وتعالى على الأمة العربية بثروة نفطية هائلة لا يزال معظمها في باطن الأرض. فمجموع الاحتياطيات النفطية العربية المحققة يبلغ حوالي 592 بليون برميل. وطبقاً لإحصائيات أوبك,[33]  فإن السعودية لديها أكبر تلك الاحتياطيات (259 بليون برميل), يليها العراق (100 بليون برميل), ثم الإمارات (96.5 بليون برميل), فالكويت (94 بليون برميل), وليبيا (29.5 بليون برميل), والجزائر (9.2 بليون برميل), وأخيراً قطر (3.7 بليون برميل). وإذا ما استعملنا أسعار بداية عام 2000, التي كانت حوالي 25 دولاراً للبرميل الواحد من النفط, فإنه يمكن تقدير الثروة النفطية العربية بحوالي 14.8 ترليون دولار. والجدير بالذكر أن هذا الرقم من المتوقع له أن يكون أكبر من ذلك بكثير, لأن أسعار النفط ستستمر في الارتفاع طيلة القرن الحادي والعشرين, على الأرجح. وذلك لأنه سيصبح أكثر ندرة مع الزمن, كمصدر محدود للطاقة لا يتجدد. وإذا ما استمرت معدلات الاستهلاك العالمية كما كانت عليه في التسعينات من القرن العشرين, فإن البلدان المصدرة للنفط ستكون قادرة على تزويد العالم بهذا المصدر من الطاقة طيلة الجزء الأكبر من القرن الحادي والعشرين. لكن السعودية يمكن أن تكون البلد الوحيد المصدر للذهب الأسود , في القرن الثاني والعشرين.

        وخلال العقد الممتد ما بين عامي 1985 و 1995 (باستثناء عام 1986), فإن الأقطار العربية الرئيسة المصدرة للنفط قد حصلت على حوالي 755 بليون دولار من العائدات النفطية. وقد احتلت السعودية مكان الصدارة, إذ كان نصيبها حوالي 310 بليون دولار, وتلتها الإمارات (114 بليون دولار), ثم الكويت (77.5 بليون دولار), ثم ليبيا (84 بليون دولار), وقطر (28 بليون دولار). وإذا ما أضيفت العائدات النفطية الإيرانية لنفس الفترة (137 بليون دولار), فإن العائدات النفطية في الشرق الأوسط ككل قد وصلت إلى حوالي 892 بليون دولار.[34]

            والمحزن أن الجزء الأكبر من تلك العائدات النفطية, أي 62 بالمائة منها, تم إنفاقه على المؤسسات العسكرية وشراء الأسلحة. وقد بلغ ذلك حوالي 550 بليون دولار من جملة العائدات النفطية المذكورة في نفس الفترة.[35] فلم يجد العرب بداً من زيادة إنفاقهم العسكري لحماية أنفسهم من الحروب المتلاحقة التي شنتها إسرائيل عليهم, ونتيجة لحربي الخليج الأولى والثانية اللتين فرضتا على العراق والأمة العربية ككل. وبسبب ذلك الإنفاق العسكري, فإن الأقطار العربية جميعاً قد أصبحت مدينة للدول الصناعية المصدرة للأسلحة. ونالت الأقطار العربية التي تعرضت للحروب النصيب الأكبر من الديون العربية الخارجية, والتي بلغت حوالي 304 بليون دولار.[36] فبحلول عام 1995, أصبح العراق مدينا بحوالي 95 بليون دولار. أما الأقطار العربية التي تعرضت للحروب الإسرائيلية (مصر وسوريا والأردن ولبنان), فقد نالها حوالي 65.9 بليون دولار من الديون الخارجية. وقد عانى الشعب العربي الفلسطيني تحت الاحتلال من متوسط دخل للفرد هو الأقل في المنطقة (حوالي 1,192 دولاراً في السنة). وحتى أقطار الخليج العربي الغنية بالنفط والقليلة السكان, فإنها راكمت حوالي 44.7 بليون دولار من الديون الخارجية. ونتج عن ذلك أنه لم يعد بمقدورها أن تمد يد المساعدة الحقيقية للأقطار العربية الأخرى. وبعبارة أخرى, فإن المواطنين العرب الذين وصل عددهم إلى حوالي 250 مليون نسمة في نهاية التسعينات من القرن العشرين, حرموا من المشاركة في ثروة الأمة النفطية. حدث ذلك نتيجة لغياب الوحدة العربية, الذي كان ظاهراً في عدم قدرة "الدولة" القُطرية في مواجهة التحديات التي أحاقت بالأمة العربية من كل جانب. ففي نفس العام المشار إلية, 1995, كان متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الكلي يختلف بشكل كبير من قطر عربي إلى آخر لدرجة يصعب معها تصنيف الأقطار العربية إلى مجموعات باستخدام ذلك المؤشر. لذلك, يمكن تقسيم الأقطار العربية (مع الاعتراف بصعوبة ذلك) إلى ثلاث مجموعات رئيسة.

        تتمثل المجموعة الأولى في الأقطار الستة الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي, التي كان يتمتع مواطنوها بمتوسط لدخل الفرد بلغ حوالي 13,582 دولاراً. أما المجموعة الثانية, فتضم عشرة أقطار بلغ متوسط دخل الفرد فيها حوالي 3,553 دولارا. وتحتوي المجموعة الثالثة على الأقطار العربية الفقيرة التي بلغ متوسط دخل الفرد فيها حوالي 838 دولاراً. ومن الواضح وجود فروقات عميقة جداً في الثروة بين المجموعات الثلاث.[37] فقد بلغ متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الكلي في المجموعة الأولى حوالي 22,480 دولارا في الإمارات, و 20,820 دولارا في قطر, و 16,900 دولارا في الكويت, و 9,510 دولارا في السعودية, 7,104 دولارا في البحرين و 4,680 دولارا في عُمان. أما في المجموعة الثانية, فقد بلغ متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الكلي حوالي 6,150 دولاراً في ليبيا, و 5,000 دولار في سوريا, و 4,360 دولاراً في لبنان, و 4280 دولاراً في الأردن, و 4,250 دولاراً في تونس, و 3,060 دولاراً في المغرب, و 2,490 دولاراً في مصر, و 2000 دولار في العراق, و 1,955 دولاراً في اليمن, و1,634 دولاراً في الجزائر. وأخيرا, فان متوسط دخل الفرد في المجموعة الثالثة الفقيرة قد بلغ 1,200 دولار في جيبوتي, و 1,192 دولاراً في المناطق الفلسطينية المحتلة, و 870 دولاراً في السودان, و 700 دولار في جزر القمر, و 569 دولاراً في موريتانيا, و 500 دولار في الصومال.[38]

 

التمرد الكردي

 

        لقد لعب الأكراد دوراً رئيساَ في تهيئة الأجواء التي أدت إلى أزمة عام 1990, وحرب الخليج التي تلتها في عام 1991. فقد تطابقت تطلعات قادتهم في الاستقلال مع المحاولات الإيرانية والغربية لإضعاف العراق وإشغاله بعيداً عن المواجهة مع إسرائيل.[39] وقد قدر عدد الأكراد بحوالي 26 مليونا, في عام 1990. عاش منهم حوالي 13.7 مليوناً في تركيا, و 6.6 ملايين في إيران, و 4.4 ملايين في العراق. وتمرد الأكراد ضد البلدان الثلاثة بهدف الاستقلال, في فترات مختلفة خلال القرن العشرين. وقد بدأت المشكلة الكردية في أعقاب الحرب العالمية الأولى عندما وعدت القوى الغربية التي انتصرت في الحرب بمنح الأكراد حكماً ذاتياً, طبقاً لاتفاقية سِفري الموقعة في عام 1920. ومع ذلك, فإن نفس القوى الغربية قد تجاهلت وعودها تلك في اتفاقية لوزان الموقعة في عام 1923.[40]  كذلك فإن السوفيت قد لعبوا بالورقة الكردية عندما أيدوا الأكراد الإيرانيين في تأسيس الجمهورية الكردية هناك, والتي دامت عدة شهور فقط, في عام 1946. وقد استخدم السوفيت تأييدهم للأكراد كورقة ضغط ضد الحكومة الإيرانية ليحصلوا منها على بعض الامتيازات النفطية. وعندما استجابت الحكومة الإيرانية لضغوطهم, ردوا على ذلك بالسماح لها بالقضاء على ثورة الأكراد الإيرانيين.[41]

            أما أكراد العراق, فقد تمردوا على الحكومة العراقية ست مرات على الأقل, في الأعوام 1922-1923 و 1931-1932 و 1934 و 1961-1975, وفي الثمانينات خلال الحرب العراقية~الإيرانية, وأخيراً في عام 1991 في أعقاب حرب الخليج. والحقيقة أن قادتهم كانوا أيضاً من المتعاونين مع بريطانيا أثناء الحرب العالمية الأولى. فمثلما فعل مبارك الصباح من مساندة للمجهود الحربي البريطاني في جنوب العراق, قام عبد السلام البرزاني بنفس الجهود في شمال العراق, أثناء تلك الحرب. فقد أرسل أخاه مصطفى لمهاجمة مدينة عقره. ورداً على ذلك, قام العثمانيون بإلقاء القبض عليه وإعدامه. على إثر ذلك, أصبح أخوه, أحمد, الزعيم القبلي الجديد. وكمكافأة لهم على تعاونهم معها أثناء الحرب, سمحت بريطانيا للبرزانيين بمد نفوذهم في المنطقة, ابتداء من عام 1918. ثم بدأ البريطانيون يستخدمون زعماء الأكراد لتحقيق مآربهم. ففي عام 1922, تلقى البرزانيون أمراً من بريطانيا بالتمرد. وكان الهدف ممارسة الضغط على الحكومة العراقية حتى تقبل الانتداب البريطاني على العراق. وعاودت بريطانيا استخدامهم من جديد في عام 1931, عندما أمرتهم بالتمرد مرة أخرى بهدف إرغام الحكومة العراقية على قبول الاتفاقية الدفاعية مع بريطانيا. وفعلاً تحقق لهم ما كانوا يريدون, وانصاعت الحكومة العراقية لضغوطهم, فقبلت الانتداب في المرة الأولى وقبلت الاتفاقية الدفاعية في المرة الثانية, والتي وقعت في العام التالي, 1932. على إثر ذلك, حاولت الحكومة العراقية إعادة حكمها لشمال العراق, فجوبهت بالمقاومة الكردية. ورداً على ذلك, جردت الحكومة حملة عسكرية هزمت المتمردين الذين فرَّ معظمهم إلى تركيا, بما في ذلك أحمد ومصطفى البرزاني. ومع ذلك, قامت الحكومة العراقية بمنحهم عفواً عاماً, فعادوا للبلاد في عام 1933.[42]

            ولم يتوقف استخدام البريطانيين للأكراد, خاصة في كل مرة يصطدمون خلالها بالحكومة العراقية. فبمجرد القضاء على حركة المقاومة التي تزعمها رشيد الكيلاني ضد المستعمرين البريطانيين, في عام 1941, أصدر الضابط البريطاني المكلف بالشأن الكردي (شوتر) أوامره إلى مصطفى البرزاني بالتمرد, في محاولة لإبقاء الجيش العراقي مشغولاً بالأكراد بدلاً من انشغاله بمقاومة البريطانيين من جديد. وبالفعل, بدأ الأكراد تمرداً جديداً في عام 1943, لكنه توقف عندما رجع نوري السعيد وألف حكومة موالية لبريطانيا. عندها, كتب السفير البريطاني في بغداد رسالة إلى مصطفى البرزاني طلب منه فيها إنهاء التمرد. وفي رده على الرسالة, خاطب البرزاني السفير قائلاً بأنه سيطيع أوامره "كطفل يطيع أوامر والده الرحيم به."[43] على أثر ذلك, عبرت قوات البرزاني الحدود إلى إيران لمساعدة المتمردين الأكراد هناك. وعندما استعادت الحكومة الإيرانية سيطرتها على المنطقة الكردية, في عام 1946, توجه البرزاني إلى الاتحاد السوفيتي وبقي هناك حتى قيام ثورة عام 1958, عندما دعاه الرئيس عبد الكريم قاسم للعودة للعراق.[44]

        وقد غضب الغرب بصفة عامة, وبريطانيا على وجه الخصوص, نتيجة للسياسات الجديدة التي انتهجتها حكومة الثورة, وبالتحديد المطالب العراقية بالكويت وعربستان,[45] وانسحاب العراق من حلف بغداد الموالي للغرب. وأهم من ذلك أن الحكومة العراقية أصدرت القانون رقم 80, الذي أعاد للدولة كل الأراضي التي كانت ممنوحة كامتيازات لشركات النفط الغربية, ولم تكن قد استعملتها بعد. وعلى الرغم من أن إيران قد لعبت دوراً رئيساً في مساعدة الأكراد على التمرد, إلا أن البرزاني قد استفاد في هذه المرة من عداء بريطانيا لحكومة الثورة. كما استفاد من غضب الملاك الإقطاعيين الأكراد عليها بسبب مصادرتها لأراضيهم وتوزيعها على الفلاحين الأكراد, تطبيقاً لقانون الإصلاح الزراعي الصادر في عام 1958. وهكذا, تهيأت الظروف للبرزاني لقيادة التمرد من جديد, فحدث ذلك في سبتمبر/أيلول من عام 1961, واستمر التمرد بشكل متقطع حتى مارس/آذار 1974, عندما أصبح أكثر عنفاً حتى اتفاقية الجزائر التي وقعت في 6 مارس/آذار عام 1975, والتي أنهت التأييد الإيراني له مما أدى لإنهائه على الفور. ولم يتوقف التمرد خلال تلك المرحلة إلاّ لفترة وجيزة في عام 1963, عندما عرضت الحكومة العراقية على الأكراد التمتع بالحكم الذاتي في شمال العراق. لكن البرزاني سرعان ما رفض العرض, لأنه لم يتضمن المنطقة الغنية بالنفط حول كركوك.[46]

            وخلال تلك المرحلة, تلقى المتمردون الأكراد مساعدات عسكرية من إيران والولايات المتحدة وإسرائيل. كذلك فإن الاتحاد السوفيتي تعاون مع الولايات المتحدة في هذا الشأن, على الرغم من الحرب الباردة. وتجلى ذلك في تقديم المساعدات السوفيتية للمتمردين الأكراد وفرض الحظر على بيع الأسلحة للعراق.[47] وقد أسفرت تلك الضغوط الخارجية عن وصول الحكومة العراقية إلى اتفاق مع الحكومة الإيرانية في عام 1975, بهدف إنهاء التمرد الكردي. وقام نائب الرئيس العراقي آنذاك, صدام حسين, بتوقيع الاتفاقية بنفسه في الجزائر مع شاه إيران, في 6 مارس/آذار 1975. وطبقاً للاتفاقية, وافقت الحكومة الإيرانية على وقف مساعداتها العسكرية للمتمردين الأكراد. كذلك, وافقت على إعادة المنطقتين الحدوديتين المعروفتين بزين القوس وسيف سعد, واللتين تم احتلالهما خلال المناوشات التي حدثت في عام 1974. وفي المقابل, وافقت الحكومة العراقية على وقف مساندتها للمعارضة الإيرانية. كما وافقت على الاعتراف بالسيادة الإيرانية على المنطقة المتنازع عليها في شط العرب. فأصبحت الحدود بين البلدين محددة بخط يمر في منتصف شط العرب من الشمال إلى الجنوب.[48] وخلال أسابيع, انتهى التمرد الكردي. وألزمت اتفاقية الجزائر الحزب الديمقراطي الكردستاني, بزعامة مصطفى البرزاني, على وقف القتال ضد الحكومة العراقية. وأدى قبول البرزاني بذلك إلى انشقاق جناح في الحزب, بزعامة جلال طالباني, تحت اسم الاتحاد الوطني الكردستاني, بهدف معارضة الاتفاقية. واستمرت مجموعة طالباني في مقاتلة الحكومة العراقية حتى عام 1980, عندما اندلعت الحرب العراقية~الإيرانية. عندها, شاركت الجماعات الكردية الأخرى في القتال ضد الحكومة العراقية.[49]

        وفي المرحلة الثانية من الحرب العراقية~الإيرانية التي امتدت ما بين عامي 1982 و 1984, قاد طالباني مجموعته في مقاتلة القوات العراقية, وهكذا ساند المجهود الحربي الإيراني. كما أن التحالف الكردي الذي كان يقوده مسعود برزاني (والذي كان يتألف من الحزب الديمقراطي الكردستاني ومنظمات كردية أخرى) شارك هو الآخر في مساندة القوات الإيرانية, خاصة في هجماتها على حاج عمران في عام 1983, وموات في عام 1987, وحلبجه في عام 1988.[50]

        أما أحدث مرحلة من مراحل التمرد الكردي, فكانت في نهاية حرب الخليج استجابة لدعوة من الرئيس الأميركي بوش ورئيس الوزراء البريطاني جون ميجَر. وفعلاً حدث التمرد الكردي في مارس/آذار 1991 والعراق يلملم جراحة من جراء الحرب. وقد توقع زعماء الأكراد المساندة الغربية المباشرة, كما شجعهم على فعلتهم تلك حدوث نسبة عالية من ترك الخدمة العسكرية بين الجنود الأكراد في الجيش العراقي, والذين كانوا يعدون بحوالي 200,000 جندي. لكن الحكومة العراقية تمكنت من سحق التمرد في أيام قليلة. ونجم عن ذلك أن غالبية المتمردين قد هربوا إلى تركيا وإيران, بعد أن تركوا مسعود برزاني وجلال طالباني وحدهما, ولم يبق معهما سوى حراسهما الشخصيين. لكن التدخل الأميركي~البريطاني المباشر قد أعاد للبرزاني والطالباني نفوذهما بين الأكراد. ففي العاشر من أبريل/نيسان 1991, أصدر الرئيس بوش تحذيراً للحكومة العراقية بوقف أعمالها العسكرية شمال خط عرض 36, أي في منطقة الحكم الذاتي الكردية التي أصبحت تسمى "الملجأ الآمن للأكراد."[51]

            وبالرغم من كل تلك الجهود الأميركية~البريطانية, فإن الرئيس العراقي صدام حسين زار أربيل في الثامن عشر من أبريل/نيسان 1991, وأعلن عفواً عاماً عن الذين اشتركوا في التمرد. ونتيجة لذلك, دخل كل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني في محادثات مع الحكومة العراقية لتطبيق قانون الحكم الذاتي. لكن المحادثات قد علقت لأن طالباني أصر على السيطرة على منطقة كركوك الغنية بالنفط. وقد عبرت الحكومة العراقية عن عدم موافقتها على مطالب طالباني, وذلك بأن سحبت موظفيها من المنطقة. وتبع ذلك أن قام الائتلاف الكردي المؤلف من ثمانية أحزاب بتحدي الحكومة العراقية وذلك بإجراء انتخابات غير شرعية في منطقة الحكم الذاتي, في 19 مايو/أيار 1992, بدون موافقتها وتحت الحماية البريطانية~الأميركية. وقد حصل حزب البرزاني علي 45.4 بالمائة, بينما حصل حزب طالباني على 43.9 بالمائة من الأصوات. وفي الرابع من يونيو/حزيران من عام 1992, عقد المجلس الوطني الكردستاني أول اجتماعاته في أربيل. وفي 4 أكتوبر/تشرين أول من نفس العام, وافق المجلس على مشروع قانون يدعو إلى قيام "دولة اتحادية عراقية." وقد دلل ذلك على النوايا الانفصالية لدى الائتلاف الكردي, مما دعا وزراء خارجية تركيا وإيران وسوريا للاجتماع في أنقره لإدانة تلك الخطوة الانفصالية.[52]

 

المساعدات الإسرائيلية والأميركية للمتمردين الأكراد

 

        دخل العراق حرب عام 1948, كباقي الأقطار العربية "المستقلة," إلى جانب الشعب العربي الفلسطيني. ومع ذلك, فإنه اختلف عن تلك الأقطار في أنه لم يوقع اتفاقية هدنة مع إسرائيل, ونتج عن ذلك أن حالة الحرب لم تنته رسمياً بين العراق والكيان الصهيوني. وقد قام الإسرائيليون بمساندة ودعم المتمردين الأكراد بهدف إضعاف العراق حتى يقبل بالوضع القائم. كما أن الإسرائيليين قد استخدموا الأكراد في تهجير اليهود العراقيين الى إسرائيل. وأخيراً, فإن الإسرائيليين كانوا يطمعون في الحصول على امتيازات نفطية في شمال العراق, في حالة نجاح حركة الانفصال الكردية. وربما يفسر ذلك إصرار طالباني ومن قبله مصطفى البرزاني على السيطرة على منطقة كركوك الغنية بالنفط.

        وقد بدأت الاتصالات الإسرائيلية الأولى مع مصطفى البرزاني في عام 1962, عندما تقابل شمعون بيرس مع مندوبه قمران علي بدرخان في جنيف, أثناء انعقاد مؤتمر الدولية الإشتراكية هناك. ونتج عن ذلك ذهاب ضابطين عسكريين إسرائيليين إلى شمال العراق لتدريب المتمردين الأكراد. وقد وصلت أول مجموعة من الضباط الأكراد إلى إسرائيل للتدريب هناك, كما بدأت إمدادات السلاح الإسرائيلية تصل إلى قوات البرزاني, في عام 1965. وقام نائب وزير المالية الإسرائيلي, أرييه الياف, وبصحبته وفد مدني وعسكري كبير بزيارة البرزاني في شمال العراق, في نهاية عام 1966.[53] وتعبيراً منه عن امتنانه لتلك المساعدات العسكرية, أرسل مصطفى البرزاني برقية للزعماء الإسرائيليين يهنئهم فيها على انتصارهم على العرب في أعقاب حرب عام 1967. والحقيقة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي, مناحم بيغن, قد اعترف بأن البرزاني قد ساعد في المجهود الحربي الإسرائيلي. فقد شن هجوماً كبيراً على القوات العراقية, أثناء الحرب, بهدف منعها من مساندة القوات السورية والأردنية.[54]

            وقام مصطفى البرزاني بعد ذلك بزيارة إسرائيل لأول مرة, في عام 1968. وهناك, تقابل مع العديد من الزعماء الإسرائيليين, مثل ليفي أشكول, وأبا ايبان, وموشي دايان, وشمعون بيرس, وغولدا مائير, ومناحم بيغن. كذلك فإنه تقابل مع رؤساء تحرير الصحف الإسرائيلية. وكان الاجتماع سرياً, سمح خلاله لرؤساء التحرير أن يعرفوا بالمساعدات الإسرائيلية للمتمردين الأكراد لكن بدون السماح لهم بالكتابة عن الزيارة نفسها, في ذلك الوقت.[55]  وفي عام 1971, قام رئيس المخابرات الإسرائيلية, زيفي زامير, بزيارة البرزاني بهدف المساعدة في تهريب اليهود إلى خارج العراق. وعندما قام البرزاني بزيارة اسرائيل للمرة الثانية, في عام 1973, تقابل مع الزعماء الإسرائيليين هذه المرة أيضاً, خاصة غولدا مائير, وموشي دايان, ويغئال آلون, ومناحم بيغن, وكذلك رئيس المخابرات الإسرائيلية زيفي زامير.[56] وبالإضافة للمساعدات العسكرية والتدريب, فإن البرزاني شخصياً كان يتلقى راتباً شهرياً مقداره 50,000 دولار من إسرائيل.[57]

          وبالفعل, قام مسعود برزاني بالمساعدة في تهريب 5,000 يهودي من العراق إلى إسرائيل عن طريق إيران, بين عامي 1971 و 1973. وفي عام 1973, أعلن والده مصطفى بأنه إذا قدر له أن يسيطر يوماً ما على حقول النفط في كركوك, فإنه سيعطي إدارة تلك الحقول لإحدى الشركات الأميركية. لكنه مات في عام 1979, أي بعد عامين من وصوله إلى هناك. وكان البرزاني يعلم مدى نفوذ الصهاينة على صنع السياسة في أميركا. لذلك, فانه سعى للقائهم بمجرد وصوله إلى أميركا, في عام 1977. وهكذا تقابل مع ستيف سولارز, الذي كان  من أشد أنصار إسرائيل في مجلس النواب الأميركي عن ولاية نيويورك. فعبَّر له عن شكره لإسرائيل, وطلب منه أن يوصل رسالة الشكر تلك للزعماء الإسرائيليين.[58]

        وقد كان التدخل الأميركي في الشئون العراقية الداخلية, منذ البداية وحتى الآن, تعزيزاً للجهود الإسرائيلية~الإيرانية لإضعاف العراق. ففي بداية التمرد الذي حدث في عام 1961, لجأ البرزاني إلى إيران. وهناك, منحه الإيرانيون محطة إذاعة, ومطبعة للنشر. كما زودوه بالمعلومات الاستخبارية والأسلحة والتدريب والمستشارين العسكريين. كذلك فان إيران كانت الجسر الذي مرت عليه المساعدات الإسرائيلية والأميركية للمتمردين الأكراد. ففي عام 1969, تسلم البرزاني 14 مليون دولار من الولايات المتحدة. وكان الهدف الأميركي تشجيعه على مواصلة التمرد, وبالتالي الاستمرار في إشغال العراق بعيداً عن حلفاء أميركا في المنطقة. لكن الولايات المتحدة لم تكن تريد للأكراد أن ينجحوا في تمردهم, في نفس الوقت. وبكلمات أخرى, فإن الهدف الأميركي كان ولا يزال يتمثل في استنزاف الموارد العراقية. فالولايات المتحدة تعلم أنه لو نجح التمرد الكردي, وانفصل الأكراد عن العراق, فإن ذلك كان سيشكل تهديداً لحلفائها في المنطقة, خاصة إيران (الشاه) وتركيا.[59]

        وقد جددت الحكومة الأميركية مساعداتها للأكراد بعد قيام الحكومة العراقية بتأميم الصناعة النفطية في البلاد. فكانت إدارة نيكسون تأمل من وراء مساعداتها للأكراد في هذه المرة أن يسهم تمردهم في تغيير نظام الحكم في العراق والإتيان بنظام جديد يسمح بعودة شركات النفط الأميركية للعمل هناك.[60] وفي عام 1972, قامت رئيسة الوزراء الإسرائيلية, غولدا مائير, بزيارة إيران بهدف تنسيق السياسات الإسرائيلية~الإيرانية تجاه العراق. وبعد ذلك بأيام, قام الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون بزيارة إيران, بعد زيارته لموسكو ولقائه الزعيم السوفيتي ليونيد بريجنيف هناك. واتفق نيكسون مع الشاه على ضرورة الاستمرار في إشغال العراق بالمسألة الكردية, لسببين أساسيين. فأولاً, إن ذلك يتيح لإيران لعب دور الشرطي في منطقة الخليج العربي دون اعتبار لموقف العراق. وثانيا, إن الانشغال بالمشكلة الكردية يؤدي إلى إضعاف العراق بحيث لا يكون قادراً على مساندة أقطار المواجهة العربية التي كانت تحاول تحرير الأراضي العربية من الاحتلال الإسرائيلي. وعندما عاد الرئيس نيكسون إلى واشنطن, أرسل وزير الخزانة الأميركي, جون كونالي, إلى طهران حاملاً معه مبلغ 16 مليون دولار للبرزاني. وعلى إثر ذلك, قام البرزاني بإرسال وفد كردي إلى واشنطن للتفاوض بشأن الأنواع المختلفة من المساعدات التي يحتاجها المتمردون في قتالهم ضد الحكومة العراقية. واستمر التدخل الأميركي في المشكلة الكردية بعد ذلك من خلال مراسلات البرزاني مع وزير الخارجية الأميركية, هنري كيسنجر.[61]

        وفي 11 مارس/آذار 1974, أصدرت الحكومة العراقية قانون الحكم الذاتي للمنطقة الكردية, الذي رفضه البرزاني خلال أُسبوعين. وقد اتخذ قراره ذاك بناء على نصائح تلقاها من مسئولين أميركيين وإيرانيين.[62] ولم يكتف بالرفض, بل قاد حوالي 100,000 مقاتل من أتباعه في مهاجمة المواقع الحكومية والقبائل الكردية التي لم تشترك في التمرد. فردت الحكومة بهجوم معاكس, لكنها سرعان ما أدركت أن المتمردين كانوا أكثر تدريباً وتسليحاً من ذي قبل. وقد أدى ذلك إلى استنتاج القيادة العراقية بأن التفاهم مع إيران هو الوسيلة الوحيدة لإنهاء التمرد الكردي. وهكذا, تم التوصل إلى اتفاق مع إيران بهذا الصدد, وتم توقيعه في الجزائر في 6 مارس/آذار 1975. وبعد ذلك بيومين, شنت القوات العراقية حملة على قوات البرزاني تمكنت من إخماد تمردها في خلال إسبوع واحد فقط. وأدرك البرزاني أنه لم يكن أكثر من ورقة مقايضة في يد الحكومة الإيرانية, في جهودها الحثيثة للضغط على العراق من أجل الحصول على مكاسب لها في شط العرب بشكل خاص, وفي منطقة الخليج العربي بصفة عامة. لذلك, فإنه قبل بوقف إطلاق النار في 21 مارس/آذار بعدما انسحبت الوحدة الإيرانية التي شاركت في القتال إلى جانب قواته. كما توقفت المساعدات العسكرية الإيرانية, وتوقفت إذاعته التي كانت تبث من الأراضي الإيرانية. وأخيراً, فإنه عبر الحدود إلى إيران ومعه بعض أفراد أسرته ومساعديه. وقد أوفت الحكومة العراقية بوعدها بإقامة منطقة الحكم الذاتي الكردية في شمال العراق, وأصبح العديد من زعماء الحزب الديمقراطي الكردستاني أعضاء في المجلس الوزاري الكردي.[63]

 

الحرب العراقية~الإيرانية

           

            نتيجة لاتفاقية الجزائر بين العراق وإيران, أصبحت الولايات المتحدة تنظر للعراق على أنه بلد صديق. وتعززت تلك النظرة نتيجة لزيادة المعارضة العراقية للنفوذ السوفيتي في المنطقة. فقد قام العراق بانتقاد الغزو السوفيتي لأفغانستان منذ مراحله الأولى في ديسمبر/كانون أول 1979. كذلك فإن العراق قد ساند السعودية في نزاعها مع الحكومة الاشتراكية في اليمن الجنوبي, في مارس/آذار 1980. وعندما بدأت العلاقات العراقية~الإيرانية في التدهور, في يوليو/تموز 1980, قامت الحكومة العراقية بإبلاغ موقفها للحكومة الأميركية خلال اجتماع هام عقد في عمان بالأردن بين مستشار الرئيس الأميركي لشئون الأمن القومي, زبغنيو بريزنسكي, ومسئول عراقي كبير.[64] فقد كان من المهم للحكومة العراقية أن تحيط الحكومة الأميركية علماً بالانتهاكات الإيرانية لاتفاقية الجزائر التي وقعت في عام 1975, حتى لا يظهر العراق وكأنه الطرف المعتدي في المستقبل. ونتيجة لذلك الاجتماع, عبر بريزنسكي عن تفهم أميركا للموقف العراقي.

        وبصفة عامة, لم تكن المواقف العراقية~الأميركية حول المسائل المتعلقة بالاستقرار في الشرق الأوسط محل صراع في تلك المرحلة. لكن الموقف العراقي من اتفاقية كامب ديفد كان محل خلاف بين الحكومتين. فخلال المؤتمر التاسع للقمة العربية الذي عقد في بغداد, في نوفمبر/تشرين ثاني 1978, قاد العراق بقية الأقطار العربية في استنكار الاتفاقية المصرية~الإسرائيلية لتفريطها بالحقوق العربية. ومع ذلك, استمر تصنيف العراق على أنه بلد غير معادٍ لأميركا خلال معظم الثمانينات. ولكن الموقف الأميركي بدأ يتغير مع نهاية الحرب العراقية~الإيرانية, حيث أصبحت بعض الدوائر في الحكومة الأميركية تنظر للعراق على أنه خطر إقليمي. ويمكن تفسير ذلك التغير من خلال فهم تطورات الحرب العراقية~الإيرانية وكيف انتهت.

        بدأت العلاقات العراقية~الإيرانية في التدهور بمجرد قيام الجمهورية الإسلامية, في فبراير/شباط 1979, بشهادة الرئيس الإيراني أبو الحسن بني صدر.[65] فقد فجرت الثورة الإيرانية خلافات عقائدية, وحدودية, واستراتيجية, وسياسية, وحتى شخصية مع الحكومة العراقية.[66]  وكان الإمام الخميني لا يزال يشعر بالمرارة من جراء الموقف العراقي تجاهه في عام 1978. فقد وصل إلى العراق لأول مرة في عام 1964, بعد أن طردته حكومة الشاه من إيران بسبب معارضته لها. وقد وافق منذ وصوله إلى العراق على التوقف عن أي نشاط يمكن أن تفسره الحكومة الإيرانية بأنه تدخل في شئونها الداخلية. وعندما وصلت الثورة الإيرانية ذروتها, في عام 1978, أصبح معروفاً على أنه قائدها. ولو سكتت الحكومة العراقية على أنشطته, لكان ذلك انتهاكاً لاتفاقية الجزائر التي أنهت التمرد الكردي. لذلك, فإنها طلبت منه التوقف عن أنشطته أو مغادرة البلاد. فما كان منه إلاّ أن غادر العراق إلى فرنسا, حيث قاد الثورة من هناك. وعندما عاد إلى إيران في عام 1979, كقائد للثورة, كان لا يزال يشعر بالمرارة تجاه العراق. وعندما أرسل الرئيس العراقي, أحمد حسن البكر, برقية له يهنئه فيها بنجاح الثورة, رد عليه الخميني ببرقية عدائية. وتبع ذلك قيام الحرس الثوري بالتظاهر أمام السفارة العراقية في طهران. كما هوجمت القنصلية العراقية في خرمشهر (المحمرة) أربع مرات من قبل المتظاهرين, في أكتوبر/تشرين أول ونوفمبر/تشرين ثاني 1979. وأخيراً, قام الإيرانيون بدخول القنصلية عنوة, واستولوا على وثائقها الدبلوماسية, ثم رحلوا موظفيها. ورد العراق بإغلاق القنصليتين الإيرانيتين في البصرة وكربلاء. وتصعيداً للصراع بين البلدين, تم إغلاق المدارس العراقية في إيران والمدارس الإيرانية في العراق. تبع ذلك سيل من التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الإيرانيون , والتي عبروا فيها عن نواياهم في تصدير الثورة إلى الأقطار العربية المجاورة لإيران.

        ففي ديسمبر/كانون أول من عام 1979, قام أبو الحسن بني صدر الذي كان وزيرا للمالية والاقتصاد في إيران آنذاك, بالتهجم على القومية العربية واصفاً إياها بأنها غير إسلامية. وزاد على ذلك في مارس/آذار من عام 1980 قائلاً بأن أقطار الخليج غير مستقلة, لذلك فإن إيران لن تعيد الجزر العربية الثلاث التي احتلتها في عام 1971, وهي طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى.[67] وفي 31 مارس/آذار 1980, أعلن الإمام الخميني في خطاب قرأه نيابة عنه ابنه أحمد أنه ينبغي على الإيرانيين أن يفعلوا كل ما في وسعهم لتصدير الثورة للأجزاء الأخرى من العالم.[68] وفي الثاني من أبريل/نيسان 1980, قام وزير الخارجية العراقي سعدون حمادي بالاحتجاج على تلك التصريحات, وذلك في رسالتين وجههما إلى كل من فيدل كاسترو, الذي كان رئيساً للمؤتمر السادس لدول عدم الانحياز, وكيرت فالدهايم الذي كان يشغل منصب الأمين العام للأمم المتحدة. ومع ذلك, استمرت الحملة المعادية للعراق في وسائل الإعلام الإيرانية الخاضعة لسيطرة الحكومة.

        وفي 8 أبريل/نيسان 1980, أعلن وزير الخارجية الإيراني صادق قطب زاده أن عدن وبغداد كانتا تاريخياً ممتلكات فارسية. وفي نفس اليوم, أعلن الإمام الخميني أن إيران ستطالب باستعادة سيادتها على بغداد إذا ما استمر العراق بمطالبة إيران بالانسحاب من الجزر العربية الثلاث. ثم أنهى خطابه بدعوة العراقيين للثورة على حكومتهم. وفي اليوم التالي, أي 9 أبريل/نيسان, كرر وزير الخارجية الإيراني ما قاله الخميني قائلاً بأن حكومته قد قررت قلب نظام الحكم في العراق. وفي 15 و 18 أبريل/نيسان, حذر آية الله صادق روحاني العراق والأقطار العربية الأخرى بالتوقف عن مطالبة إيران بالانسحاب من الجزر الثلاث, وإلا فإن إيران ستطالب بالسيادة على البحرين. وفي 30 أبريل/نيسان, أعلن زاده بأن جميع الأقطار العربية الواقعة على الساحل الغربي للخليج هي تاريخياً أراض إيرانية.

        ولم تقتصر الحملة الإيرانية المعادية للعراق على وسائل الإعلام فقط, ولكنها شملت أعمالاً عدائية داخل العراق. ففي الأول من أبريل/نيسان 1980, قام أفراد من حزب الدعوة, الذي يحظى بالمساندة الإيرانية, بزرع قنبلة في جامعة المستنصرية في بغداد. وكانت القنبلة تستهدف عضو مجلس قيادة الثورة ونائب رئيس مجلس الوزراء, طارق عزيز. وقد أظهر التحقيق فيما بعد أن حزب الدعوة كان لديه الأموال والأسلحة الكافية لزعزعة استقرار البلاد. فردت الحكومة العراقية على ذلك بترحيل الإيرانيين من العراق. وفي 12 أبريل, قام عضو آخر من حزب الدعوة بمحاولة اغتيال وزير الثقافة والإعلام العراقي, لطيف نصيف جاسم.[69]

        وبدأ التوتر يتصاعد على الحدود بين البلدين. فقامت القوات الإيرانية بما مجموعه 244 انتهاكاً وهجوما بريا وجوياً وبحرياً ضد العراق, وذلك في الفترة الممتدة ما بين 23 فبراير/شباط 1979 و 26 يوليو/تموز 1980. واشتمل ذلك على قصف المواقع العراقية, وأسر أفراد من حرس الحدود, واعتراض الطيران المدني, ومهاجمة السفن والقوارب العراقية والأجنبية في شط العرب. وقد أرسلت السلطات العراقية 240 مذكرة للحكومة الإيرانية من خلال السفارة الإيرانية في بغداد, سجلت فيها تلك الانتهاكات ونتائجها. كما أرسلت مذكرات مشابهة للمنظمات الإقليمية, مثل الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي. وبالرغم من ذلك, استمر القتال في التصاعد على طول الحدود بين البلدين. ففي 28 يوليو/تموز, قامت القوات الإيرانية بهجوم ضخم على موقع الشيب الحدودي العراقي وأحدثت فيه خسائر كبيرة. وبحلول 28 أغسطس/آب 1980, كانت هناك معارك في معظم المراكز الحدودية, استعمل خلالها الإيرانيون صواريخ أرض~أرض لأول مرة. وخلال الفترة الواقعة ما بين 4 و 16 سبتمبر/أيلول, اندلعت عدة معارك جوية وبحرية, وذلك عندما قصفت المدفعية الإيرانية المدن والمواقع العراقية في خانقين, والزرباطية, والمنذرية, ونفط خانه, ومقطع مندلي, ومصطفى الوند. وردت القوات العراقية بقصف مدينتي قصر شيرين ومهران الإيرانيتين واستعادت منطقتي زين القوس وسيف سعد, اللتين استولى عليهما الإيرانيون من قبل ولم يعيدوهما للعراق, طبقاً لاتفاقية الجزائر. والأهم من ذلك أن المعارك التي اندلعت على طول الحدود خلال عام 1980 كانت خرقاً صريحا لتلك الاتفاقية.[70]

        والحقيقة أن اتفاقية الجزائر كانت نوعاً من الابتزاز من قبل حكومة الشاه للعراق. فحتى توقف إيران مساندتها للمتمردين الأكراد, طلبت من العراق أن يتخلى عن سيادته على نصف شط العرب (انظر الملحق رقم 5.ب). وهكذا, فإن أول نتائج إلغاء الاتفاقية كان استعادة السيادة العراقية على شط العرب. وتطلَّب ذلك من السفن المبحرة فيه أن ترفع العلم العراقي. لكن ذلك قد تسبب في هجمات إيرانية على تلك السفن وهجمات عراقية مضادة.[71] 

 

مراحل الحرب العراقية~الإيرانية

 

        مرت الحرب العراقية~الإيرانية بأربع مراحل رئيسة. امتدت المرحلة الأولى من سبتمبر/أيلول 1980 إلى يونيو/حزيران 1982. وكان زمام المبادرة فيها بيد القوات العراقية, بينما كانت القوات الإيرانية في موقع المدافع. وخلال تلك المرحلة, احتلت القوات العراقية حوالي 5,400 ميل مربع من الأراضي الإيرانية, بما في ذلك مدينه خرمشهر التي كانت أهم الموانئ الإيرانية. وطالبت إيران بالانسحاب غير المشروط للقوات العراقية, وبالتعويض على الخسائر المدنية والعسكرية. كذلك, فإن الأمم المتحدة أصدرت قراراً بوقف القتال لكنه لم يتضمن الانسحاب. لذلك, فإن إيران لم تقبله واستمرت في الحرب بالرغم من الجهود الحثيثة التي بذلها الوسيط الجزائري محمد بن يحيى, الذي فقد حياته في حادث طائرة فوق تركيا أثناء فترة المفاوضات. وصمم الإمام الخميني على أنه لا يمكن أن يكون هناك سلام ولا حلول وسط مع العراق. وعندما قامت إيران باستعادة خرمشهر, في 24 مايو/أيار 1982, أعلن العراق انسحاباً من جانب واحد من الأراضي الإيرانية. وكان رد الزعماء الإيرانيين الدعوة علناً لغزو العراق.

        أما المرحلة الثانية من الحرب العراقية~الإيرانية, فقد امتدت من يوليو 1982 إلى يناير 1984. وقد أخذت القوات الإيرانية زمام المبادرة في هذه المرحلة, من خلال اتباع أُسلوب "الأمواج الآدمية" في احتلال المناطق العراقية. ومع ذلك, فإن الهجمات الإيرانية المتلاحقة فشلت في احتلال مناطق عراقية كبيرة أو في إرباك الحكومة العراقية. ورفضت إيران قراراً لمجلس الأمن الدولي, في أكتوبر/تشرين أول 1982, دعا الطرفين إلى وقف إطلاق النار والانسحاب المتبادل. وبدلاً من ذلك, طالب الزعماء الإيرانيون باستسلام العراق دون قيد أو شرط, كما طالبوا بمعاقبة القادة العراقيين.

        وامتدت المرحلة الثالثة من الحرب من فبراير/شباط 1984 إلى فبراير/شباط 1987. في هذه المرحلة, ألحق كل طرف خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات بالطرف الآخر, ولكن بدون أن يحقق أي منهما نصراً واضحاً. لذلك, يمكن وصف المرحلة الثالثة بأنها كانت تمثل حالة توازن يصعب الخروج منها للطرفين. واستمرت هجمات "الأمواج الآدمية" الإيرانية التي تمكنت من احتلال أجزاء من جنوب العراق, ولكن بدون تهديد جدي للقدرات العسكرية العراقية. فقد كان العراق متفوقاً في الجو والبحر, الأمر الذي أدى إلى مزيد من الهجمات الصاروخية العراقية على المدن الإيرانية, والى إعطاب مزيد من السفن الإيرانية التي كانت تنقل النفط الإيراني في الخليج العربي. وردت إيران بمهاجمة ناقلات النفط الكويتية, باعتبار أن الكويت كانت حليفة للعراق. ونتيجة لذلك, طلبت الكويت من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي حماية ناقلاتها من الهجمات الإيرانية. فوافق السوفيت على تأجير ثلاثة من ناقلاتهم للكويت, ووافق الأميركيون على حراسة إحدى عشرة ناقلة نفط كويتية ترفع الأعلام الأميركية. وحتى تتمكن إيران من الخروج من ذلك الوضع الصعب, حاولت التقارب مع الولايات المتحدة بهدف الحصول على الأسلحة الأميركية التي كانت بحاجة ماسة لها. وقد جرت قمة المفاوضات الإيرانية~الأميركية بهذا الصدد خلال زيارة قام بها مستشار الرئيس ريغَن لشئون الأمن القومي, روبرت مكفارلين, لطهران في مايو/أيار 1986. ونتج عن ذلك إبرام صفقة لمبادلة الأسلحة الأميركية بالإفراج عن الرهائن الغربيين المحتجزين في لبنان, والتي أصبحت تعرف أكثر فيما بعد في الولايات المتحدة باسم فضيحة إيران~كونترا.[72]

        وامتدت المرحلة الرابعة والأخيرة من الحرب من مارس/آذار 1987 إلى يوليو/تموز 1988, عندما قبلت إيران قرار مجلس الأمن الدولي القاضي بوقف إطلاق النار. خلال هذه المرحلة, اشتركت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي وكثير من الدول الأوروبية في جهود مباشرة لإنهاء الحرب وتقليل آثارها على إمدادات النفط الصادرة من منطقة الخليج العربي. فقد ردت إيران على الحراسة الأميركية لناقلات النفط الكويتية بزرع الألغام البحرية في طريقها. ونتيجة لذلك, زادت الولايات المتحدة والدول الأوروبية من جهودها الرامية للبحث عن تلك الألغام وتعطيلها. وفي يوليو 1987, قامت الولايات المتحدة بقيادة مجلس الأمن الدولي لإصدار القرار رقم 598, الذي دعا إيران والعراق إلى الدخول في مفاوضات من أجل حل سلمي. وكان القرار ملزماً, ويتضمن آلية لفرض عقوبات على الطرف الذي يرفضه. وكانت خطة السلام تستدعي تطبيق ثماني خطوات تبدأ بوقف إطلاق النار. وبينما قبل العراق القرار كما هو, فإن الرد الإيراني لم يكن يتضمن قبولاً أو رفضاً. وأعلنت إيران أنها تريد مزيداً من الوقت لتدرس ترتيب الخطوات الثماني التي دعا القرار إلى تطبيقها. ودعت إيران, بشكل خاص, إلى التطبيق المزدوج للخطوة الأولى (وقف إطلاق النار) والخطوة السادسة (تشكيل لجنة وظيفتها التوصل إلى الطرف الذي بدأ الحرب). وقد أدى التباطؤ الإيراني في قبول القرار إلى تصعيد عراقي للحرب. فابتداء من فبراير/شباط 1988, بدأت القوات العراقية تقصف المدن الإيرانية الرئيسة, بما في ذلك طهران, بمئات الصواريخ. كما زادت من استعمالها للأسلحة الكيميائية في جبهات القتال. وقد أدى استخدام الصواريخ والأسلحة الكيميائية إلى إضعاف معنويات المدنيين والعسكريين الإيرانيين, على حد سواء, لدرجة أنه عندما قامت القوات العراقية بهجومها البري, فإن القوات الإيرانية قد تخلت عن مواقعها مرة واحدة وفرت باتجاه الأراضي الإيرانية.[73]

 

الغرب والحرب العراقية~الإيرانية

 

        لم تتقبل البلدان الغربية الثورة الإيرانية منذ البداية. فقد قلبت نظام حكم الشاه الموالي للغرب, كما أعلنت أنها معادية لإسرائيل.[74]  والعراق أيضاً معاد لإسرائيل, وقد قاد الأقطار العربية في رفض اتفاقية السلام المصرية~الإسرائيلية التي ضمنتها الولايات المتحدة بالتوقيع عليها مع الطرفين, في عام 1978. وهكذا, فإن الغرب كان سعيداً عندما اندلعت الحرب العراقية~الإيرانية في عام 1980, لأنه رأى فيها إضعافاً لبلدين إسلاميين معاديين له. وكان الشعار الأميركي تجاه الحرب "لا غالب ولا مغلوب." وكان ذلك يعني تغذية الحرب المدمرة بين البلدين لحوالي ثماني سنوات. وعلى الرغم من بعض الجهود التي كانت ترمي إلى الوصول لوقف إطلاق النار في الأمم المتحدة, إلاّ أن الموقف الغربي الحقيقي ركز على بيع الأسلحة للطرفين حتى تستمر الحرب لأطول فترة ممكنة.

            لقد كانت فترة الحرب العراقية~الإيرانية بمثابة منجم ذهب للصناعات العسكرية في العالم, خاصة الغربية منها. فقامت تسع وثلاثون دولة ببيع الأسلحة للطرفين المتحاربين. وعمل مصنِّعو الأسلحة ووسطاء بيعها على أن يكون لدى البلدين ما يكفي من الطلقات, والقنابل, والألغام, والصواريخ للاستمرار في الحرب. فتسلمت إيران أسلحة من إسرائيل, وإيطاليا, وبريطانيا, منذ بداية الحرب. وقد أدى ذلك إلى أن يتمكن الإيرانيون من شن هجومهم المعاكس, خلال المرحلة الثانية من الحرب. كذلك, فإن الولايات المتحدة بدأت ببيع الأسلحة للعراق, منذ بداية الحرب. فقد توسط رجل الأعمال اللبناني, سركيس سوغنيليان, لبيع العراق طائرات مروحية. كما تسلم العراق مجموعة من طائرات سوبر إيتندار الفرنسية الصنع, في نهاية عام 1983. واستخدمت تلك الطائرات في مهاجمة ناقلات النفط الراسية في مرفأ تصدير النفط بجزيرة خرق الإيرانية. ثم بدأ العراق يحصل على قروض ضمان لشراء المنتجات الزراعية الأميركية, خاصة القمح والأرز. وفي نفس العام أيضاً, 1983, قام رجل الأعمال العربي~الأميركي صهيب الحداد, المقيم بمدينة ناشفيل بولاية تينيسي, بتصدير منتجات مختلفة للعراق, بما في ذلك تلك التي يمكن أن تستخدم في تصنيع الأسلحة الكيميائية. وفي ديسمبر/كانون أول 1983, قامت القوات العراقية بمهاجمة القوات الإيرانية, التي كانت تحتل أجزاء من جنوب العراق, بغاز الخردل, الأمر الذي أسهم في هزيمة القوات الإيرانية هناك. وقام العراق باستخدام الغازات السامة مرة أخرى لتحرير منطقة جزر مجنون في جنوب شرقي البصرة, التي كانت تحتلها القوات الإيرانية.[75] وهكذا, فان استخدام الأسلحة الكيميائية كان دفاعاً عن النفس في الحالتين.

        وفي عام 1986, أي خلال المرحلة الثالثة من الحرب, احتلت إيران شبه جزيرة الفاو. وخلال ديسمبر/كانون أول 1986 و يناير/كانون ثاني 1987, شن الإيرانيون هجوماً جديداً على العراق أطلقوا عليه اسم "كربلاء." وقد تمكن الإيرانيون من شن ذلك الهجوم بعد تسلمهم أسلحة غربية وأميركية (عن طريق إسرائيل), في مقابل إطلاق سراح الرهائن الغربيين المحتجزين في لبنان. وأثناء المرحلة الأخيرة من الحرب, استخدم العراق الصواريخ والأسلحة الكيميائية لإرغام إيران على قبول قرار وقف إطلاق النار الصادر عن مجلس الأمن الدولي. فابتداء من 29 فبراير/شباط 1988, أطلق العراق 189 صاروخا على طهران وخمس مدن إيرانية أخرى.[76]  وكان من نتيجة استعمال الصواريخ أنها نقلت الحرب إلى قلب إيران, الأمر الذي عجل بانتهاء القتال. كذلك فإن الهجوم العراقي المفاجئ على القوات الإيرانية التي كانت تحتل شبه جزيرة الفاو قد أسهم أيضاً في التعجيل بإنهاء الحرب. فقد استخدم العراقيون قنبلتهم الجديدة التي كانت تزن تسعة أطنان, والتي أطلقوا عليها اسم "نصر." وكان انفجارها من القوة بحيث أنها عندما سقطت على الإيرانيين فإنهم اعتقدوا بأنها كانت قنبلة ذرية. وفوق ذلك, تم قصف القوات الإيرانية بقذائف المدفعية المحملة بالأسلحة الكيميائية, الأمر الذي أدى إلى القبول الإيراني بقرار وقف إطلاق النار الصادر عن مجلس الأمن الدولي, وذلك في يوليو/تموز 1988.[77]

        وقد بلغت الخسائر العراقية في الأرواح حوالي 150,000 جندي. أما الجرحى, فبلغ عددهم حوالي 250,000. وخسر الاقتصاد عقدين من التنمية, عقد استهلكته الحرب وآخر كانت ستستهلكه عملية إعادة البناء بعد الحرب. وقدرت خسائر البنى التحتية العراقية بين 200 و 500 بليون دولار. أما الخسائر الإيرانية في الأرواح والأبدان فقد فاقت الخسائر العراقية, كما بلغت الخسائر في الممتلكات حوالي 200 بليون دولار. ووصلت الديون العراقية إلى حوالي 95 بليون دولار, منها حوالي 35 بليون دولار لأقطار الخليج العربي.[78]  ويقدر بعض الخبراء أن الخسائر في الأرواح من الجانبين قد فاقت مليون جندي. أما عدد الجرحى, فزاد عن ثلاثة ملايين. وبالإضافة إلى ذلك, فان الحرب قد تركت وراءها عشرات الآلاف من الأسرى, كما فقد الملايين بيوتهم. أما المعاناة الإنسانية, فلا يمكن تقديرها.[79]

        كذلك فإن تلك الحرب الطويلة قد امتصت جزءاً كبيراً من الثروة, كما أسهمت في انخفاض أسعار النفط, الذي وصل إلى 8 دولارات للبرميل, في عام 1986. وقد أدى ذلك الانخفاض بدوره إلى ارتفاع في معدلات الإنتاج, الأمر الذي أدى لمزيد من الانخفاض في أسعار النفط وصولاً إلى مرحلة أزمة عام 1990. أما بالنسبة للصراع العربي~الإسرائيلي, فإن الحرب قد أشغلت العراق بعيداً عن الصراع, وجعلت الرغبة الإيرانية المعلنة لمساعدة العرب غير واقعية. وفي نفس الوقت, فإن الحرب قد أتاحت لإسرائيل الفرصة والموارد اللازمة لتطوير أبحاثها وترسانتها الذرية, كما مكنتها من دخول عصر الفضاء من خلال اشتراكها في مشروعي يوريكا و اس دي آي. وأخيراً, فإن الحرب العراقية الإيرانية قد أتاحت لإسرائيل تنفيذ سبع تخفيضات في ميزانيتها العسكرية, الأمر الذي مكنها من تحويل المبالغ المقتطعة من الميزانية إلى تطوير وتصنيع طائرة لافي, ودبابة ميركافا, وصاروخ سار.[80]

 

 

 

تهديد للمصالح الغربية

 

        عندما توقفت الحرب في عام 1988, كان لدى العراق ترسانة كبيرة من الأسلحة التقليدية, والكيميائية, والجرثومية. كذلك كان لدى العراق إمكانيات لتطوير قدرات ذرية. وقد مثل ذلك تهديداً للمصالح العسكرية الغربية, التي بدأت تخشى على انخفاض الطلب لدى دول المنطقة لشراء الأسلحة الغربية نتيجة لانتهاء الحرب والتوتر. كذلك فإن الصناعات العسكرية في العراق ومصر قد وصلت إلى مستوى من التطور يمكن أن يؤدي إلى تلبية احتياجات الأقطار العربية من بعض أنواع الأسلحة. وكان ذلك يعني ظهور صناعة عسكرية عربية, لم يكن بإمكان الصناعات العسكرية الغربية عامة, والفرنسية بشكل خاص, تجاهلها.

        فبين عامي 1975 و 1990, اشترى العراق ما قيمته حوالي 20 بليون دولار من الأسلحة الفرنسية. وخلال الحرب, أصبحت فرنسا مورد الأسلحة الرئيس للعراق. لذلك, فإنها لم تكن سعيدة, بعد الحرب, عندما رأت العراقيين وهم يطورون أنظمة الأسلحة التي اشتروها منها. فعندما قام الفريق موريس شميت, رئيس هيئة الأركان الفرنسي, بزيارة بغداد أثناء افتتاح معرض السلاح الدولي هناك, في عام 1989, رأى الأسلحة العراقية التي تم تطويرها من الأسلحة الفرنسية. فعلق على ذلك علناً بعد الغزو العراقي للكويت (في عام 1990) قائلا أنه أدرك أثناء زيارته لمعرض السلاح في بغداد أن فرنسا ربما تكون قد تمادت في علاقاتها العسكرية مع العراق. وأضاف بأنه كان من الأفضل لبلاده أن تبدي اهتماماً أكبر بما كان يفعله العراقيون في مجال تطوير الأسلحة.[81]

        وبحلول عام 1990, أصبحت الدول الغربية قلقة بشأن الدور الذي سيلعبه العراق في المنطقة بعد الحرب. فالقوات العراقية خرجت من الحرب بكامل قوتها, لكن العراق كان مثقلاً بالديون الخارجية. كان أحد الاحتمالات أن يبدأ العراق في تصنيع وتصدير الأسلحة, كوسيلة للخروج من أزمته المالية. فالأقطار العربية يمكن أن تفضل أن تشتري بعض الأسلحة والمعدات العسكرية التي تحتاجها من قطر عربي شقيق كالعراق, بدلاً من شرائها من الدول الأخرى. وبالطبع فإن ذلك الاحتمال قد أثار قلق الدول الغربية التي كانت تصدر الأسلحة للمنطقة منذ وقت طويل. ومن ناحية أخرى, كانت الدول الغربية قلقة من احتمال بروز العراق كقوة إقليمية تهدد إسرائيل. لهذه الأسباب جميعا, فإن المؤسسات العسكرية الغربية لم تكن مرتاحة لما آلت إليه الأمور في العراق.[82]  وسرعان ما بدأ القادة العسكريون الغربيون بوصف العراق على أنه المصدر الجديد للخطر على المصالح الغربية, بعد زوال الخطر السوفيتي. فخلال تلك الفترة, أخذت القيادة المركزية الأميركية (المكلفة بالسيطرة على الشرق الأوسط) تشير إلى العراق على أنه عدو أميركا في المنطقة العربية, وبدأت ترسم خططها بعيدة المدى على هذا الأساس.[83]

        وأخيراً, فإن سقوط الاتحاد السوفيتي ومعه حلف وارسو كان مناسبة غير سارة بالنسبة للصناعات العسكرية الغربية, وذلك لأنه كان إيذاناً بانتهاء الحرب الباردة التي كانت تمثل بالنسبة لها منجم ذهب تغرف منه بغير حساب, ولأكثر من نصف قرن من الزمان. وكان النزاع الذي نشب في عام 1990 بين العراق والكويت فرصة ذهبية للسياسيين الغربيين ليقفوا من وراء الصناعات العسكرية في بلادهم ويشدوا من أزرها في محنتها المؤقتة. فأخذوا في إقناع الرأي العام الغربي بأن الغزو العراقي للكويت كان يمثل صراعاً خطيراً ذا أبعاد عالمية. وقد أدت حرب الخليج التي شنها الغرب على العراق في العام التالي إلى استعمال وتدمير كميات ضخمة من الأسلحة. وأعطى ذلك لوزارات الدفاع في الدول الغربية المبرر الذي كانت تبحث عنه للاستمرار في إنفاقها العسكري بنفس معدلات الحرب الباردة, ولعدة سنوات. وهكذا فإن الأزمة العراقية~الكويتية في عام 1990, وحرب الخليج التي تلتها في عام 1991, قد استخدمتا كذريعتين لنفخ الحياة من جديد في الصناعات العسكرية الغربية, ولضمان الطلب عليها لسنوات عديدة قادمة. فالحرب الباردة الأولى قد انتهت, لكن الإنفاق العسكري بمعدلات الحرب الباردة لم ينته, كما أن الجهود المحمومة لخلق حرب باردة ثانية مستمرة (كما ستتم مناقشته في الفصل الحادي عشر).

 

الخلاصة

 

        لقد أدت هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى إلى تجزئة الوطن العربي وتقسيمه إلى مناطق نفوذ للقوى الغربية التي انتصرت في تلك الحرب. ونتيجة لذلك, فإن الاحتلال العسكري الأوروبي مهد السبيل للسيطرة الاقتصادية الغربية على الوطن العربي. وقد تمثل ذلك أولاً في الامتيازات النفطية التي منحت للشركات البريطانية والأميركية في الثلاثينات من القرن العشرين, ثم في ربط اقتصاديات الأقطار العربية بالاقتصاديات الغربية فيما بعد. وقد أدت تلك التبعية الاقتصادية إلى أن تقوم الحكومات العربية باستثمار فوائض عائداتها النفطية في الغرب. وهكذا بقي الوطن العربي في حالة تخلف اقتصادي, بينما استمرت الهوة بين فقراء العرب وأغنيائهم في النمو.

        ولم تقنع الدول الصناعية الرئيسة بتلقي فوائض العائدات النفطية العربية, التي كانت ولا زالت تصلها على شكل استثمارات. وإنما بالإضافة إلى ذلك, عملت على الاستحواذ على الجزء الأكبر من العائدات النفطية من خلال مبيعات نظم الأسلحة وخدماتها. وقد أدى الإنفاق العسكري في الدول الصناعية, منذ الثمانينات, إلى إثقال مجتمعاتها بالديون والى حرمان الطبقات العاملة فيها من ثمار عملها وكدحها. كذلك فإن الإنفاق العسكري الضخم قد أضر بالأقطار العربية "النامية," وذلك لأنها وجدت نفسها مرغمة على شراء الكثير من الأسلحة غير الضرورية, بدلاً من إنفاق عائداتها النفطية على مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

        فالتجربة العراقية مع الغرب تقدم مثلاً على كيفية تعامل القوى الاستعمارية الغربية مع الأقطار العربية. فالحكومات العراقية المتعاقبة كانت تدفع لخوض حرب إثر أخرى, طيلة القرن العشرين. فقد تمكن التمرد الكردي من إشغال الحكومات العراقية المتعاقبة بالحملات العسكرية والمبادرات السلمية المختلفة التي كانت تهدف إلى إنهائه. فالنظام العسكري الإيراني (زمن الشاه) كان يحاول أن يلعب دور الشرطي في منطقة الخليج العربي, بتشجيع أميركي. كذلك فإن أهداف إسرائيل البعيدة المدى قد قادتها للتعاون مع إيران والولايات المتحدة في مجال مساعدة المتمردين الأكراد, في محاولة لإشغال العراق بعيداً عن الصراع العربي~الإسرائيلي. وقد أدت تلك المساعدات للمتمردين إلى إجبار العراق للوصول إلى اتفاقية 1975 مع إيران, والتي تخلى من خلالها عن سيادته على نصف شط العرب. وقد أدت المحاولات الإيرانية لتصدير الثورة إلى أن يقوم العراق بإنهاء الاتفاقية, كما أدت إلى الحرب التي دامت ثماني سنوات بين البلدين. وعندما انتهت الحرب, تطلع العراقيون لأشقائهم في الخليج العربي لمساعدتهم في إعادة البناء والإعمار. لكن تلك المساعدة لم تأت, فسرعان ما تطورت الأزمة بين العراق والكويت في عام 1990, الأمر الذي ستتم مناقشته في الفصل السادس.

        وهكذا, فطيلة القرن العشرين, اضطر العراقيون أن ينفقوا معظم مواردهم, خاصة عائداتهم النفطية, على قواتهم المسلحة من أجل التصدي للمتمردين الأكراد ومؤيديهم الإيرانيين. وتمثلت المصالح الغربية في المنطقة العربية في الحصول على الامتيازات النفطية, والاستحواذ على العائدات النفطية سواء بإقناع الحكومات العربية بالاستثمار في الغرب أو بشراء الأسلحة.  وحتى تحافظ على مصالحها تلك, فان الدول الغربية قد لعبت دوراً رئيساً في إضعاف العراق والأقطار العربية الأخرى وذلك بإشغالها بحروب مستمرة مع الأكراد, وكذلك مع إيران.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ملحق 5

تعهد شيخ الكويت لبريطانيا بشأن الزيت

27 أكتوبر 1913

       تناولت بكل مودة كتابكم الموقر المؤرخ في السادس والعشرين من ذي القعدة عام 1331, والذي بينتم فيه بالإشارة إلى المحادثة التي جرت بيننا أمس فيما إذا لا نرى محظوراً, أنه من المرغوب فيه أن تقوموا بإخبار الحكومة البريطانية بأننا نوافق على قدوم معالي أمير البحر (الفريق البحري), وأننا نوافق على ما ترونه مفيداً. وإذا ما شرف أمير البحر بلدنا, سأرسل بصحبته أحد أبنائي ليكون في خدمته وليدله على محل الزيت في برقان وغيرها. وإذا ما ارتأوا مكان الحصول على الزيت من هناك, فإننا لن نمنح أي امتياز في هذا الشأن لأي شخص آخر عدا ذلك الذي تعينه الحكومة البريطانية. وهذا ما وجدناه ضرورياً, أتمنى دوام أنظاركم علينا والله يحفظكم.                         الختم

26 ذي القعدة 1331.                       الشيخ مبارك الصباح

المصدر: الشملان (1959: 326-327), جوده (1979: 149).

 

 

 

 

 

 

ملحق 5.ب

الخلفية التاريخية لتوقيع وإلغاء اتفاقية عام 1975 بين العراق وإيران

كما وردت في خطاب الرئيس صدام حسين أمام المجلس الوطني العراقي

في جلسته الاستثنائية المنعقدة في 17 سبتمبر/أيلول 1980

 

        لقد استخدم الاستعمار, عبر العصور الماضية, كل الوسائل المتاحة لديه, من أجل إضعاف الأمة العربية وإخضاعها لسيطرته, واستغلال أرضها وخيراتها, وكان أخطر ما فعله الاستعمار البريطاني والفرنسي, والإمبريالية الأميركية, وكل القوى الإمبريالية في العصر الحديث ضد الأمة العربية, إيجاد الكيان الصهيوني, في ظل ظروف تاريخية معروفة, من أجل الإبقاء على تجزئة الأمة العربية, وإضعافها, وبالتالي تسهيل مهمة استغلالها والسيطرة عليها.

          وبعد أن قام الكيان الصهيوني في أرض فلسطين المحتلة, تكونت له مصالحه وأطماعه وسياساته الخاصة, التي يلتقي بعضها مع مصالح الإمبريالية وأطماعها وسياساتها, في حين يكتسب البعض الآخر منها خصوصية معينة. ولم يكن الكيان الصهيوني, منذ قيامه وحتى الآن, محمياً من قبل الإمبريالية العالمية فحسب, وإنما صار – في الوقت نفسه – مخفراً أمامياً أيضاً للصهيونية العنصرية, ولأطماعها ومصالحها العدوانية والتوسعية, في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

          لقد أدى الكيان الصهيوني مهمته خلال السنوات الثلاثين الماضية, منذ قيامه وحتى اليوم, في تكريس التجزئة في الوطن العربي, وفي إضعاف قدرات الأمة على النهضة والتقدم, كما قام – حيثما أتيحت له الفرصة – بالعدوان والتوسع في الأرض العربية. غير أن الطليعة الواعية في الأمة العربية, التي تتابع بحرص ووعي مخططات الصهيونية العالمية, وتناضل ضدها, باتت تدرك بأن القوى الإمبريالية والصهيونية لم تعد تكتفي بالتجزئة التي فرضتها على الأمة العربية في بداية هذا القرن, وإنما صارت تعمل على إعادة تجزئة الأقطار العربية, بحيث لا يكون أحد أجزائها القائمة في الوقت الحاضر, أو أي جزئين متحدين منها يشكل أحدهما عمقاً سوقياً للآخر, ويتعاون على حدود التماس مع الكيان الصهيوني, قادرين على تهديد الكيان الصهيوني, أو منع خططه التوسعية وأطماعه في الوطن العربي.

          وكان العراق في مقدمة الأقطار التي استهدفها هذا المخطط الصهيوني~الاستعماري الخبيث. ولقد اختير العراق لأسباب تتعلق بموقعه الجغرافي ولأسباب سياسية واقتصادية وتاريخية, وبسبب طبيعة شعبه المقاتلة, ودوره الذي أداه عبر التاريخ في الدفاع عن كرامة الأمة العربية وسيادتها, ولقدرته على النهضة والتقدم, عندما تتوفر له المستلزمات المطلوبة. لقد سعى الاستعمار والصهيونية إلى تجزئة العراق عن طريق إثارة التعارض بين الخصوصيات الوطنية المحلية فيه, وبين انتمائه القومي العربي, بإثارة النعرات الإقليمية الانعزالية, في أوقات من تاريخه الحديث, كما سعيا إلى خلق التعارض بين انتماء أبنائه إلى الطوائف والديانات, وبين انتمائهم إلى الوطن والأمة.

        لقد كان العراق, أيها الأخوة, موضوعاً على طاولة التقسيم قبل ثورة السابع عشر من تموز عام 1968, فلقد كانت القوى الاستعمارية والصهيونية العالمية, تسعى بكل الوسائل الخبيثة إلى تجزئة العراق إلى دويلات صغيرة وحقيرة, لو قامت, لا سمح الله, لكانت بالتأكيد عاجزة عن صيانة الحرية والاستقلال الشريف, ولمنعت العراق من الإسهام الجدي والفعال في الدفاع عن سيادة الأمة وكرامتها, واسترداد حقوقها, والإسهام في رسالتها الإنسانية, ولحالت بينه وبين النضال ضد الكيان الصهيوني وامتداداته والقوى الإستعمارية لتي تقف وراءه, وتمده بأسباب الحياة.

          ومع أننا ندرك أن شعب العراق قد ولد, وعاش قبل ثورة تموز, وناضل ببسالة ضد كل أشكال المؤامرات والمخططات الاستعمارية والصهيونية, إلاّ أن الحقيقة التاريخية تؤكد أنه لولا ثورة تموز ونجاحها العظيم في ترسيخ الوحدة الوطنية, وما أنجزته على صعيد البناء الوطني في كل الميادين الأساسية, لغدت احتمالات تجزئة العراق أمراً ممكناً, لما كان يعانيه قبل الثورة من حالات الضعف والتفكك والاختراق, من جانب القوى والشبكات الاستعمارية والصهيونية.

          وفي إطار هذه الخطة, سعت الدوائر الاستعمارية والصهيونية قبل الثورة, وبعدها بصورة خاصة, إلى إمداد القيادة الرجعية العميلة في شمال الوطن, بكميات هائلة من الأسلحة الحديثة, وإمكانات مادية كبيرة, حتى غدت خطراً داهماً, يهدد وحدة العراق ومستقبله ورسالته الوطنية والقومية.

          وقد قامت إيران بهذا الدور الميداني المباشر في دعم القيادة العميلة, بإسناد وتشجيع من الإمبريالية الأميركية والصهيونية العالمية, التي وضعت في هذه الخطة إمكاناتها العسكرية والمادية والسياسية والإعلامية, وأجهزة مخابراتها المتطورة. وقد خاض العراق بأبنائه البررة من كل الطوائف والديانات والقوميات, صراعاً شرساً ضد هذه الزمرة العميلة, وضد من يقف وراءها, واستبسل الجيش العراقي استبسالاً رائعاً في المعركة, مستلهما في ذلك شرف العراق وواجب الدفاع عن وحدة الوطن وأمجاد الأمة العربية ورسالتها, وقدم أغلى التضحيات وضرب أروع الأمثلة في الشجاعة والصمود, كما تحمل شعبنا كل التضحيات التي تطلبتها المعركة التي امتدت اثنى عشر شهرا بين آذار 1974 وآذار 1975, والتي خسر فيها الجيش العراقي أكثر من ستة عشر ألف إصابة بين شهيد وجريح, وكان مجمل خسائر الجيش والشعب فيها ستين ألف إصابة, بين قتيل وجريح.

          ورغم استبسال جيشنا في قتاله ضد العملاء, وضد من يساندهم من الصهاينة والأميركان والسلطات الإيرانية, وبرغم مما كان يتمتع به من معنويات عالية, لم يكن بالمستطاع تجاهل المستلزمات المادية والموضوعية في المعركة. فهذه المستلزمات تبقى مهمة وحاسمة, في بعض الأحيان, في تحديد الكثير من النتائج السياسية والعسكرية. وكانت المشكلة الأساسية في معركتنا مع التمرد العميل, هي استمرار تدفق الأسلحة والأعتدة بصورة خاصة إلى ميادين القتال بما يتكافأ, على أقل تقدير, مع الأسلحة والذخائر والتجهيزات غير المحدودة التي كان يضعها النظام الإيراني تحت تصرف الزمرة العميلة المرتدة, نيابة عن الإمبريالية الأميركية والصهيونية.

          ولقد بلغ الوضع العسكري حداً خطيراً, فقد وضع النظام الإيراني أحدث الأسلحة وأكثرها تأثيراً في مواجهة قواتنا الباسلة, بل اشتركت القوات الإيرانية مرات عديدة في قتال مباشر ضد قواتنا. كما كانت تقوم بالمناورات والتحركات والحشود على طول حدودنا الشرقية, لإلهاء جيشنا في جبهات متعددة, وإسناد الموقف العسكري للزمرة العميلة. وكان الهدف من ذلك إلحاق الهزيمة بجيشنا الباسل, أو جعله عاجزاً عن مواجهة التمرد المشبوه, عندما تنفذ ذخيرته وتقل تجهيزاته, وبذلك يمكن تنفيذ المؤامرة الإمبريالية~الصهيونية في تجزئة العراق وإضعافه, وإنهاء دوره القومي. وقد بلغ الأمر درجة خطيرة فعلاً, عندما بدأت تجهيزاتنا وذخائرنا الأساسية تتناقص على وجه خطير, وبخاصة في الأسلحة الحاسمة والأكثر تأثيراً. فلقد أوشك عتاد المدفعية الثقيلة على الانتهاء, ولم يبق من القنابل الثقيلة في سلاح الطيران سوى ثلاث قنابل.

          إننا نعرف, أيها الأخوة, أن بيع السلاح في العالم اليوم, وبخاصة الحلقات المتطورة منه, لا يخضع لاعتبارات تجارية, وهو غالباً ما يوضع في إطار التقدير السياسي والستراتيجية الموضوعة في دولة المنشأ. إن تسليح جيشنا يعتمد – بالدرجة الأولى – على الاتحاد السوفيتي. وقد قدم لنا الاتحاد السوفيتي, عبر السنوات الماضية, أسلحة متطورة. ولكن تلك الحقيقة في ذات الوقت, وفي أثناء نضالنا وقتالنا ضد الزمرة العميلة المرتدة في شمال الوطن ... ونحن عندما نكشف هذه الحقيقة التاريخية لا نستهدف لوم أحد, ولا إيجاد التبريرات, وإنما نستهدف إيضاح حقيقة تاريخية, ووضع المسؤولية في إطارها الكامل. وقد أخفينا حقيقة النقص الفادح في عتادنا الحربي في حينها, وأبقينا هذه المعلومات في إطار محدود جداً على صعيد القيادة, لكي لا يتعرف الأعداء على هذا السر ويتمادوا في مؤامراتهم وعدوانهم, ولكي لا تضعف معنويات قواتنا التي كانت تقاتل ببسالة وشرف, بما تيسر لها من الأسلحة الأخرى, ولكن هذه الحقيقة كان لها انعكاس مهم على صناعة قرارنا السياسي في الصراع الذي كان قائماً بيننا وبين إيران.

          هذا جانب من المسألة, أما الجانب الآخر أيها الأخوة, فهو ظروف المعركة التي خاضها العراق أثناء حرب تشرين عام 1973. لقد اندلعت الحرب مع الكيان الصهيوني من دون إخبار العراق بها, ومن دون إتاحة الوقت الكافي له لتهيئة قواته المسلحة. وانسجاماً مع موقف العراق ومسؤولياته القومية, كان لا بد له من المشاركة في هذه المعركة, أياً كانت دوافع الذين خططوا لها وطبيعتهم, ومهما كانت طبيعة علاقاته بالأنظمة التي شاركت في الحرب. وفي ذلك الوقت, كانت قوات العراق تقف محتشدة على الجبهة الشرقية, تحسباً من العدوان الإيراني على الأرض الوطنية. ولكي يوفر العراق الظروف الملائمة لمشاركة قواته في المعركة مع العدو الصهيوني, أصدر مجلس قيادة الثورة, في السابع من تشرين الأول عام 1973, بياناً يؤكد فيه استعداد العراق لحل المشاكل مع إيران بالطرق السلمية, ثم أرسل قواته الضاربة إلى سورية, والتي كان لها شرف المساهمة الفعالة في حماية دمشق من السقوط, وإيقاف الزحف الصهيوني على الأراضي السورية.

          وكان إصدار البيان يعني, من الناحية الواقعية, استعداد العراق للنظر في مطالب إيران في شط العرب. وفي عام 1975, عندما بادر الرئيس بومدين – رحمه الله – بالاتصال مع العراق وإيران, مقترحاً التفاوض المباشر بينهما في الجزائر حول القضايا المختلف عليها, وافقنا على هذه المبادرة, واعتبرناها فرصة سانحة لإنقاذ العراق, ووحدته الوطنية, وأمن الجيش العراقي. وعلى هذا الأساس, اتخذت قيادة الحزب والدولة قراراً بقبول التفاوض مع إيران, وقبول خط (التالْوِك) كخط حدود في شط العرب, مقابل تراجع إيران عن الأراضي العراقية التي اغتصبتها في عهود سابقة, خلافا لبروتوكول القسطنطينية لعام 1913, ومحاضر جلسات قوميسيري الحدود الملحقة به, ومنها منطقة زين القوس وسيف سعد التي حررتها قواتنا قبل أيام, والامتناع أيضا عن تقديم المعونات العسكرية وغيرها من المعونات للزمرة العميلة المرتدة في شمال الوطن.

          وعلى هذا الأساس تم التفاوض مع إيران, وتم توقيع اتفاقية 6 آذار عام 1975. لقد كانت تلك الاتفاقية في حينها حدثاً مهماً. فبعد إعلانها مباشرة, انهارت قوات التمرد العميل, واستسلم المتمردون, وبلغت الأسلحة التي سيطر عليها الجيش 152,000 قطعة سلاح, عدا الأسلحة الإيرانية الكثيرة التي سحبها الإيرانيون خلال أُسبوعين هي المهلة التي أعطيت لهم لسحبها. مع ذلك, وبعد انتهاء مهلة الأُسبوعين, بقي عدد كبير من المعدات والأسلحة الإيرانية, التي اضطر الجيش الإيراني إلى تركها, فاستولى عليها جيشنا.

          لقد كانت اتفاقية آذار 1975 في حينها قراراً شجاعاً وحكيماً, قراراً وطنياً وقومياً. إن الشجاعة لا يعبر عنها بالاستخدام المقتدر للبندقية والسيف, في مواقع المواجهة الأمامية مع العدو في الدفاع أو الهجوم فحسب, وإنما يعبر عنها كذلك, ومن موقع القيادة بوجه خاص, بالقرار السياسي الشجاع في الدفاع عن الشعب والأمة, والحفاظ على السيادة, عندما لا يكون السيف وحده, والبندقية وحدها, قادرين على تحقيق هذه الأهداف.

          لقد أنقذ ذلك القرار, في ضوء تلك الظروف, العراق من مخاطر جدية كانت تهدد وحدته وأمنه ومستقبله. وأتاحت الفرصة لشعبنا للمضي في ثورته, والمضي في عملية البناء والنهوض, والوصول إلى مستوى عال من القوة والتقدم والرفاهية, يحفظ شرف العراقيين وسيادتهم, ويضع العراق القوي المقتدر على طريق خدمة الأمة العربية, ورسالتها العظيمة.

          ولم يكن القرار استسلاماً لواقع مرير, رغم أن الواقع كان مريراً وخطيراً, وإنما كان اعتلاء لصهوة الواقع, فعل قيادي مقتدر ومتوازن مع حسابات الظروف والإمكانات. لقد كانت اتفاقية آذار بنت ظروفها, وقد فهمها شعبنا, واعتبرها – في إطار تلك الظروف – انتصارا عظيما, واستقبلها بفرح عظيم. ورغم أن جيشنا كان يقاتل ببسالة في الخنادق, ولا يعرف الحقائق التي أشرنا إليها عن النقص في عتاده الحيوي, وكان يلحق بالمرتدين الخونة الضربات الموجعة, فقد استقبل الاتفاقية هو الآخر بفرح عظيم, لأنه أدرك مغزاها بالنسبة لوحدة الوطن ومستقبله, وقدر ظروفها الموضوعية.

          بعد توقيع اتفاقية آذار جرت مفاوضات واتصالات عديدة, من أجل وضع بنودها موضع التطبيق, وبخاصة تلك التي تتعلق بتخطيط الحدود وتثبيت الدعائم الحدودية, والشئون الأخرى ذات الطابع الفني. وقد تم توقيع البروتوكولات الأساسية الثلاثة المستندة على الاتفاقية, وهي بروتوكول تحديد الحدود النهرية, وبرتوكول إعادة تخطيط الحدود البرية, وبروتوكول الأمن على الحدود. وقد استفاد الجانب الإيراني, في وقت مبكر, من اتفاقية تحديد الحدود النهرية في شط العرب, بينما تطلب الأمر وقتاً إضافياً بالنسبة لتطبيق البروتوكول الخاص بالحدود البرية, وكان ذلك أمراً اعتيادياً. وقد تعطلت إجراءات تسليم الأراضي فيما بعد, بسبب الظروف التي كان يعيشها النظام الإيراني السابق عامي 1978 و 1979. ثم جاءت السلطة الإيرانية الجديدة, وبقيت أراضينا تحت سيطرة الطرف الآخر. وقد قدرنا بأن النظام الجديد يحتاج إلى زمن لكي ينفذ الالتزامات التي تترتب علية بموجب الاتفاقية. غير أننا, ومنذ اليوم الأول لوصول المجموعة الحاكمة في إيران إلى السلطة, لمسنا منها مواقف عدائية, وإخلالاً بعلاقات حسن الجوار. وصرنا نسمع منهم التصريحات المتلاحقة عن عدم التزامهم باتفاقية آذار. وفي وقت مبكر جداً, خرقت المجموعة الحاكمة في إيران بنداً أساسياً من بنود الاتفاقية, عندما استدعت قيادة التمرد العميل من أميركا إلى إيران. وكان العميل البارزاني وأولاده يتهيأون للعودة إلى إيران, واستئناف نشاطهم العدواني ضد العراق. ولكنه توفي عند أولياء نعمته الأميركان. فعاد أبناؤه وقادة التمرد العميل إلى إيران, واتخذوها منطلقاً لتهديد أمن العراق ووحدته الوطنية, بإسناد صريح من السلطات الحاكمة فيها.

          إن كل تصرفات حكام إيران منذ وصولهم إلى السلطة وحتى اليوم, تؤكد إخلالهم بعلاقات حسن الجوار, وعدم التزامهم ببنود اتفاقية آذار. لذلك, فإنهم يتحملون المسؤولية القانونية الكاملة عن اعتبار هذه الاتفاقية بحكم المنتهية. إنّ الاتفاقية – برغم الظروف الصعبة التي أحاطت بالعراق عند توقيعها – كانت تستند على عناصر متوازنة, وقد اعتبر الإخلال بأي عنصر من عناصرها إخلالاً بروح الاتفاقية. ولما كان حكام إيران قد أخلوا بهذه الاتفاقية منذ بداية عهدهم بتدخلهم السافر والمقصود في شؤون العراق الداخلية, وإسنادهم – كما فعل الشاه من قبل – وإمدادهم لرؤوس التمرد المدعوم من أميركا والصهيونية, ولامتناعهم عن إعادة الأراضي العراقية التي اضطررنا إلى تحريرها بالقوة, فإنني أعلن أمامكم, أننا نعتبر اتفاقية 6 آذار لعام 1975 ملغاة (وقد اتخذ مجلس قيادة الثورة قراره بذلك), وهكذا ينبغي أن تعود العلاقة القانونية في شط العرب إلى ما كانت عليه قبل 6 آذار 1975, ويعود هذا الشط - كما كان عبر التاريخ – عراقياً وعربياً بالاسم والحقيقة, مع كل حقوق التصرف بالسيادة الكاملة عليه.

 

 

النص الكامل للخطاب منشور في كتاب الفرزلي (1982: 219-227).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

جدول رقم 1.5

الإنفاق العسكري الأميركي خلال الأعوام 1945-1995

(ببلايين الدولارات في عام 1995)

 المبلغ       السنة       المبلغ         السنة     المبلغ        السنة       المبلغ       السنة

 

1945  922.8  1958  295.7  1971  307.9  1984 312.1

1946  519.0  1959  288.9  1972  284.5  1985 337.3

1947  134.4  1960  281.4  1973  254.6  1986 356.9

1948   83.8  1961  288.4  1974  239.3  1987 364.2

1949  112.9  1962  297.0  1975  237.5  1988 365.8

1950  122.2  1963  288.5  1976  229.6  1989 369.2

1951  220.2  1964  290.9  1977  228.3  1990 351.6

1952  384.4  1965  264.9  1978  228.8  1991 361.3

1953  407.0  1966  296.5  1979  233.0  1992 323.1

1954  375.4  1967  354.6  1980  241.6  1993 304.4

1955  316.0  1968  386.8  1981  255.9  1994 284.2

1956  296.4  1969  366.0  1982  276.7  1995 271.6

1957  303.3  1970  341.4  1983  297.5

بلغ الإنفاق العسكري الأميركي خلال فترة الحرب الباردة (1948-1991) حوالي 12.8 ترليون دولار.

Center for Defense Information (1996: 17).  المصدر:   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

جدول رقم 2.5

حجم واردات الأسلحة التقليدية الرئيسة

(ببلايين الدولارات في عام 1995)

 

نسبة الشرق الأوسط    الشرق الأوسط                       الإجمالي العالمي        السنة

 

1986     44.854               14.060        31.35

1987     46.534               14.831        31.87

1988     39.455                8.846        22.42

1989     38.284                5.871        15.34

1990     31.296                6.354        20.30

1991     25.819                5.394        20.89

1992     24.532                5.310        21.65

1993     24.743                6.853        27.70

1994     22.842                5.727        25.07

1995     22.797                5.295        23.23

 

المتوسط                المجموع                              المجموع الكلي

24.46              78.541                              321.156   

المصدر:

SIPRI Yearbook 1996: Armaments, Disarmaments, and

                     International Security.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

جدول 3.5

حجم صادرات الأسلحة التقليدية الرئيسة

(ببلايين الدولارات في عام 1995)

 

نسبة الغرب                    أميركا الشمالية                   الإجمالي     

من المجموع                   وأوروبا الغربية                   العالمي             السنة

 

1986     44.854           20.494            45.69

1987     46.535           20.779            44.65

1988     39.455           18.519            46.94

1989     38.284           18.724            48.91

1990     31.296           17.072            54.55

1991     25.819           18.204            70.51

1992     24.533           18.873            76.93

1993     24.744           18.232            73.68

1994     22.841           19.374            84.82

1995     22.797           15.974            70.01

 

المتوسط السنوي:  57.99            المجموع: 186.245  المجموع الكلي: 321.158       

المصدر:

SIPRI Yearbook 1996: Armaments, Disarmaments, and   

                     International Security.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

جدول 4.5

الإنفاق العسكري في الشرق الأوسط

(ببلايين الدولارات في عام 1995)

 

إسرا ئيل  العراق   إيران  سوريا  الأردن * مصر الإمارات سعوديه عمان   الكويت  الجزائر السنة

 

1984 1.0  1.0  2.0  21  2.2  3.60 .40  5.1  14  14 9.0

1985 1.0  1.0  2.0  20  2.2  3.60 .45  4.8  17  12 7.2

1986 1.0  1.0  2.2  17  2.1  3.25 .50  3.7  16  11 7.3

1987 1.0  1.0  1.7  17  1.6  2.75 .50  2.1  12  12 7.0

1988 1.0  1.0  1.7  15  1.6  2.25 .46  1.8  10  12 6.2

1989 1.0  1.2  1.6  14  1.6  1.75 .35  1.9  10  12 6.0

1990 1.0  9.0  1.7  14  1.5  1.75 .30  1.8  11  12 6.2

1991 1.0 11.0  1.4  25  1.5  1.75 .40  2.8  11  -- 6.0

1992 1.3  5.0  1.7  14  1.4  1.75 .30  2.5  10  -- 6.0

1993 1.6  ---  1.5  15  1.3  1.75 ---  2.3  14  -- 5.8

1994 2.2  ---  ---  15  ---  1.75 ---  2.2  14  -- 5.7

 

    13.1 31.2 17.5 187  17  25.95 3.6  31  139  85 2.4

    المجموع الكلي للإنفاق العسكري في الفترة ما بين 1984 و 1994: 622.81 بليون دولار

المصدر:

SIPRI Yearbook 1996: Armaments, Disarmaments, and

      International Security (Except for Iraq).

 

       ---  لا توجد معلومات.

              *  الإنفاق العسكري المصري خلال السنوات 1992-1994 هو تقديري

                  وليس فعلي.

 

 

 

 

 

        

 

 

 

 

 

 

 

ملاحظات ومصادر



[1] Ismael (1993: 1-14).   

 

 [2]  صاحب هذه النظرية هو إيمانويل ولرستين (Wallerstein, 1975).

[3]   هناك مثل حي يبين كيف أن المجتمعات المتقدمة تستمر في إبقاء تخلف المجتمعات النامية, ألا وهو محاولات السعودية بيع منتجاتها البترو~كيميائية للمجتمعات الصناعية في أوروبا الغربية. فقد أنشأت السعودية صناعة بترو~كيميائيات متقدمة بهدف تنويع مصادر دخلها, بالإضافة إلى الاستفادة من مصادرها من الغاز الطبيعي الذي يتم هدره بالحرق أثناء عملية إنتاج النفط. وحتى عام 1983, لم يكن بإمكان السعوديين دخول الأسواق الأوروبية وذلك لأن الأوروبيين قد فرضوا ضرائب عالية على المنتجات السعودية, وصلت من 13 إلى 19 بالمائة, بهدف حماية صناعاتهم المماثلة الأغلى أسعاراً. في مقابل ذلك, فإن السعودية لم تفرض أية ضرائب على المنتجات الأوروبية, وتوقعت أن يبادلها الأوروبيون بنفس المعاملة, ولكن دون جدوى.

 

(Mackey, 1987: 352).

[4] Amin (1976); Cardoso (1972); Frank (1967); Poulantzas

  (1974).

[5]   Aspin (1991). كما ادعى أسبن

 

 [6]    ولم يكن الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في مايو/أيار 2000 نتيجة أي ضغط من الأمم المتحدة وإنما هرباً من الضربات الموجعة التي كانت تتلقاها القوات الإسرائيلية من المقاومة اللبنانية الباسلة.

 

[7]   هويدي (1981: 706-708).

 [8]   بينما يعد الذكور من أفراد أسرة آل صباح بالمئات, فإن ذكور آل سعود يعدون بالآلاف.

[9] Bin-Sultan (1995: 217-218). 

[10] Bin-Sultan (1995: 267-68).

[11]  Dickson (1956: 115-16).

[12]   Joudah (1964: 42-47, 71-79).

[13]  Al-Yahya (1993: 6).

[14]   Joudah (1964: 69-70); Assiri (1990: 6).

[15]    Joudah (1964: 152-164).

[16]   EIU (1990: 53-54, 82).

[17]   Lienhardt (1993: 92-104).

[18]   EIU (1990).

[19]  Timmerman (1991: 397).

[20]  Hess, Markson, and Stein (1996: 347-348).

 

 

[21]    في ذلك العام, 1992, تضمن الإنفاق العسكري الأميركي مبلغ 295 بليون دولار على شكل إنفاق عسكري مباشر, و 33 بليون دولار على شكل منافع لقدامى المحاربين, و 7 بليون دولار للمساعدات العسكرية الخارجية (خاصة لإسرائيل ومصر),  و 5 بليون دولار للنفقات العسكرية لوكالة الفضاء وحرس السواحل, و 79 بليون دولار للنصيب العسكري من الفوائد المترتبة على القروض الاتحادية (Marullo, 1993: 157).

  

[22]   Hess, Markson, and Stein (1996: 347-348).

[23]  Burton (1993: 9, 31, 41, 76, 274).

 

 [24]    يشمل التكتل الصناعي~العسكري أولئك المنتفعين بصفة مباشرة أو غير مباشرة من زيادة الإنفاق العسكري. وعلى رأس هؤلاء أصحاب وعمال الصناعات العسكرية, وأنظمة الأسلحة, والمقاولين, والباحثين, وأساتذة الجامعات والصحفيين الذين يتلقون تمويلا مباشرا أو غير مباشر من الصناعات العسكرية.

[25]   Stevenson (1996: 7).

[26]  Center for Defense Information (1996).

[27]  U.S. News and World Report (January 22, 1996).

[28]   Center for Defense Information (1996).

 

 [29]   الحقيقة أن أرقام المعهد السويدي (SIPRI, 1996) هذه أقل من أرقام مركز معلومات الدفاع الأميركي (CDI) التي تصل إلى حوالي 3.4 ترليون دولار, كما هو موضح في جدول رقم 1.5.

[30]  SIPRI (1996).

[31]   SIPRI (1996).

[32]  Peres (1993: 88-89).

[33]   EIA (1997).

[34]   EIA (1997).

 

 [35]   على الرغم من أن الإحصائيات المذكورة تشمل العائدات الليبية, إلاّ أنها لا تشمل الإنفاق العسكري الليبي. كما أن الإحصائيات تذكر العائدات النفطية لأقطار الخليج العربي والإنفاق العسكري في كل من أقطار الخليج والأقطار العربية المحيطة بإسرائيل, وذلك لأن أقطار الخليج قد أسهمت في تمويل أجزاء رئيسة من الإنفاق العسكري في الأقطار العربية الأخرى.

 

 [36]   بينما تعرضت كل من مصر والعراق والأردن والكويت ولبنان والسعودية وسوريا للحروب الإقليمية, تعرضت الجزائر والسودان والصومال للحروب الأهلية. وبحلول عام 1995, أصبح العراق مديناً بحوالي 95 بليون دولار. وأصبحت مصر ثاني أكبر قطر عربي مدين (34.6 بليون دولار), ثم الجزائر (33.5 بليون دولار), فالسعودية (22.4 بليون دولار), وسوريا (22.2 بليون دولار), والمغرب (22 بليون دولار), والسودان (17 بليون دولار), وتونس (9.9 بليون دولار), والكويت (9 بليون دولار), واليمن (8.9 بليون دولار), والأردن (5.9 بليون دولار), وليبيا (4.3 بليون دولار), وقطر (3.9 بليون دولار), والإمارات (3.9 بليون دولار), ولبنان (3.2 بليون دولار), والبحرين (2.8 بليون دولار), وعمان (2.7 بليون دولار), والصومال (2.5 بليون دولار), وموريتانيا (2.3 بليون دولار), وجيبوتي (225 مليون دولار), وجزر القمر (189 مليون دولار).

أنظر جدول رقم 2.4, لمزيد من التفاصيل.

[37]  EIU (1996).

[38]  EIU (1996).

 

 [39]    في عام 1973, أرسل موظف في السفارة الأميركية في إيران برقية إلى واشنطن قال فيها: "القليل من زعماء الأكراد يدركون أن تأييدنا لهم في مقاومتهم المسلحة هدفه إبعاد العراق عن إسرائيل." وقد ورد ذلك في مقالة لوليام سافير نشرتها له النيويورك تايمز, في 12 فبراير/شباط 1976, كما ذكر إدموند غريب.

Ghareeb (1981: 144).

[40]  Yassin (1995: 37, 49-51).  

[41]  Yassin (1995: 64-65, 109, 203); Ghareeb (1981: 12).

 [42]   البراك (1989: 27-37, 63-85), غريب (1981: 12) Ghareeb

[43]   البراك (1989: 98-105).

[44]  Yassin (1995: 208-219).

 البراك (1989: 135-151)

 [45]    إقليم عربستان الذي يعرف في إيران بخوزستان تسكنه أغلبية عربية. وقد كان مركزاً لمشيخة عربية كان يحكمها الشيخ خزعل بن مرداو حتى عام 1925, عندما احتلتها إيران وضمتها إلى أراضيها. وقد كانت المحمرة (خرمشهر) مركزاً تجارياً ناجحاً لعدة قرون.

[46]   O’Ballance (1996: 94) Ghareeb (1981: 43,

  60-65);

. البراك (1989: 169-178)

[47]  Timmerman (1991: 17-19).

 

 [48]     كان أول تفاهم على الحدود العراقية~الإيرانية في شط العرب في عامي 1913 و 1914. وطبقاً لمواد ذلك التفاهم, وافقت إيران على أن تبدأ حدودها على الشاطئ الشرقي لشط العرب بطوله البالغ حوالي 120 ميلاً. وفي عام 1937, وافق العراق على تعديل الحدود المقابلة لمينائي عبدان وخرمشهر لتصبح في منتصف المجرى المائي (التالْوِك) بدلاً من الشاطئ الشرقي له. لكن إيران طالبت بتغيير الحدود مرة أخرى في عام 1975, أثناء المفاوضات على وقف مساندتها للتمرد الكردي. ووافق العراق على اعتبار أن الحدود بين البلدين هي في منتصف المجرى المائي كله, وليس فقط أمام عبدان وخرمشهر.

 

Ghareeb (1990: 26-29); U.S. Senate (1987: 7);

 الفرزلي (1982: 229-246)

 [49]   انظر كتاب إدموند غريب (1981) لمراجعة شاملة للمشكلة الكردية.

[50]  O’Ballance (1996: 123, 134-135);

 البراك (1989: 269-270)

 [51]   بينما يشير البريطانيون لجهودهم في هذا الصدد على أنها "عملية تزويد الأكراد بالراحة," يشير الأميركيون لجهودهم بأنها "عملية المطرقة الناجعة."

O’Balance (1996: 189).

 

[52]  O’Ballance (1996: 185-202).

 

 [53]   ذكر إدموند غريب (1989: 142) بأن الوفد كان برئاسة عضو الكنيست, لوبا الياف. والمرجح أنه نفس الشخص.

[54]  Ghareeb (1981: 142).

 

 [55]   في عددها الصادر في 9 نوفمبر 1987, نشرت صحيفة معاريف الإسرائيلية تقريراً عن الزيارة الأولى التي قام بها البرزاني لإسرائيل, في عام 1968. فذكرت بأن الزيارة كانت رسمية وتهدف إلى تقوية علاقات الحركة الانفصالية الكردية مع إسرائيل. ومع ذلك, فقد أمضى البرزاني بعض الوقت في طبريا بصحبة صديقه اليهودي الكردي, دافيد غاناي, الذي هاجر إلى إسرائيل في عام 1951. وقد ذكر الخواجه غانو, كما كان يناديه البرزاني, بأنه أخبر صديقه البرزاني بأن هناك شواهد على وجود الذهب في كردستان. وأضاف البرزاني بأن هناك شواهد أخرى على وجود النفط, والفضة, والنحاس, والحديد, والفحم. لكن البرزاني عقب على ذلك قائلاً "بأنه يتوجب علينا إقامة دولتنا أولاً قبل أن نتمكن من استغلال تلك المصادر."

          كذلك, فإن البرزاني قد ذهب لزيارة صديقه القديم في طبريا, حيث قضى ليلة في بيته, أثناء زيارته الثانية لإسرائيل في عام 1973. وقد جاء الأكراد الإسرائيليون للاحتفاء بالبرزاني في تلك الليلة, فرقصوا وغنوا له ولكردستان. وذكر البرزاني لصديقه دافيد في تلك الليلة أنه كان ينوي إهداء موشي دايان عقداً ذهبياً بمناسبة زواجه من راحيل, وطلب رأيه فيما إذا كان من اللائق إعطائه بعض النقود أيضاً. فرد عليه دافيد بأن ذلك غير ضروري (البراك, 1989: 290, 300-301).

 [56]  البزاز (1989: 136و 147-148), البراك (1989: 205-253).

[57]  Ghareeb (1981: 143).

 [58]   البراك (1989: 205-253).

[59]  Ghareeb (1981: 138-140).

[60]  Gareeb (1981: 140-141).

[61]   O’Ballance (1996: 93); Ghareeb (1981: 140);

البراك (1989: 205-253).

 

 [62]   وقد ندم البرزاني فيما بعد على سماعه لنصيحة الأميركيين ورفضه لقانون الحكم الذاتي الذي صدر عام 1974. فذكر بأن الوعود الأميركية هي التي أدت به إلى الوقوع في فخ الرفض, وبالتالي إلى استمرار المشكلة بدون حل. كذلك, فإن تحليلاً صادراً عن مجلس النواب الأميركي قد أرجع الهزيمة التي لحقت بقوات البرزاني بعد ذلك إلى الوعود الأميركية غير الجدية والى أسلوب الشاه المخادع.

O’Ballance (1996: 95, 1103).

[63]  O’Ballance (1996: 95-100).

[64]  Timmerman (1991: 74-76).

 

 [65]   كما ورد في رواية الفرزلي (1982: 27) عن صحيفة لوموند الفرنسية الصادرة في 19 سبتمبر/أيلول 1980.

[66]  Ghareeb (1990: 29).

 

 [67]   قامت القوات الإيرانية باحتلال الجزر العربية الثلاث في عام 1971, على إثر انسحاب القوات البريطانية من المنطقة. وبينما تمكن الإيرانيون من إقناع شيخ الشارقة من تأجير جزيرة أبو موسى لهم لمدة تسع وتسعين سنة, فإنهم لم يستطيعوا إقناع حاكم رأس الخيمة, الشيخ صقر القاسمي, بالتفاهم معهم بشأن الجزيرتين الأخريين (طنب الكبرى وطنب الصغرى). وأصدر الشيخ صقر أوامره للحامية العربية الصغيرة في طنب الكبرى بالقتال دفاعا عن الجزيرة, واستشهد جندي يمني وجرح عدة جنود عرب آخرين في المعركة القصيرة التي جرت هناك.

(تصريحات بني صدر منشورة ضمن مقابلتين نشرتا في صحيفة النهار اللبنانية الصادرة في 23 ديسمبر/كانون أول 1979, وكذلك في مجلة النهار العربي والدولي الصادرة في 24 مارس/آذار 1980, وكلاهما مذكورتان في كتاب الفرزلي, 1982: 34).

 

 [68]    خلال مقابلة أجراها معه تلفزيون الجزيرة, ضمن برنامج "زيارة خاصة" الذي تم بثه في 17 يناير/كانون ثاني 2000, أكد الرئيس الإيراني السابق أبو الحسن بني صدر أن الخميني كان يريد تأسيس دولة إسلامية كبرى تشمل إلى جانب إيران كلاً من العراق وسوريا ولبنان.

 

 [69]   الفرزلي (1982: 23-43), Ghareeb (1990: 31-32)

 [70]   فطبقاً للمادة الرابعة من الاتفاقية, فإن خرق أية مادة من مواد الاتفاقية يؤدي إلى خرق روح الاتفاقية ككل, وبالتالي يفرغها من مضمونها ويلغيها (الفرزلي, 1982: 229-246) Ghareeb (1990: 34);

 

 [71]   الفرزلي (1982: 123-133).

 [72]   أشار الرئيس الإيراني السابق, أبو الحسن بني صدر, إلى أن الاتصالات بين الخميني وريغَن قد بدأت لأول مرة في عام 1980, حتى قبل أن ينجح ريغَن في الانتخابات الرئاسية. فقد وافق الخميني مع ممثلي ريغَن~بوش على تأجيل إطلاق سراح الرهائن الأميركيين في إيران إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية. وفي المقابل, فإنه حصل على وعد ريغَن~بوش بالتعاون في مجال بيع الأسلحة الأميركية إلى إيران, عن طريق إسرائيل. (وقد تمت الإشارة إلى ذلك أثناء مقابلة أجريت مع بني صدر, ضمن برنامج "زيارة خاصة" الذي بثه تلفزيون الجزيرة في 17 يناير/كانون ثاني 2000).

[73]  Hooglund (1990: 39-58); Marr (1990: 59-74);

  Kechichian (1990: 90-110).

[74]  Ghareeb (1990: 30).

[75]  Timmerman (1991: 122-138, 141-143, 166, 174, 214).

 

 [76]   أشار مكنايت (1992: 175) إلى أن عدد الصواريخ التي أطلقت على طهران والمدن الإيرانية الأخرى كان 203, وليس 189 كما ذكر تمرمان (1991).

[77]  Timmerman (1991: 228-229, 244-245, 287-289, 293-295).

[78]  Joyner (1990: 8); Marr (1990: 59-74); Timmerman (1991:

    309-310).

[79]  Ghareeb (1990: 23).

 [80]   البزاز (1989: 233).

[81]  Timmerman (1991: 334).

[82]  Timmarman (1991: 367).

[83]  Schwarzkopf (1992).