الفصل الرابع

القومية العربية: مفهومان متصارعان

 

        خلال نهاية الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين, حققت القومية انتصاراً في معركتها الطويلة الأمد ضد الدولة المتعددة القوميات, خاصة في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي. لكنها في نفس الوقت خسرت معركتها, ولو مؤقتاً, ضد الكيانات المستقلة "للدول" العربية.[1] فطيلة القرن العشرين, حاولت الدول المتعددة الأعراق والقوميات أن توحد مواطنيها على اختلافهم من خلال مظلة الحقوق التي تمنحها الجنسية والواجبات التي تفرضها على المواطنين الذين يحملونها. وقد نجحت التجربة وتم تهميش المشاعر القومية, واستمر ذلك طيلة الوقت الذي كانت فيه تلك الدول توفر لمواطنيها حاجاتهم الاقتصادية الأساسية. ولكن الصراعات العرقية والقومية بدأت تظهر على السطح عندما أخذت اقتصاديات تلك الدول تعاني من المشكلات الخطيرة التي أدت إلى تنافس المواطنين للحصول على السلع والخدمات الأساسية التي أصبحت نادرة في المجتمع. وهذه المقولة تجد سنداً بشكل خاص في سقوط الدول الاتحادية السوفيتية واليوغسلافية والتشيكوسلوفاكية.

        وعلى الرغم من بساطة ووضوح التفسير الاقتصادي لسقوط الدول المتعددة القوميات والأعراق في شرق أوروبا, إلاّ أن بعض الباحثين يميلون لتفسيرات أخرى تركز على الصفات الأساسية للقومية. ففي حالة يوغسلافيا, مثلا, يقول أولئك الباحثون بأن الدولة اليوغسلافية قد فشلت في توحيد مواطنيها بسبب قوة الروابط القومية. فحتى عام 1989, كان هناك عدد قليل من المواطنين الذين يعتزون بانتمائهم اليوغسلافي. أما الغالبية الساحقة من المواطنين, فكانوا يؤكدون على أصولهم القومية وروابطهم العرقية, وخاصة ما يجمع بينهم كصرب أو كروات أو مسلمين بوسنويين.[2] وقد فسر ذلك التباعد عن الدولة الاتحادية بتصور المواطنين من أفراد القوميات الصغرى بأنهم عرضة للاستغلال من أفراد القومية الكبرى المسيطرة. فكان الكروات, على سبيل المثال, يعتقدون بأن الأغلبية الصربية تستنزف المصادر المالية لكرواتيا. وكما ذكر توجمان, الذي أصبح رئيسا لكرواتيا فيما بعد, فإن ذلك قد حدث نتيجة للميل الطبيعي للقوميات لأن تسيطر إحداها على الأخرى.[3] وهكذا, فإنه على الرغم من أن اليوغسلاف قد توحدوا في دولتهم المتعددة القوميات من خلال تمتعهم بجنسية واحدة, إلاّ أن غالبيتهم لم يتخلوا عن أصولهم القومية, ولم يعتبروا أن الدولة اليوغسلافية قد أصبحت بديلة في تمثيلها لهم عن قومياتهم المختلفة.

        أما التجربة العربية مع القومية, فإنها قد أسفرت عن عكس ما حدث في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي. فالأمة العربية كانت ولا تزال مجزأة ومقسمة إلى "دول" قطرية ذات سيادة. كما أن المحاولة الرسمية التي أقامتها الحكومات العربية للتجمع على أساس قومي, أي جامعة الدول العربية, كرست تلك التجزئة عن طريق الاعتراف بأن الجامعة مكونة من "دول" مستقلة لا من أقطار تمثل وحدات إدارية وجغرافية وسكانية مختلفة من نفس الأمة. وطيلة القرن العشرين, نادى القوميون العرب, وما زالوا ينادون, بتوحيد هذه الأقطار في دولة واحدة. لكن ذلك يلقى مقاومة من النخب الحاكمة التي ربما ترى في الوحدة ضياعا لحكمها وسيطرتها. ومثال على ذلك النخب الحاكمة في بعض الأقطار المصدرة للنفط, التي تستفيد من استمرار الوضع الراهن. وفي حالة أقطار الخليج, فإنها نجحت في إقامة حواجز مادية ونفسية تفصل بين مواطنيها وأشقائهم في الأقطار العربية الأخرى, كما تم بيانه في الفصل الثالث.[4] كذلك فإن "الدولة" العربية القطرية, خاصة الغنية منها, قد تمكنت من إقناع مواطنيها بأن المزايا الممنوحة لهم من خلال الجنسية القُطرية هي خير لهم من الانتماء القومي للأمة العربية. ومثال على ملاحظتنا هذه ما جرى للعلاقات العراقية~الكويتية وكيف تطورت إلى أزمة عام 1990 والحرب التي تلتها في عام 1991.

          فقد مثلت مواقف كل من العراق والكويت مفهومين مختلفين للقومية العربية. فبينما كان العراق, ولا يزال, يعبر عن آمال وطموحات الوحدويين العرب, كانت الكويت ولا تزال تعبر عن آمال وطموحات القوى المستفيدة من بقاء الدولة القطرية ذات السيادة. وهكذا, فان أزمة العلاقات العراقية~الكويتية في جوهرها هي أزمة الخلاف على رؤية ماهية القومية العربية, وبالتالي فهي أزمة العلاقات بين الوحدويين العرب وخصومهم من المدافعين عن السيادة والاستقلال الوطني, والذين يكرسون تجزئة الأمة وشرذمتها إلى "دول" ضعيفة وصغيرة تسهل على القوى العالمية الطامعة في خيراتها السيطرة عليها واحتوائها.

        يبحث هذا الفصل في عدة موضوعات متعلقة بالصراع بين الوحدويين والسياديين,[5] وذلك من خلال محاولة الإجابة على عدد من الأسئلة ذات العلاقة. وعلى وجه الخصوص, ما هي العلاقة ما بين القومية والجنسية؟ وما هو دور المستعمرين الأوروبيين في خلق الصراع العربي~العربي والحفاظ على استمراريته؟ كيف أدت الثروة النفطية إلى زيادة الهوة ما بين أغنياء العرب وفقرائهم؟ وكيف عبَّر ظهور مجلسي التعاون الخليجي والعربي عن حقيقة الانقسام والاستقطاب العربي؟ وأخيرا, كيف أثر اختلاف المفاهيم حول القومية العربية على إذكاء حدة الصراع بين المعسكرين العربيين؟

        لقد تأرجح حكام العرب, طيلة القرن العشرين, جيئة وذهاباً ما بين الوحدة والصراع وما بين التضامن الأخوي والخيانة.[6] فخلال الثمانينات من القرن العشرين, ساند كثير منهم العراق أثناء الحرب العراقية~الإيرانية, وكان حكام الكويت من ضمنهم. ولكنهم سرعان ما بدأوا في مطالبة العراق بدفع ديونه لهم بمجرد أن وضعت الحرب أوزارها. ثم زادوا ضغوطهم على العراق عن طريق زيادة إنتاجهم للنفط بشكل أسهم في تدهور أسعاره, الأمر الذي أضر بخطط الأعمار العراقية لفترة ما بعد الحرب. على السطح, ربما يبدو عجيبا أن حكام الكويت قد انتقلوا من موقف التأييد إلى موقف اللامبالاة وحتى العداء للعراق. وعلى أية حال, فإن تصرفهم ذاك قد أدى بالقطع إلى مضايقة العراقيين لدرجة التحدي التي أدت إلى غزو العراق للكويت. مع ذلك, فلم يكن الأمر بتلك البساطة. لذلك, فإن فهم ما حدث يستلزم تحليلا تاريخيا أعمق لأزمة العلاقات العراقية~الكويتية وللحرب التي أعقبتها.

        إن الصراع العراقي~الكويتي, في جوهره وأصله, يمثل صراعاً ما بين حركات التحرر الوطني والقوى الاستعمارية الأوروبية التي فتتت العالم الثالث إلى كيانات تابعة لها تسيطر عليها وتستولي على خيراتها.[7] ومنذ الخمسينات من القرن العشرين, أخذ الصراع يتحول من صراع بين العرب والأوروبيين إلى صراع مباشر بين الوحدويين والسياديين في الوطن العربي. وكانت معظم النخب الحاكمة في الأقطار العربية, ولا تزال, هي التي تقود معسكر السياديين, ويتبعها فيه أقلية من المواطنين المنتفعين بالنظام السيادي. فالحفاظ على الوضع الراهن يمكنهم من الاستمرار في التمتع بالمزايا التي تمنحهم إياها الجنسية القُطرية.

        أما الوحدويون, فإنهم يقودون المعسكر الآخر الذي يتبعهم فيه أفراد الطبقة الوسطى المتطلعون لمزيد من الحريات والفرص داخل حدود أقطارهم وخارجها, وكذلك الفقراء في بقية الأقطار العربية. فهؤلاء يعلمون أن الوحدة ستزيد من فرصهم في تحسين أحوالهم المعيشية, كما أنهم لن يخسروا شيئاً على أية حال. ولو كانت الأقطار العربية متحدة في دولة ديمقراطية واحدة, لكان التعايش والتفاعل ممكناً بين هذين المعسكرين العربيين. ففي الدول الغربية مثلاً, يتناوب الأحرار والمحافظون السيطرة على الحكومة بناء على نتائج الانتخابات التشريعية. أما الصراع العربي~العربي, فلا زال يحل باستخدام القوة نظراً لغياب دولة عربية ديمقراطية موحدة. وفي حالة الكويت بالذات, فإن بريطانيا قد تدخلت للحفاظ على الوضع الراهن فيها, في كل مرة حاول العراق تغيير ذلك, كما مر في الفصل الأول. وقد برهن ذلك التدخل البريطاني طيلة القرن العشرين على أن الصراع في جوهره هو بين القوى الاستعمارية الأوروبية وحركة التحرر القومية العربية الوحدوية. كذلك, فإن النزاعات الحدودية في شبه الجزيرة العربية تقدم مثالاً آخر على دور المستعمرين الأوروبيين في إذكاء وتصعيد الصراع العربي~العربي.

 

المنازعات الحدودية العربية

 

يمكن إرجاع المنازعات الحدودية في شبه الجزيرة العربية بصفة عامة إلى التوسع السعودي الذي حدث في القرن التاسع عشر وإلى ردود الفعل العثمانية عليه. لكن تلك المنازعات قد تعمقت فيما بعد نتيجة للمصالح الغربية المتنافسة في الوطن العربي. وعلى الرغم من التحالف السعودي~البريطاني الذي حدث في أوائل القرن العشرين, إلاّ أن مواجهة سعودية~بريطانية قد اندلعت خلال الخمسينات من القرن العشرين. وحدث ذلك عندما حاول السعوديون مد حدودهم الجنوبية الشرقية لتصل إلى واحة البوريمي, التي كانت موضع نزاع آخر بين عمان وأبو ظبي (التي أصبحت ضمن الإمارات العربية المتحدة في عام 1971). وسبب تورط البريطانيين في ذلك النزاع أنهم كانوا يحتلون ويقومون بالإدارة الاستعمارية لمشيخات الخليج العربي. وتعود المطالب السعودية بواحة البوريمي إلى عام 1933 عندما حصلت إحدى شركات النفط الأميركية (وهي ستاندرد) على امتياز نفطي يغطي منطقة الحدود الجنوبية الشرقية للملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من أن تلك المطالب قد تجددت في عام 1949, إلاّ أن القوات السعودية لم ترسل للواحة المتنازع عليها إلاّ في عام 1952. وقد رد البريطانيون على ذلك بمحاصرة تلك القوات لسبعة أشهر, حتى وافقت الحكومة السعودية على حل النزاع عن طريق التحكيم. وفي المقابل, وافقت الحكومة البريطانية على السماح لقوة شرطة سعودية مؤلفة من خمس عشرة رجلاً بالبقاء في الواحة إلى أن تتم تسوية النزاع. لكن التحكيم قد فشل, الأمر الذي أدى إلى صدامات بين الفريقين, في عام 1955, راح ضحيتها حوالي 82 من رجال القبائل الموالين للسعودية في المنطقة.

        وتصاعد التوتر بين السعودية وبريطانيا طيلة عامي 1955 و 1956. وحدث ذلك خاصة بعد العدوان الثلاثي على مصر الذي شاركت فيه بريطانيا وفرنسا وإسرائيل ابتداء من 31 أكتوبر/تشرين أول 1956, والذي نتج عنه الاحتلال البريطاني~الفرنسي لمنطقة قناة السويس والاحتلال الإسرائيلي لشبه جزيرة سيناء المصرية وقطاع غزة الفلسطيني. وكما فعلت بقية الأقطار العربية, أعلنت السعودية عن مساندتها لمصر, فقطعت علاقاتها الدبلوماسية مع بريطانيا, والتي بقيت مقطوعة حتى عام 1961. وخلال تلك الفترة, انضمت السعودية لمجموعة الحكومات القومية العربية التي كانت تعارض الوجود الاستعماري البريطاني في الوطن العربي. فقد انضمت للجهود المصرية واليمنية في مساندة الإمام غالب بن علي في تحديه لسلطان عمان, سعيد بن تيمور, الذي كان يحظى بالحماية البريطانية. كما قامت الحكومة السعودية بتمويل صفقات شراء السلاح اليمنية من الصين والاتحاد السوفيتي بهدف تحرير جنوب اليمن من الاحتلال البريطاني.       

        أما الاعتراض البريطاني على المطالب السعودية في الواحة, فكان مبنيا على الاتفاقية البريطانية~العثمانية التي وقعت في عام 1913. فقد أوضحت تلك الاتفاقية الحدود الجنوبية الشرقية لنجد على شكل خط مستقيم يبدأ في الزاخونية على الخليج العربي ويستمر رأسيا إلى داخل صحراء شبه الجزيرة العربية. وهكذا وطبقاً للحجة البريطانية, فإن الحدود السعودية تنتهي حتى قبل الوصول إلى شبه الجزيرة القطرية. أما الحكومة السعودية, فقد اعتمدت في مطالبتها بالواحة على حقيقة أنها كانت ضمن الأراضي التابعة للدولتين السعوديتين الأولى والثانية, طيلة القرن التاسع عشر. وقد دللت السعودية على ذلك بأن القبائل التي كانت تقطن المنطقة كانت تدفع الزكاة للحكام السعوديين.[8]

 

الصراع بين الوحدة والسيادة

 

        لقد كان بإمكان السعودية أن تدعم مطالبتها بواحة البوريمي باستخدام دليل أقوى من دليل جمع الزكاة من قبائل المنطقة, ألا وهو عدم شرعية الاتفاقية البريطانية~العثمانية المذكورة, والتي استخدمها البريطانيون كأساس لرسم الحدود بين مناطق نفوذهم وغيرها في شرقي شبه الجزيرة العربية. فتلك الاتفاقية لم تعد ملزمة للطرفين وأتباعهما نظراً لعدم التصديق عليها بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى. كذلك فإن هذه الحقيقة تمثل سنداً أساسياً للمطالب العراقية بالكويت, التي كانت من الناحية الإدارية جزءاً من ولاية البصرة حتى سقوط الدولة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى. وعلى نفس الأساس, فإنه بإمكان معظم الأقطار العربية المطالبة بالأقطار العربية الأخرى المجاورة لها أو بأجزاء منها. فمثلاً, انفصلت سوريا ولبنان عن بعضهما البعض عندما استقلتا عن فرنسا في نهاية الحرب العالمية الثانية, وأصبحت كل منهما "دولة" ذات سيادة. ومع ذلك, فبإمكان أي منهما المطالبة بأجزاء من الأخرى على أساس الأوضاع الإدارية التي كانت سائدة إبّان الحكم العثماني. ويمكن تطبيق نفس المبدأ على العلاقة ما بين فلسطين والأردن, وأيضاً ما بين السعودية وباقي جاراتها الخليجيات. والحقيقة أن احتمال استمرار المطالبات الحدودية العربية قائماً وليس ضرباً من الخيال. فأحياناً, تعبر تلك المطالبات عن نفسها على شكل منازعات حدودية كما هو الحال ما بين العراق والكويت, وما بين قطر والبحرين, وما بين عمان والإمارات, وما بين مصر والسودان, وما كان بين السعودية واليمن حتى توقيع اتفاقية ترسيم الحدود بينهما. وأحياناً أخرى, تعبر تلك المطالبات عن نفسها على شكل علاقات خاصة كما هو الحال ما بين سوريا ولبنان, وما بين الأردن وفلسطين.

        وعلى الرغم من أنه ليس من السهل الخروج من أزمة المنازعات الحدودية العربية, إلاّ أن خيار الوحدة لا يزال هو الحل الأفضل. فلو تمت معالجة الأزمة بالعودة للأصول المنطقية البسيطة, لتم الوصول إلى حلول عملية صحيحة لها. فالعرب أمة واحدة, كما تقول دساتيرهم وأعرافهم. وإذا كان الحال كذلك, فينبغي أن يكون للمواطنين العرب الحق في السفر إلى أي قطر عربي والإقامة والعمل فيه, دون قيود. وهذا يعني أن الأوضاع الحالية لتلك الأقطار (أي انفصالها عن بعضها البعض) غير منطقية وينبغي ألا تكون مقبولة, لأنها في المقام الأول من صنع القوى الاستعمارية الأوروبية التي فرضتها على العرب في بداية القرن العشرين. وبهذا المنظور, تصبح الثروة النفطية والمناطق المتنازع عليها ملكاً للأمة العربية ككل, وليست ملكاً لقطر ما أو لتجمع إقليمي بعينه. وبتحديد أكثر, فإن السيطرة البريطانية على الكويت في السابق, والسيطرة البريطانية~الأميركية على الكويت والخليج العربي منذ عام 1991, ما هي إلاّ حرمان للأمة العربية ككل من حقها في ثروتها النفطية.[9] ففي ظل التشرذم العربي الحالي واحتفاظ الأقطار العربية المصدرة للنفط بعائداتها لنفسها فقط, فإن الثروة النفطية يتم هدرها على التسليح والمنازعات الحدودية التي تضر بالأمة العربية ولا تنفعها. كما أن فائض العائدات النفطية يتم إيداعه في المصارف الغربية بدلاً من استثماره في مشاريع التنمية الإنتاجية في الوطن العربي, والتي يمكن أن تقرب الهوة بين أغنياء العرب وفقرائهم, وبالتالي تعجل بيوم وحدتهم.

        ومهما قيل عن الوحدة العربية, فستبقى أمل العرب جميعاً, فقرائهم وأغنيائهم, في حياة أفضل. فالعالم يتحرك نحو التجمعات والكتل السياسية والاقتصادية التي توفر حرية الحركة لرأس المال وللعمال على حد سواء, وبالتالي تخلق ظروفاً أفضل للإنتاج والاستهلاك والمنافسة العالمية. والحقيقة أن أغنياء العرب بحاجة للوحدة العربية قبل فقرائهم. ففي غياب الوحدة العربية, تعرضت الأقطار الخليجية للمنازعات والحروب وعدم الاستقرار وأخيراً الاحتلال الغربي للخليج العربي. أما الأقطار العربية الفقيرة, فقد أصبحت عرضة للابتزاز الغربي الذي جعلها تابعة للأسواق والسياسات الغربية نظير مبالغ زهيدة من المساعدات. وأهم من ذلك كله أن إسرائيل أصبحت هي المستفيد الأول من غياب الوحدة العربية, فأذلت الأقطار العربية المحيطة بها لأكثر من نصف قرن, واحتلت أراضيها, ولم تنسحب من بعضها إلاّ بعد أن كبلتها باتفاقيات أخرجتها من الصراع قبل إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية وقبل الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة. لذلك كله, لن تتوقف المحاولات الوحدوية العربية على الرغم من الإخفاق الكبير الذي صاحب معظم المحاولات السابقة.

        وعلى الأرجح, فإن عرب القرن الحادي والعشرين سيكملون ما بدأه عرب النصف الثاني من القرن العشرين. صحيح أن محاولتين وحدويتين اثنتين فقط قد تحققتا, لكن كثرة المحاولات الوحدوية تدل على تأصل فكرة الوحدة والرغبة في تحقيقها عند العرب. وقد تحققت المحاولة الأولى بين مصر وسوريا, ودامت من عام 1958 إلى عام 1961. أما المحاولة الثانية, فكانت بين شطري اليمن, وقد تحققت في عام 1990 ولا تزال شامخة بعد أن اجتازت اختبار الحرب الأهلية في منتصف التسعينات.   

        وقد كان هناك عدد كبير من المحاولات الوحدوية التي لم تنجح. فقد سبقت الوحدة السورية~المصرية في عام 1958 محاولة لتوحيد مصر وسوريا والسعودية واليمن. وبعد الوحدة السورية~المصرية, كانت هناك محاولة لتوحيد الأردن والعراق. وبعد الانفصال السوري في عام 1961, دخلت مصر وسوريا والعراق في مباحثات طويلة لتوحيد الأقطار الثلاثة.[10] وفي عام 1971, أعلن قيام اتحاد الجمهوريات العربية الذي ضم مصر وسوريا والسودان وليبيا, كما جرت محاولات لتوحيد ليبيا وتونس في بداية السبعينات. وقد حقق المغرب وحدة مع الصحراء الغربية, على الرغم من بعض المعارضة المحلية. وأخيراً, وبعد انتهاء الحرب العراقية~الإيرانية, تأسس مجلس التعاون العربي الذي ضم كلاً من العراق والأردن ومصر واليمن. وإن دلت تلك المحاولات على شيء, على الرغم من فشلها, فإنما تدل على تعلق العرب بمبدأ الوحدة. لكنها تدل أيضا على أنهم لم يتوصلوا بعد للشكل المقبول والمضمون والقوي للوحدة التي ينشدون. وتكمن العقبة الكأداء على ما يبدو في رغبة النخب العربية الحاكمة في البقاء في الحكم, الأمر الذي يتعارض منطقياً مع مفهوم الوحدة. والحل لهذه المعضلة أن يتمتع كل قطر عربي بحكم ذاتي في إطار الاتحاد العربي (بشكل يشبه نظام الاتحاد الأميركي أو الاتحاد الأوروبي), مع بقاء الأسر الحاكمة كرمز للحكم المحلي. ولا يمكن أن يكتب النجاح لمثل هذه التجربة إلاّ إذا كانت مبنية على أساس ديمقراطي. فينبغي أن يتمتع المواطنون العرب بنفس الحريات الديمقراطية الموجودة في معظم أنحاء العالم, خاصة حريات التعبير والتجمع السياسي ومراقبة وتغيير الحكومة بالانتخابات المباشرة. وبالطبع لا ينبغي تأخير الديمقراطية حتى تحدث الوحدة ولا العكس أيضاً, ولكن الديمقراطية أكثر إلحاحاً وربما تقود للوحدة بشكل أسرع. وحتى يحدث ذلك, فإن الحال الآن في بداية القرن الحادي والعشرين يظهر أن السياديين في أوج قوتهم وسطوتهم في الوطن العربي, وأن الوحدويين في مرحلة انحسار وانكسار.    

        وعلى الرغم من أن المجموعتين موجودتان في كل قطر عربي, إلاّ أن غالبية الأقطار العربية قد وقعت تحت سيطرة مجموعة أو أخرى منهما لعقود طويلة. وقد مثلت الأقطار الستة الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي مركز السياديين في التسعينات من القرن العشرين. والعجيب أن حكومات تلك الأقطار تسعى لتحقيق مستوى معين من الوحدة فيما بينها, ولكنها كمجموعة تسير بسرعة نحو الابتعاد عن بقية الأقطار العربية. وقد تعلق حكام أقطار الخليج العربي بالسيادة والاستقلال إلى حد إضافة بعضهم كلمة "دولة" للاسم الرسمي للبلاد, كما هو الحال في الكويت والبحرين وقطر والإمارات.  

        ومن بين بقية الأقطار العربية, كانت مصر والعراق وسوريا وليبيا واليمن تمثل أنشطها وحدويا في معظم النصف الثاني من القرن العشرين. وقد غيرت بعض الحكومات من نشاطاتها الوحدوية من عقد إلى آخر. فمثلا, لعبت مصر دوراً وحدوياً ريادياً خلال الخمسينات والستينات, ولكنها أصبحت أقل نشاطاً بعد ذلك. وقد لعبت السعودية دوراً وحدوياً هاما خلال الخمسينات, ولكنها أصبحت تقود المعسكر السيادي منذ إنشاء مجلس التعاون الخليجي في عام 1981. ففي الخمسينات, دخل الملك سعود في اتفاقات ومحاولات وحدوية مع مصر وسوريا واليمن. وقبل ذلك, قام الملك عبد العزيز بتأسيس المملكة العربية السعودية عن طريق توحيد المناطق المختلفة في شبه الجزيرة العربية, فيما بين عامي 1901 و 1932.

        وقد أجريت بعض الدراسات التي تهدف إلى معرفة ما يشعر به العرب تجاه مفهومي "الدولة" القُطرية والأمة.[11] وكان المشتركون في هذه الدراسات طلاباً من مختلف الأقطار العربية, على اعتبار أن الطلاب يمثلون ضمير الأمة. ويوضح الجدول رقم 1.4 أن طلاب الجامعة الأميركية في بيروت وطلاب جامعة شمال شرق الولايات المتحدة قد عبروا عن ارتباطهم القوي بفكرة القومية العربية. أما طلاب جامعة الكويت, فقد عبروا عن ميلهم للدين أكثر من ميلهم للانتماء القومي. وبالنسبة للطلاب الخليجيين الدارسين في جامعة الكويت, فقد كانوا ضد فكرة توحيد الأقطار العربية. ولكن, نظراً لأن نسبة الخليجيين لا تتعدى 5 بالمائة من العرب,[12] فإن آراءهم لم تكن بتلك الأهمية الإحصائية في دراسات أخرى أكبر. فقد أجرى سعد الدين إبراهيم دراسة شاملة في الأعوام 1977 و 1978 و 1979 عن مواقف المواطنين العرب من قضية الوحدة العربية. وشملت الدراسة 5,557 مواطنا من عشرة أقطار عربية هي المغرب وتونس ومصر والسودان والأردن ولبنان والكويت وقطر واليمن وفلسطين. وقد طالبت أغلبية المشتركين في الدراسة بمستوى أعلى من التعاون بين الأقطار العربية يتجاوز الترتيبات التي توفرها الجامعة العربية. كما طالب المشتركون أيضاً بتوحيد الأقطار العربية إما اندماجياً أو اتحادياً. وكان الفلاحون والعمال والطلاب من بينهم أكثر تحمساً من المثقفين لإمكانية تحقيق الوحدة العربية.[13]

        وهكذا, يمكن لانقسام العرب إلى وحدويين وسياديين أن يساعد في إلقاء الضوء على إحدى جوانب الأزمة العراقية~الكويتية, والتي أدت إلى حرب الخليج في عام 1991. فبينما تنتمي الكويت لمعسكر السياديين, يقوم العراق بقيادة المعسكر الوحدوي. وعلى ذلك, وجدت القطران نفسيهما على طريق الصدام منذ أوائل القرن العشرين. فبينما وجد حكام الكويت أن خلاصهم يكمن في استقلالهم بدولة تحت الحماية البريطانية, لم يتوقف العراقيون طيلة ذلك القرن عن محاولاتهم لاستعادة الكويت.[14] لكن بريطانيا كانت هناك دائماً لمنع ذلك من الحدوث, وكانت في ذلك وحدها أولاً ثم ما لبثت أن جرَّت معها قوى أخرى إقليمية وعالمية.

 

الاستعمار البريطاني[15]

 

        لم تكتف بريطانيا بفصل الكويت عن العراق, ولكنها قامت أيضاً بغزو العراق واحتلاله لعدة عقود من الزمان. وقد بدأ الغزو البريطاني للعراق مع بداية الحرب العالمية الأولي, في عام 1914, واكتمل مع نهايتها في عام 1918. وقام شيخ الكويت, مبارك الصباح, بمساندة المجهود الحربي البريطاني أثناء الحرب. فهاجم المواقع العراقية في صفوان وأم قصر وجزيرة بوبيان والبصرة نفسها.[16] وبعد أن تمكن البريطانيون من السيطرة على العراق, أحضروا الملك فيصل بن الحسين الذي خلعه الفرنسيون عن عرش سوريا في عام 1920, ورتبوا له ليصبح أول ملك للعراق في عام 1921. وفي عام 1932, سمح البريطانيون للعراق بأن يصبح "دولة" ذات سيادة وينضم لعصبة الأمم. وعندما توفي الملك فيصل في عام 1932, خلفه ابنه غازي, الذي كان ملكاً شاباً وقومياً عربياً متحمسا. وكان غازي يدرك خطورة السيطرة الاستعمارية البريطانية على المنطقة العربية. لذلك, فإنه لم يتوان عن مهاجمة السياسات البريطانية. كذلك فإنه قد شن حملة إعلامية مستمرة ضد حاكم الكويت, الشيخ أحمد الجابر, الذي كان يتمتع بالحماية البريطانية. كما أن الملك غازي كان دائم الدعوة لتوحيد الكويت مع العراق. وهكذا, فإنه كان يشكل مشكلة للمستعمرين البريطانيين في المنطقة, وأدى ذلك لزيادة شعبيته لدرجة أنه عندما علم العراقيون بمقتله في حادث سيارة, في نفس العام, داخلهم الشك بأن البريطانيين قد تآمروا عليه وتسببوا في قتله. فاجتاحت البلاد مظاهرات غاضبة وقتل القنصل البريطاني في الموصل أثناء واحدة منها. وأصبح ابن غازي, فيصل الثاني, ملكاً على العراق. وقد وضع  تحت وصاية الأمير عبد الإله لأنه كان لا زال في الثالثة من عمره. واتبع عبد الإله سياسة موالية للبريطانيين. فقام بتعيين نوري السعيد, الذي كان مواليا لهم أيضا, رئيسا للوزراء. وأثار ذلك غضب القوميين العرب الذين استمروا في ضغطهم على نوري السعيد حتى استقال من منصبه. وفي عام 1940, قام زعيم القوميين, رشيد علي الكيلاني, بتشكيل الوزارة. وكانت باكورة أعمال الكيلاني رفضه مساندة البريطانيين في حربهم ضد المحور. ورد البريطانيون بإعادة غزو واحتلال العراق, وتم لهم السيطرة على مقاومة حركة الكيلاني في مايو/أيار من عام 1941. وغادر الكيلاني البلاد إلى ألمانيا, التي كانت ملجأ للمناضلين العرب المطاردين من قبل البريطانيين وعلى رأسهم الحاج أمين الحسيني. وعلى اثر ذلك, أعاد البريطانيون نوري السعيد إلى الحكم من جديد.[17] واستمر النفوذ البريطاني في العراق حتى ثورة 14 يوليو/تموز 1958 التي أنهت الحكم الملكي.

      وقد سعت حكومة الثورة إلى انتهاج سياسة مستقلة عن بريطانيا. فخلال عام  واحد, أي في عام 1959, انسحب العراق من كتلة الإسترليني ومن منظمة المعاهدة المركزية (السنتو), التي كانت حلفاً إقليمياً موالياً لبريطانيا يضم العراق وتركيا وإيران وباكستان. وفي عام 1961, قام الرئيس عبد الكريم قاسم بتحريك الجيش العراقي لاستعادة الكويت على أثر انسحاب القوات البريطانية منها. لكن محاولته لم تنجح بسبب التدخل البريطاني الذي تعزز بوقوف الجامعة العربية ضد المحاولة العراقية. وفي الثامن من فبراير/شباط 1963, تمت الإطاحة بعبد الكريم قاسم, وأصبح عبد السلام عارف رئيساً للجمهورية وأحمد حسن البكر رئيساً للوزراء. وعندما قتل عبد السلام عارف بحادثة طائرة مروحية, تولى رئاسة الجمهورية أخاه عبد الرحمن عارف الذي بقي في الحكم حتى 17 يوليو/تموز من عام 1968. ثم تولى البكر رئاسة الجمهورية وأصبح صدام حسين نائباً له حتى عام 1979, عندما استقال البكر وأصبح صدام حسين رئيساً للجمهورية.

        وقد أظهرت معظم الحكومات الجمهورية في العراق ثباتاً في انتهاج سياساتها القومية العربية. فخلال الستينات كان هناك نشاطٌ عراقيٌ في متابعة محاولة الوحدة مع مصر وسوريا. وفي الأول من يونيو/حزيران 1972, قامت الحكومة العراقية بتأميم شركة نفط العراق, وهي الخطوة التي حذت حذوها أقطار عربية أخرى مصدرة للنفط. وكانت تلك الشركة تعرف أولاً بشركة البترول التركية, التي منحت امتيازاً لمدة خمسة وعشرين عاماً ابتداء من عام 1925. وفي عام 1952, تم التوصل إلى اتفاقية تزيد من الإنتاج وتعطي للعراق نصف الأرباح. وقد حدث ذلك على إثر تأميم حكومة مصدق للصناعة النفطية في إيران, في عام 1951. وعندما قامت ثورة 1958, دخلت الحكومة العراقية في مفاوضات مع شركات النفط العاملة في العراق من أجل زيادة عائداتها النفطية. لكن شركات النفط لم تكن مستعدة لذلك, فراوحت المفاوضات في مكانها. عندها, أصدرت الحكومة العراقية مرسوماً استعادت بموجبه 99.5 بالمائة من مناطق الامتياز التي كانت ممنوحة لشركات النفط. وقد أدى ذلك إلى قيام جماعات الضغط التي تمثل شركات النفط بوصف العراق بأنه ينتهج سياسات معادية للغرب, خاصة بالمقارنة مع الأقطار العربية الأخرى المصدرة للنفط.

        واستمرت شركات النفط, في المنطقة العربية ككل, في جني مبالغ هائلة من الأرباح التي وصلت إلى حوالي 1115 بالمائة من تكاليف الإنتاج, حتى السبعينات من القرن العشرين. وقد ساهمت ثلاثة عوامل رئيسة في تمتع تلك الشركات بذلك الثراء الفاحش. فأولاً, كانت الامتيازات النفطية الغربية تشمل أضخم حقول للنفط في العالم, وهي برقان في الكويت, وغوار في السعودية, وكركوك في العراق. ثانياً, كانت تكاليف إنتاج النفط العربي (ولا تزال) هي الأقل بالمقارنة مع باقي أنحاء العالم. فأكثر من 90 بالمائة من النفط العربي يتدفق بالضغط الذاتي دون حاجة للضخ. ويتيح ذلك للبئر المتوسط من النفط العربي أن ينتج حوالي خمسة آلاف برميل يومياً, بالمقارنة مع 12 برميل ينتجها البئر في الولايات المتحدة, و80 برميل في روسيا, و 300 برميل في فنزويلا. ثالثاً, سمحت اتفاقات الامتيازات لشركات النفط الغربية أن تحصل على ثلاثة أمثال ما تحصل عليه الأقطار العربية المنتجة من الأرباح. وبينما وصلت الأرباح السنوية لتلك الشركات حوالي 91.8 بليون دولار, كانت العائدات النفطية العربية لا تتجاوز 35.8 بليون دولار, خلال السبعينات من القرن العشرين.[18]

 

الثروة النفطية تعمق الهوة

 

        شهد مطلع القرن العشرين قيام الزعماء العرب المتنافسين بالتحالف إما مع العثمانيين أو مع البريطانيين. وقد تصاعد ذلك التنافس والصراع العربي~العربي الذي تبعه نتيجة لتنافس القوى الاستعمارية الدولية على الامتيازات النفطية. وخلال الفترة الممتدة ما بين الحرب العالمية الثانية وعام 1973, تزايدت العائدات النفطية ببطء ولكن باضطراد مما جعل الأقطار العربية المصدرة للنفط أفضل حالاً من بقية شقيقاتها. وقد أدت حرب أكتوبر/تشرين أول 1973 والحظر النفطي العربي الذي تلاها إلى زيادة ضخمة في أسعار النفط. لكن ذلك قد ساهم في تعميق الهوة بين المجموعتين المختلفتين من الأقطار العربية, وبشكل كبير.

        وقد تأسست منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) في عام 1960 في بغداد, بعضوية كل من العراق وإيران والكويت والسعودية وفنزويلا. وعلى الرغم من ذلك, بقيت أسعار النفط لا تتعدى دولارين للبرميل الواحد حتى عام 1973. وقد نتج عن الحظر النفطي, الذي استمر حتى أوائل عام 1974, زيادة سريعة في أسعار النفط وصلت إلى 12.60 دولار للبرميل الواحد في عام 1974, و 29.63 دولار للبرميل في عام 1979, و 33.94 دولار للبرميل في عام 1980.[19] ونتج عن ذلك أن العائدات النفطية للأقطار العربية المصدرة للنفط قد زادت من حوالي 4.5 بليون دولار في عام 1970 إلى حوالي 12.5 بليون دولار في عام 1973. ثم قفزت تلك العائدات إلى حوالي 51.5 بليون دولار في عام 1974, واستمرت في الزيادة حتى وصلت إلى 205.4 بليون دولار في عام 1980. بعد ذلك, بدأت أسعار النفط في التناقص متسببة في تراجع العائدات أيضا حتى وصلت إلى 186.7 بليون دولار في عام 1981 و135 بليون دولار في عام 1982, واستمرت في تراجعها حتى وصلت إلى حوالي 60 بليون دولار فقط في عام 1988. ولكن ابتداء من عام 1989, عادت أسعار النفط للارتفاع, فارتفعت معها العائدات لتصل إلى حوالي 95 بليون دولار في عام 1996, كما يتضح من الجدول رقم 1.1. واستمر الارتفاع في أسعار النفط حتى تراوح ما بين 25 إلى 30 دولار للبرميل في عام 2000.

        وقد وصلت العائدات النفطية العربية إلى حوالي 1.956 ترليون دولار في الفترة الواقعة ما بين عامي 1974 و 1996.[20] وبالنظر إلى استئثار الأقطار المصدرة للنفط بالثروة النفطية, انقسمت الأقطار العربية عموماً إلى مجموعتين. أصبحت المجموعة الأولى أكثر غنى مع أنها أقل سكانا, وأصبحت المجموعة الثانية, الأكثر سكاناً, غارقة في الديون للدائنين العالميين. واستمرت الهوة بين المجموعتين في الاتساع منذ ذلك الحين, خاصة بسبب غياب التكامل بينهما. وبينما كانت الأقطار الغنية تحقق فائضاً مالياً طيلة السبعينات ومعظم الثمانينات, فإن بقية الأقطار العربية قد راكمت ديوناً خارجية وصلت إلى حوالي 61.6 بليون دولار في عام 1980, وحوالي 120 بليون دولار في عام 1995 (كما يوضح الجدول رقم 2.4).

        وبدلاً من تقديم المساعدات الحقيقية للأقطار الشقيقة, عن طريق استثمار فوائضها المالية في الوطن العربي, أخذت معظم الأقطار الغنية تستثمر أموالها في المجتمعات المتقدمة, خاصة في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية واليابان. وعلى الأخص, حظيت الولايات المتحدة وبريطانيا بنصف الاستثمارات العربية في الخارج. وبحلول عام 1980, وصلت الاستثمارات العربية في الولايات المتحدة إلى حوالي مائة بليون دولار من السعودية, و55 بليون دولار من الكويت, و40 بليون دولار من الإمارات. واستمرت فوائض العائدات النفطية العربية بالتدفق على الغرب طيلة الثمانينات والتسعينات حتى وصلت إلى حوالي ثمانمائة بليون دولار في عام 1998.[21]

        وقد وصلت الفوائد التي حصلت عليها الأقطار العربية الغنية من استثماراتها بالخارج إلى حوالي 27.1 بليون دولار في عام 1980. ولو كانت لديها الإرادة لمساعدة شقيقاتها من الأقطار العربية الفقيرة, لكان بإمكانها سداد الديون العربية الخارجية من أرباح استثماراتها. لكن تلك الديون أخذت في التضخم لدرجة أن دفع فوائدها فقط قد أصبح حملاً ثقيلاً لا يحتمل. ففي عام 1979, استعملت الجزائر والمغرب ومصر حوالي 25.6 بالمائة و21 بالمائة و 15.8 بالمائة من صادراتها, على التوالي, لخدمة ديونها الخارجية, أي لدفع فوائد الديون فقط.

        وكانت معدلات الفائدة على تلك الديون عالية جداً لدرجة أن مصر قد استخدمت حوالي 36 بالمائة من القروض التي حصلت عليها لدفعها. وعلى سبيل المثال, فان البنك الدولي قد منح مصر قروضاً وصلت إلى حوالي 1.4 بليون دولار في مدة عشر سنوات. لكن مصر لم تتمكن من الاستفادة إلاّ من 400 مليون دولار فقط. أما الألف مليون الأخرى, فإنها قد دفعت كفوائد لتلك القروض. وبينما بلغ أحد تلك القروض حوالي 3.5 مليون دولار, بلغت الفوائد المدفوعة عليه حوالي 12 مليون دولار. وبلغ قرض آخر حوالي 4.5 مليون دولار, كما بلغت الفوائد المدفوعة عليه حوالي 12 مليون دولار أيضاً. وفي عام 1976, أتمت مصر سداد قرض للبنك الدولي كانت قيمته 4.5 مليون دولار, استعمل في بناء نظام للمجاري, وذلك بعد أن دفعت فوائد قدرها حوالي 11 مليون دولار على ذلك القرض.

        وفي عام 1970, أي قبل أن تنفتح مصر على الغرب, كان الدين المصري لا يزيد على 600 مليون دولار. لكن الديون المصرية الخارجية قد وصلت إلى حوالي 16 بليون دولار في عام 1980, أي خلال عشر سنوات فقط. وقد وصل إجمالي الفوائد المدفوعة على تلك الديون حوالي بليون دولار سنوياً. والحقيقية أن ثلثي ما كانت تدفعه مصر كان يذهب خدمة للديون, والثلث الأخير فقط كان يستعمل في سداد الدين الأصلي. وبعبارة أخرى, ذهبت جميع عائدات تصدير النفط المصري لتسديد الفوائد, كما ذهبت جميع عائدات تصدير القطن المصري لتسديد الديون الأصلية.[22] وبحلول عام 1995, وصلت الديون الخارجية إلى حوالي 34.6 بليون دولار على مصر, وإلى حوالي 22 بليون دولار على المغرب, وإلى حوالي 17 بليون دولار على السودان, وإلى حوالي 22.2 على سوريا, وإلى حوالي 8.9 بليون دولار على اليمن (كما هو موضح في الجدول رقم 2.4).[23]

        وقد قدمت الأقطار العربية المصدرة للنفط مساعدات تنموية لبلدان العالم الثالث, وصلت في مجموعها إلى حوالي 5.6 بليون دولار في عام 1975, و 5.1 بليون دولار في عام 1976, و5.9 بليون دولار في عام 1977, و 7.8 بليون دولار في عام 1978, و 7.6 بليون دولار في عام 1979, و 8.9 بليون دولار في عام 1980, و 8.4 بليون دولار في عام 1981, و 5.8 بليون دولار في عام 1982, و 5.1 بليون دولار في عام 1983.[24] لكن مساعداتها للأقطار العربية الفقيرة كانت بالكاد تصل للمواطن العربي العادي. ومجمل القول أن الثروة النفطية العربية الضخمة التي أصبحت ممكنة نتيجة لحرب أكتوبر/تشرين أول 1973 لم تستخدم لمنفعة الأمة العربية ككل. والحقيقة أنها قد أسهمت في تغريب معظم العرب وإبعادهم عن أشقائهم الأغنياء الذين استأثروا بها.

        وبالإضافة إلى المساعدات القليلة التي قدمتها الأقطار العربية الغنية لشقيقاتها الفقيرة, فإنها مارست أشكالاً متنوعة من التمييز ضد المواطنين العرب الذين هاجروا إليها. والحقيقة أن المهاجرين العرب وغيرهم قد شكلوا نسباً عالية من العاملين في تلك الأقطار. ففي عام 1975, كانت نسبة المهاجرين إلى إجمالي العاملين حوالي 86 بالمائة في الإمارات, و 74 بالمائة في قطر, و 70 بالمائة في الكويت, و 42 بالمائة في ليبيا,  و 35 بالمائة في السعودية, و 23 بالمائة في البحرين.[25] وقد تناقصت نسبة المهاجرين في بعض الأقطار الخليجية, في الثمانينات. ومع ذلك, استمروا يشكلون غالبية العاملين في الإمارات (75.4 بالمائة) في عام 1984, وفي الكويت (59.8 بالمائة) في عام 1985. كما شكلوا 34.8 بالمائة من العاملين في البحرين, في عام 1984.[26]

        وعلى الرغم من أن الغالبية الساحقة من المهاجرين جاءوا للاستقرار في تلك الأقطار, إلاّ الحكومات المعنية لم تتعامل بجدية مع قضية تجنيسهم. والعجيب أن معظم الأقطار العربية, بما في ذلك الخليجية منها, لديها من قوانين الهجرة ما يمكن المهاجرين, من الناحية الرسمية, الحصول على جنسياتها بعد مكوثهم بها لزمن معين. أما من حيث التطبيق, فان معظم الحكومات العربية تتجاهل تلك القوانين, كإثبات على تكريسها للتجزئة وإمعاناً في تمزيق الأمة. فمثلاً, من الناحية القانونية, يصبح المهاجرون العرب مؤهلين للحصول على الجنسية إذا مكثوا أربع سنوات في الأردن, وخمس سنوات في سوريا ولبنان, وعشر سنوات في مصر والعراق والإمارات, وخمس عشرة سنة في البحرين والكويت. وتمثل اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية مثالاً آخر على عدم تطبيق الحكومات العربية للقوانين التي تصدرها والاتفاقيات التي توقعها, خاصة فيما بينها. فقد صدرت تلك الاتفاقية عن المجلس الاقتصادي التابع للجامعة العربية, في عام 1957. وأقرت الاتفاقية مبدأ حرية الحركة والتنقل بين الأقطار الموقعة عليها. ومع ذلك, لم يصادق على الاتفاقية سوى عدد قليل من الأقطار التي وقعت عليها.[27]

        ولو أصبح متاحاً للمواطن العربي أن يتنقل ويقيم ويعمل بحرية وبدون تمييز في أي جزء من الوطن العربي, لقلت أهمية الحصول على الجنسية أو الإقامة الدائمة, وبالتالي لزال عائق هام من طريق الوحدة العربية. فقد أدت القيود الكثيرة المفروضة على سفر وتنقل وعمل المواطنين العرب في أجزاء وطنهم المختلفة إلى قيام الكثيرين منهم, خاصة المتعلمين والحرفيين المهرة, بالهجرة إلى أوروبا وأميركا وأستراليا حيث تمنح لهم الجنسية وتتم مساواتهم مع المواطنين. وهكذا تخسر الأمة العربية خيرة شبابها لأمم أخرى مع أنها في أمس الحاجة لهم ولمهاراتهم. ففي عام 1975, وصل عدد المهاجرين العرب من ذوي الكفاءات العالية في المجتمعات الغربية إلى حوالي 24,000 طبيب, و 17,000 مهندس, و 7,000 من علماء الطبيعيات, وحتى حوالي 200 من المتخصصين في الطبيعة الذرية.[28] واستمرت هجرة الشباب العربي طيلة الثمانينات بل وزادت في التسعينات, خاصة بعد الحرب. وانه لأمر محزن ومؤسف أن الأقطار العربية الغنية لا تقوم بتشجيع هجرة الشباب العربي إليها بينما تقوم بذلك المجتمعات الأخرى. ويمكن أن نخلص إلى القول بأن التمييز والقيود المفروضة على المهاجرين العرب وحرمانهم من حقوق الجنسية والإقامة الدائمة في الأقطار العربية التي هاجروا إليها قد أسهم في توسيع الهوة بين الأقطار الغنية والأقطار الفقيرة في الوطن العربي.

مجلس التعاون الخليجي

   

        وإدراكا منها لوجود هذه الهوة, شعرت الأقطار الخليجية الست (الكويت والبحرين وقطر والإمارات وعمان والسعودية) بحاجتها للتجمع معاً بهدف إنشاء كيان يميزها عن بقية الأقطار العربية. وكانت المحاولة الأولى لذلك التجمع على شكل مبادرة كويتية في عام 1976. لكن أول مؤتمر قمة خليجي قد انعقد في مايو/أيار من عام 1981, معلناً تأسيس "مجلس التعاون لدول الخليج العربية," والذي أصبح معروفا أكثر فيما بعد "بمجلس التعاون الخليجي." واختيرت الرياض مقراً للمجلس, في إشارة إلى مكان الصدارة الذي تحتله السعودية داخل المجموعة. كما وقع الاختيار على سفير الكويت السابق في الأمم المتحدة, عبد الله يعقوب بشاره, ليكون أول أمين عام للمجلس. وكان تعيينه يدل على مكانة الكويت الثانية في المجلس, بعد السعودية, كما كان اعترافاً بالجهود الكويتية في تأسيسه.[29]

          وقد ناقش المؤتمر مبادرتين تتعلقان بهويته. كانت المبادرة الأولى التي قدمتها عُمان تؤكد على تميز واختلاف "دول" المجلس عن باقي الأقطار العربية. لذلك, فإنها دعت المجلس للتوجه للغرب من أجل الحصول على الأمن والحماية من الأخطار الإقليمية (إيران) والدولية (الاتحاد السوفيتي). وأشارت إلى الثورة الإيرانية والتدخل السوفيتي في أفغانستان على أنهما سببان يدعوان لتبني وجهة النظر العُمانية.

        أما المبادرة الكويتية, فقد أكدت على أن أمن الخليج ينبغي ألا يكون منفصلا عن الأمن القومي العربي. ولذلك, اقترحت الكويت بأن تستمر "دول" المجلس في انتهاج سياسة عدم الانحياز إزاء القوتين العظميين في العالم آنذاك, الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. وهكذا, فإن المبادرة الكويتية قد رفضت الإطار السياسي الذي طرحته المبادرة العُمانية للمجلس. وبدلاً من ذلك, دعت الكويت إلى تعاون "دول" المجلس في الميادين الاقتصادية والمالية والتجارية والاجتماعية. وكانت النتيجة أن تبنى المجلس المبادرة الكويتية, ودعا إلى إبقاء منطقة الخليج العربي بعيدة عن الصراعات الدولية. كما طالب المجلس القوى الدولية أن تبقي أساطيلها بعيدة عن الخليج. كذلك, فإن المجلس قد أكد على هويته العربية بالتعبير عن مساندته للبنانيين والسوريين والفلسطينيين في كفاحهم لتحرير المناطق العربية المحتلة من الاحتلال العسكري الإسرائيلي.[30]

        على الرغم من الحماس الكويتي لإنشاء الكيان الخليجي, إلاّ أن الكويتيين ربما أرادوا بموقفهم المختلف عن الموقف العُماني أن يوصلوا رسالة للعرب عامة, وللمصريين والفلسطينيين بشكل خاص. فلم يكن بمقدورهم تجاهل قدرة مصر على التدخل في شبه الجزيرة العربية, بشكل أفادت منه الكويت. ففي النصف الأول من القرن التاسع عشر, أدت حملات محمد علي إلى وقف الهجمات السعودية على الكويت. وفي عام 1961, شاركت مصر في قوات الجامعة العربية التي حلت محل القوات البريطانية لمنع العراق من استعادة الكويت. وبالنسبة للفلسطينيين الذين كانوا يشكلون أكبر جالية للمهاجرين في الكويت, ربما أراد الكويتيون طمأنتهم إلى أن الكويت ستستمر في مساندتها للقضية الفلسطينية. وبالرغم من ذلك, فإن تلك المحاولة الكويتية لم تكن كافية للتقليل من خيبة أمل الأقطار العربية الأخرى, التي كان العديد منها يأمل في تطوير الجامعة العربية لتصل إلى مستوى أعلى من الوحدة العربية. لذلك, نظرت تلك المجموعة من الأقطار العربية إلى مجلس التعاون الخليجي على أنه خطوة إلى الوراء, وأنه يكرس التجزئة ويزيد في تقطيع أوصال الأمة العربية. لذلك, ارتأت حكومات بعض تلك الأقطار أن تتجمع هي الأخرى معاً فيما عرف بعد ذلك بمجلس التعاون العربي.      

مجلس التعاون العربي

       عندما تأسس مجلس التعاون الخليجي مقتصراً على عرب الخليج الأغنياء, كان العراق واليمن أكثر الأقطار العربية تأثراً وشعورا بخيبة الأمل. فالعراق يطل على الخليج العربي ويصدر النفط أيضا, وبذلك فهو مؤهل لعضوية المجلس لو كان التجمع قائماً على أسس منطقية. أما اليمن, فيؤهله موقعه الجغرافي كجار لعمان والسعودية للتكامل معهما ومع باقي أقطار شبه الجزيرة العربية. ولو كان المجلس يهدف للتكامل العربي, لكان من المنطقي أن يضم إليه كل من العراق واليمن.[31] لكن يبدو أنهما قد استبعدا لحجمهما السكاني الكبير ولاختلاف النظم السياسية. لذلك, كان من الطبيعي أن يلتقي العراق واليمن معاً بالإضافة إلى أي قطر آخر شعر بأنه استبعد من ذلك التجمع. وكان الأردن ومصر قطران مثاليان للانضمام إلى العراق واليمن في ذلك المسعى, وذلك لمساندتهما للعراق أثناء الحرب العراقية~الإيرانية. كذلك كانت خطط إعادة البناء والإعمار المتوقعة في العراق, بعد الحرب, تمثل فرصاً جيدة للعمل أمام الأردنيين والمصريين واليمنيين. وأهم من ذلك بالنسبة للعمال العرب, أن القوانين والممارسات العراقية المتعلقة بالهجرة كانت تسمح لهم بالإقامة الدائمة وحتى بالجنسية, الأمر الذي كان (ولا يزال) غير معمول به في أقطار الخليج العربي. وهكذا, تأسس مجلس التعاون العربي في 23 فبراير/شباط 1989, بعضوية كل من مصر والعراق والأردن واليمن.

        وخلال السنة والنصف التالية, شعر العراق بمزيد من خيبة الأمل من جراء تصرفات بعض الخليجيين. فقد بلغ تعداد العراقيين حوالي سبعة عشر مليون نسمه, خرجوا من الحرب العراقية~الإيرانية بديون وصلت إلى حوالي 75 بليون دولار. وحوالي نصف تلك الديون, أي 35 بليون دولار, كانت للكويت والسعودية. وكان العراقيون (ولا زالوا) يعتقدون أنهم كانوا يدافعون عن أقطار الخليج العربي, وليس فقط عن العراق, في تلك الحرب. لذلك, فان مسامحتهم بتلك الديون كانت أقل ما يمكن أن يقدمه "الأشقاء" الخليجيون في المقابل. وبدلاً من ذلك, بدأ الكويتيون يطالبون بسداد الديون. والأدهى من ذلك أن الكويت والإمارات أخذتا في ضخ كميات كبيرة من النفط إلى السوق الدولية تفوق الحصص المخصصة لهما من قبل أوبك, الأمر الذي أدى إلى هبوط حاد في أسعار النفط, مما أضر بالعراق وخططه في إعادة البناء بعد الحرب. ومنذ عام 1986, كانت الكويت تتذمر من الحصة المخصصة لها من قبل أوبك, وهي 1.25 مليون برميل يومياً. وعندما قررت المنظمة تخفيض تلك الحصة إلى 1.1 مليون برميل في عام 1989, أعلنت الكويت رفضها لذلك. وفي أوائل عام 1990, أخذت تنتج مليوني برميل يومياً, خارقة بذلك حتى حصتها السابقة قبل التخفيض.

        وهكذا, ومنذ بداية عام 1990, بدأ العراق يشعر بأنه هدف للتآمر من قبل الغرب وبعض أقطار الخليج العربي, خاصة الكويت. وزادت مخاوف العراقيين عندما بدأت الولايات المتحدة بممارسة الضغوط على العراق. فقد اتخذت إدارة بوش إجراءات صارمة ضد مصرف ب ن ل, الذي كان حلقة اتصال بين العراق والمؤسسات المالية الأميركية. كذلك فإن المصارف الأميركية المعنية قد اقترحت تشكيل مجموعة دولية لإدارة الشئون المالية للعراق لمصلحة الدائنين.[32] والجدير بالذكر أن ذلك الاقتراح كان يشبه إلى حد بعيد ما آلت إليه الأمور في نهاية القرن التاسع عشر من إدارة بريطانية~فرنسية مشتركة للخزينة المصرية, والذي أدى في النهاية إلى الاحتلال البريطاني لمصر في عام 1982. وربما يكشف التاريخ لاحقاً عن خطة للدائنين الأميركيين للوصول إلى ذلك الهدف, أي إلى التحكم في الخزينة العراقية. وتحقق لهم ذلك فعلياً نتيجة للتحكم في المبيعات النفطية والواردات العراقية, فيما أصبح معروفا ببرنامج "النفط مقابل الغذاء," كنتيجة لتحكم الولايات المتحدة في قرارات مجلس الأمن الدولي التي صدرت ضد العراق. وربما أسهمت تلك التطورات في زيادة مخاوف العراق من أن الولايات المتحدة كانت تعد لإضعاف العراق, بالتعاون مع الكويت. وتسارعت الأحداث بعد ذلك لدرجة أن مجلس التعاون العربي لم يدم لأكثر من عام ونصف تقريبا. فلم يكن بإمكانه تجاوز أزمة عام 1990, وذلك لأن مصر وقفت إلى جانب الكويت ضد العراق. أما مجلس التعاون الخليجي, فإنه قد استمر كمنتدى خاص يقتصر على الأقطار الخليجية الغنية. وعلى الرغم من ذلك, فإن القومية العربية لم ولن تختفي كقوة توحيد للعرب. لكن قدرتها على البقاء كقوة موحِّدة للعرب في المستقبل تعتمد على انتهاج وسائل جديدة للنضال تتكيف مع الجرح العميق الذي حدث نتيجة لزلزال حرب الخليج.

 

مستقبل القومية

 

لقد كانت القومية العربية عاملا توحيديا في الوطن العربي طيلة القرن العشرين. فاللغة الواحدة والتاريخ المشترك كانا دائماً ركنين قويين يسندان الدعوة القومية العربية, كما كانا أيضاً بالنسبة للتجارب القومية في أوروبا, خاصة بالنسبة للتجربتين الألمانية والإيطالية. فقد تأسست الدول القومية الأوروبية على أسس الاشتراك في اللغة والتاريخ والعادات والتقاليد. وكان الهدف أن تقوم تلك الدول بتمثيل وحماية مصالح الجماعات العرقية[33] المتجانسة فيها. ومع بداية القرن العشرين, أخذت الدول القومية تتسع لتشمل العديد من الجماعات المختلفة عرقيا وعنصريا وإقليميا ودينيا, أي أنها أصبحت دولا متعددة القوميات. ومثال على ذلك, الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا والهند والصين, حيث أن الدولة في هذه الحالات من المفترض أن تمثل مصالح القوميات التي تؤلفها. أما في العالم الجديد (الأميركيتين وأستراليا), فقد تأسست الدول القومية على فكرة استيعاب المهاجرين في الوطن الجديد على الرغم من انتمائهم السابق لقوميات مختلفة, وذلك بالتركيز على تعليم أبنائهم في المدارس الحكومية المجانية باللغات الرسمية لتلك الدول.

        وقد حاولت الدول المتعددة القوميات جاهدة استيعاب وتكامل قومياتها وجماعاتها السكانية المختلفة. وساعدها على ذلك دخولها مرحلة التصنيع وما تبعها من ظهور المؤسسات العامة في المجتمع, مثل التعليم العام ووسائل الإعلام والمواصلات والاتصالات الجماهيرية ونظم الخدمات والتقاعد والرفاه الاجتماعي. كذلك عملت مختلف الدول القومية على السماح للأقليات والجماعات المحرومة بمزيد من المشاركة السياسية ومزيد من الاستفادة من خيرات البلاد.[34] وقد أسفرت جهود الاستيعاب والدمج تلك عن نجاحات في جميع القارات. ومع ذلك, فإن سقوط الاتحادات السوفيتية واليوغسلافية والتشيكوسلوفاكية في أواخر الثمانينات وبداية التسعينات من القرن العشرين قد قدم دليلاً ضد فرضية إمكانية دمج القوميات في مجتمع واحد معاً. وحتى عام 1999, كانت بعض الجمهوريات لا تزال تحاول الانفصال عن الاتحاد الروسي, كما حدث في الشيشان. والحقيقة أن سقوط تلك الاتحادات الأوروبية الشرقية مرده في الأساس إلى العوامل الاقتصادية, بدليل استمرار الهند والصين كدولتين متعددتي القوميات. وبالرغم من ذلك, فإن تفكك تلك الاتحادات الى وحدات سياسية أصغر على أساس قومي محض يمكن اعتباره مؤشراً على قوة وعنفوان الشعور القومي لعقود وربما لقرون عديدة قادمة.

        والمدهش أن الروابط القومية قد أظهرت أنها قوية بدرجة كافية مكنت الدول القومية الجديدة من أن تحل محل الاتحادات الأوروبية الشرقية المتعددة القوميات, في مدة وجيزة. ولكن كيف حدث ذلك, وبتلك السرعة؟ الجواب يمكن في تحليل كيفية ظهور القومية وتطورها في بلد من البلدان. فالقومية تظهر عندما يزداد الوعي الثقافي العرقي ليصل إلى مستوى الهوية السياسية الفعالة. وتصبح الروابط القومية أقوى عندما يدرك أفراد الشعب المعنيين أن مصالحهم المشتركة ووحدتهم الجماعية معرضان للخطر.[35] كذلك فإن القومية يمكن أن تفهم على أنها خيار فردي أيضاً فعندما يسعى الأفراد للتماثل مع جماعاتهم العرقية والانتماء لها, فإنهم يفعلون ذلك لتحقيق أفضل ما يصبون إليه من مصالح. فالجماعة تزود أفرادها بالأمن والبيئة الأكثر راحة والوصول إلى المناصب التي تقع تحت سيطرتها في المجتمع.[36] ولكن الروابط اللغوية والدينية والمكانية, بالإضافة لروابط القرابة, تبقى هي الأقوى في خلق انتماء الأفراد لأوطانهم. وليس من الضروري لحدوث ذلك الانتماء أن يعيش الأفراد في نفس الدولة, ذلك لأن الانتماء القومي يسبق قيام الدولة القومية, كما حدث في التجربتين الألمانية والإيطالية وكما هو الحال بين العرب الذين يعيشون في ظروف التجزئة حتى الآن. لذلك, فإنه لم يكن غريبا أن تقبل الأعراف الدولية حق الشعوب في تقرير مصيرها الوطني, أي حق الأفراد في أن ينتموا للأمة التي تتكون منهم.[37]    

        ولا تزال القومية تقدم خدمات عديدة للطموحين من الزعماء والجماعات النخبوية على حد سواء. وقد استخدمت في الماضي لتعبئة وتحريك الشعوب للحرب, في مختلف أنواع الأنظمة السياسية, ومثال على ذلك ألمانيا النازية أثناء التحضير للحرب العالمية الثانية وكذلك روسيا السوفيتية أثناء تلك الحرب.[38] وحتى في الولايات المتحدة, حيث الروابط القومية أقل عمقاً وأحدث زماناً, فإن الحكومة قد لجأت إلى تأجيج المشاعر القومية للحصول على مساندة الشعب لمشروعاتها التي لا تتمتع بجاذبية شعبية طبيعية. ومن أمثلة ذلك ما فعلته الحكومة الأميركية لكسب التأييد الشعبي للألعاب الأوليمبية لعام 1984, وللتحضير لشن حرب الخليج في عامي 1990 و 1991, وحتى في لوم اليابان على الركود الاقتصادي الأميركي في عام 1992.[39] أما في القرن التاسع عشر, فقد أظهرت التجربة القومية الألمانية أن اللغة الواحدة والتاريخ المشترك قد لعبا دوراً أساسياً في تكوين الأمة الألمانية. وتعود بدايات المشروع القومي الألماني إلى نهاية الحروب النابليونية, في النصف الأول من القرن التاسع عشر. عندها قامت بروسيا بالتوسع في تخريج المعلمين, كما قامت بتطوير مناهج تعليمية على مستوى قومي ألماني وليس على مستوى بروسي فقط. ونتج عن ذلك زيادة الشعور بالوعي القومي في جميع الدويلات الألمانية, الأمر الذي سهل على بروسيا إمكانية تعبئة وتحريك الشعب الألماني كله عندما دخلت الحرب فيما بعد. وقد اعترف العديد من الساسة الألمان أن بلادهم قد كسبت الحرب ضد النمسا في عام 1866, وضد فرنسا في عام 1872, بسبب تبني بروسيا لتلك السياسة التعليمية القومية.[40]

        وعلى الرغم من أن القومية قد أثبتت أنها أداة ناجحة في تعبئة وتحريك الشعوب للدفاع عن نفسها, وفي خوض الحروب, وفي مرحلة التحرر الوطني, وفي مرحلة بناء الوطن بعد ذلك, إلاّ أنها لها سلبياتها أيضا. فالاقتصاديات المتقدمة تفضل الانفتاح على العالم, ذلك لأنها تتطلع إلى أسواق للتصدير تمتد على مدى جميع القارات. وبالطبع فإن ذلك يضعف الدول القومية, التي ستفقد تدريجيا سيطرتها على مواردها المالية وحتى على أسواق العمل فيها, بعد أن تصبح تلك الأسواق أكثر عالمية في حركتها وتوجهاتها.[41] وقدم الاتحاد الأوروبي مثالاً على تطور الدول القومية لتصبح اتحادات أو مناطق اقتصادية متعددة القوميات, في المستقبل. أما بالنسبة للمجتمعات النامية في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية, فربما تستمر كدول قومية حتى تصبح اقتصادياتها متطورة لدرجة تجعلها تسعى للتكتل الاقتصادي مع دول قومية أخرى, على غرار تكتلات الاقتصاديات المتقدمة في العالم.[42] ولكن الأرجح ألا تتركها التكتلات الكبرى للاقتصاديات المتقدمة تنموا طبيعيا, لأن كثيراً من الدول المتقدمة صناعياً تنظر لتخلف العالم الثالث على أنه الضمانة لاستمرار تدفق موارده ومواده الخام عليها بأرخص الأسعار.[43] وعلى ذلك, يمكن القول بأن القومية ستستمر كأساس لبناء الدول, في المجتمعات النامية على الأقل. وهكذا, فإن السعي للاستفادة من القومية العربية سيستمر في الوطن العربي بلا شك, خاصة في القرن الحادي والعشرين.

 

القومية العربية

 

        إن الأمة العربية التي تعيش ما بين المحيط الأطلسي غرباً والخليج العربي شرقاً مؤهلة لتكون لها دولة قومية واحدة, أسوة بالأمم الأخرى التي حققت وحدتها القومية في هذا العالم. وستستمر المشاعر القومية العربية تدفع العرب باتجاه توحيد أقطارهم ومساندة بعضهم البعض من أجل تحرير مناطقهم المحتلة والدفاع عن وطنهم ضد الغزاة الطامعين بثرواتهم. والأهم من ذلك كله أن الوحدة العربية ضرورية لتحقيق العدالة الاجتماعية بين العرب, لأن من شأنها أن تلغي التفرقة والتمييز والمعاملة السيئة التي يلقاها المواطنون العرب من الحكومات العربية عند السفر والإقامة والعمل في الأقطار العربية الأخرى التي لا يحملون جنسياتها. كما أنها ستوفر التكامل الاقتصادي العربي, وبالتالي فإنها ستنشر التنمية في كل مكان من الوطن العربي بدلاً من استثمار الفوائض المالية في الاقتصاديات المتقدمة خارج الوطن.

        ويتفق ذلك مع الأدب المنشور عن القومية بصفة عامة. فنظراً لأن الاقتصاديات العربية لا تزال نامية في معظمها, ولأن الأمة العربية لا تزال مجزأة إلى أقطار متفرقة, فلا بد للعرب من النضال من أجل الوحدة حتى يصلوا لمرحلة الدولة القومية, التي ستتحقق لهم العزة والمنعة التي يصبون إليها. لم لا والعرب تربطهم ببعضهم البعض صلات قوية وعديدة ومشتركة لا تتوفر حتى في الدول المكونة للتكتلات الكبرى في هذا العالم, مثل الاتحاد الأوروبي. فالعرب يشتركون في ثقافة واحدة ترتكز على القيم الروحية واللغة والعادات والتقاليد والأماني الواحدة, كما ترتكز على التاريخ المشترك. وحتى بالنسبة للأقليات القومية من أكراد وبربر, فان الدين والتاريخ والعيش المشترك لآلاف السنين قد جعلها جزءا من وجود الأمة العربية, تتفاعل معها فتؤثر فيها وتتأثر بها. وبالرغم من ذلك كله, فقد واجهت القومية العربية اختباراً صعبا في النصف الثاني من القرن العشرين أدى إلى انقسام الأقطار العربية ونخبها الحاكمة إلى وحدويين وسياديين.

        ويمكن فهم الصراع بين المجموعتين بتحليل موقفيهما تجاه فكرة القومية العربية. فمن وجهة نظر السياديين, الذين يستفيدون من بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه, فان الوحدة العربية تعني التضامن والمساندة "للأشقاء العرب," وهو اصطلاح غالباً ما يشير إلى الحكومات العربية وليس إلى المواطنين العرب. وبالطبع فان الأمر لا يصل إلى درجة الاندماج مع الأقطار العربية الأخرى ولا إلى المساواة في المعاملة بين المواطنين والمهاجرين من تلك الأقطار. وتقدم الإمارات العربية المتحدة مثالاً على هذه الرؤية السيادية للقومية العربية. فالمواطنون في الإمارات تربطهم علاقات طيبة بالمهاجرين العرب بالبلاد. والمساهمات السخية التي يقدمها الشيخ زايد وحكومته ومواطنيه للأقطار العربية الأخرى لا يمكن إنكارها. وقد استمر الدعم المالي والمعنوي الإماراتي للأقطار العربية الفقيرة حتى بعد حرب الخليج. ولكن ذلك كان على مستوى الحكومات في معظم الأحيان, ولم يصل للمستوى الشعبي بعد. كما أن المعاملة التي يلقاها المهاجرون العرب في الإمارات لا تختلف حقيقة عن المعاملة التي يلقونها في باقي أقطار الخليج. فقوانين الهجرة لا زالت تعاملهم على أنهم أجانب مهما طالت إقامتهم في البلاد. ولا زالوا لا يستطيعون الحصول على الإقامة الدائمة والجنسية, وبالتالي لا زالوا يعانون من التمييز ضدهم في كافة مناحي الحياة, الأمر الذي باعد بينهم وبين أشقائهم من مواطني الإمارات, كما تم توضيحه بالنسبة للمهاجرين العرب في الكويت, في الفصل الثالث. وببساطة, فإن هذا المفهوم للقومية العربية هو المسؤول عن تلك المعاملة التي يلقاها المهاجرون العرب في الأقطار العربية الغنية. كما أنه المسؤول عن السعي لتحقيق مصلحة "القطر" الواحد على حساب مصالح الأمة ككل, كما حدث في الأزمة العراقية~الكويتية في عام 1990, والحرب التي تبعتها في عام 1991.  

        أما بالنسبة للوحدويين, فإن الوحدة العربية تعني اندماج الأقطار العربية معاً في دولة قومية واحدة, تنهي حالة التجزئة التي يكرسها وجود "الدول" السيادية الحالية. وذلك يعني في الأساس جنسية عربية واحدة تمكن كافة المواطنين العرب من التنافس الحر الشريف في وطن واحد لا يفرق بين الناس على أساس مكان ولادتهم, وطن تتمتع أجزاؤه بالتكامل الاقتصادي والاجتماعي ويتمتع مواطنوه بالحريات الأساسية التي تمكنهم من اختيار حكوماتهم بالاقتراع المباشر. وتكون المحصلة قيام دولة عربية تحمي الأمة وثرواتها من الطامعين بها, وتحافظ على أبنائها بالعدل وتكافؤ الفرص حتى لا يستمر نزيف هجرتهم إلى الأمم الأخرى. وهكذا, فمن الواضح أن السياديين والوحدويين يختلفون جذرياً في مفهومهم للوحدة العربية. ولكن الاختلاف الأساسي يكمن في أن الوحدويين يعتبرون أن العرب أمة واحدة جزأها المستعمرون الأوروبيون إلى أقطار عديدة على أثر انتصارهم على الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى. ولذلك فإن توحيد هذه الأمة يمثل تحرراً لها من حالة التجزئة التي فرضها أولئك المستعمرون, كما أنه يمثل ضرورة من أجل تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متكافئة على مستوى الأمة كلها. أما السياديون, فإنهم يقرون بأنهم ينتمون للأمة العربية, ولكنهم يقولون بأنهم قد عاشوا في ظل "دول" ذات سيادة في معظم القرن العشرين. كما أنهم يعترفون بهويتهم العربية في دساتيرهم, التي تقرر بأنهم جزء من الأمة العربية. ومع ذلك, فإنهم يفضلون البقاء في "دول" مستقلة, ولذلك فإنهم لا يسعون للاندماج مع أقطار عربية أخرى.[44]

        وترتكز الدعوة إلى الوحدة العربية على الثقافة العربية الواحدة التي تشمل القيم الروحية واللغة الواحدة والتاريخ المشترك. فقد عاش العرب سوياً في وطنهم الواقع في غرب آسيا وشمال أفريقيا منذ آلاف السنين. ولكن اللغة العربية لم تكن هي السائدة قبل الفتوحات الإسلامية نظراً لسيطرة اليونان ثم الرومان على شواطئ البحر المتوسط. ولكن ابتداء من القرن الثامن الميلادي, أصبح المتحدثون باللغة العربية يمثلون الأغلبية الساحقة من سكان الوطن العربي. ويعود الفضل في ذلك إلى انتشار الإسلام وإلى جعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة. كما أن الشعوب المجاورة للعرب كانت أكثر قدرة على استعمال اللغة العربية من الشعوب التي كانت تسكن مناطق أبعد في القارات القديمة الثلاث. فقد تقبل الناس الإسلام في تلك المناطق, لكنهم لم يتمكنوا من تعلم اللغة العربية لأن اللغة تتطلب الاحتكاك الثقافي اليومي بالإضافة للتعليم النظامي, الأمر الذي لم يكن ممكناً آنذاك. وقد شذ عن ذلك سكان الأندلس من الأسبان, فقد احتفظوا بلغتهم وبدينهم على الرغم من استمرار الوجود العربي الإسلامي هناك لأكثر من ثمانية قرون. وحتى العرب الذين لم يغادروا الأندلس بعد سقوط آخر حكم عربي فيها, في عام 1492, اضطروا للتنصر ونسيان اللغة العربية. وبالطبع, فإن الحضارة العربية الإسلامية قد تركت آثارا خالدة في الثقافة الأسبانية, بما في ذلك الجانب اللغوي منها.[45]

        لقد عاشت معظم قبائل العرب العاربة بصفة أساسية في شبه الجزيرة العربية قبل فترة الفتوحات الإسلامية, التي بدأت في القرن السابع الميلادي, أي الأول الهجري. وكان غير العرب من اليونان والرومان يقسمون شبه الجزيرة العربية إلى ثلاثة أجزاء هي الجنوب (اليمن) والوسط (السعودية والخليج الآن) والشمال (الشام والعراق). وكما اشتهرت حِميَر وسبأ في الجنوب, اشتهر الكنعانيون والغساسنة والأنباط في بلاد الشام والمناذرة في العراق. وكان جميعهم يتحدثون العربية بلهجات مختلفة, ولذلك ساهموا في نشرها بين غير العرب بعد قيام الدولة العربية الإسلامية وامتدادها إلى شمال أفريقيا. كذلك فإن الوجود العربي المشرقي في شمال أفريقيا يعود للهجرات العربية العديدة, كالهجرة الشهيرة المعروفة "بتغريبة بني هلال," الذين استقروا في تونس. وحتى قبل الميلاد بقرون, تمكن المشارقة الفينيقيون من إقامة دولة قوية لهم في قرطاج التونسية, استطاعت غزو أوروبا والوصول حتى إلى روما.[46] ولكن الوجود العربي قد تجذَّر في المشرق والمغرب العربي نظراً للتزاوج بين العرب العاربة والعرب المستعربة, والذين أصبحوا يكونون معاً أمة عربية واحدة. وكان للإسلام, ولا يزال, الفضل في توحيد الأمة العربية لأنه حمَّل العرب رسالة خالدة, عليهم القيام بتبليغها للناس كافة في كل زمان ومكان. كذلك فان المسيحيين العرب قد لعبوا دورا رياديا في إحياء الشعور القومي العربي طيلة القرن العشرين. ومثال على ذلك دور كل من ميشيل عفلق وجورج حبش في تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي وحركة القوميين العرب.

        كذلك فإن الأمة العربية يجمعها تاريخ مشترك كانت فيه طوراً في قمة مجدها, وطوراً آخر في حالة من الضعف لا تحسد عليها. فقد استمتع العرب بعدل الخلفاء الراشدين, وبقوة الدولة الأموية (661-750), وبرخاء الدولة العباسية (750-1258). لكنهم أيضا تعرضوا للغزوات الصليبية الأوروبية, التي هزمها صلاح الدين في حطين, في عام 1187. كما تعرضوا للغزو المغولي المذل في عام 1258, والذي أوقفوه بقيادة قطز في معركة عين جالوت عام 1260. وسيطر الأتراك العثمانيون على الأمة العربية ابتداء من أوائل القرن السادس عشر, واستمر الحال كذلك حتى الثمانينات من القرن التاسع عشر عندما بدأت فترة الاحتلال الاستعماري الأوروبي. فقامت بريطانيا باحتلال مصر والسودان ومشيخات الخليج العربي. كما قامت أسبانيا باحتلال أجزاء من المغرب والصحراء الغربية, واحتلت فرنسا بقية المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا. ثم قامت إيطاليا باحتلال ليبيا, في عام 1911. ومع نهاية الحرب العالمية الأولى, أكملت بريطانيا احتلالها للعراق والأردن وفلسطين, تاركة سوريا ولبنان لتحتلهما فرنسا طبقا لاتفاقية سايكس~بيكو التي وقعت بينهما في عام 1916.  

        كذلك فإن تاريخ العرب المشترك بأفراحه وأتراحه قد عزز إحساسهم بأنهم يؤلفون أمة واحدة. وكما نادى ساطع الحُصْري لأكثر من نصف قرن, فإن اشتراك العرب في اللغة والتاريخ هو أساس كونهم أمة واحدة. وقد تأثر الحُصْري[47] في مقولته تلك بدراسته للحركات القومية الأوروبية. وعلى الأخص, فإنه لاحظ أنه لم يكن بإمكان الدويلات الألمانية وأيضاً الدويلات الإيطالية أن تتحد في القرن التاسع عشر لولا روابط التاريخ المشترك واللغة الواحدة التي كانت تربطها معاً. وكان استنتاجه أن العرب ليسوا فقط مؤهلين لتوحيد أقطارهم في دولة قومية واحدة, وإنما عليهم الالتزام بتحقيق ذلك.[48]

        وقد أشار أبو علم الاجتماع, العلامة عبد الرحمن بن خلدون, والذي عاش متنقلا بين الأندلس وبلاد المغرب العربي في القرن الرابع عشر الميلادي, إلى أهمية القومية بالنسبة للحضارة الإنسانية. وبيَّن أن الحكام في كل زمان ومكان بحاجة إلى "عصبية" تساندهم في حكمهم, وتتألف عادة من أقرب الناس إليهم من أقارب ومعاونين وأتباع, وتساند هؤلاء "عصبية" أكبر تتألف من بقية أفراد الأمة. وهكذا, فإنه من أجل أن يستتب حكم ما, فلا بد من وجود تجانس بين السكان, الذين لا بد وأن يظهروا الولاء للنخبة الحاكمة وبالتالي للأمة التي تمثلها. وقد رأى ابن خلدون في ولاء الناس للدولة شرطاً لحسم الصراع ما بين الحاجة الإنسانية للحضارة والبناء والتعمير, أي "العمارة" كما وصفها, ونزوع بعض البشر للتدمير والعدوان. فعلى صعيد العائلة, كما هو على صعيد القرية والمدينة, يجد الأفراد أنه من الضروري لهم أن يتفاعلوا ويتعاونوا مع بعضهم البعض من أجل أن يعيشوا بطريقة متحضرة. وفي نفس الوقت, فإن الناس بحاجة للأمن في تجمعاتهم السكنية, كما أنهم بحاجة للحماية من العدوان الخارجي.[49] والمحصلة أن هذين النوعين من الحاجات البشرية يخلقان شعوراً باعتماد الناس على بعضهم البعض, وبالتضامن بينهم, والولاء لجماعاتهم الممثلة في القبيلة أو القرية أو المدينة, وبالنتيجة الولاء للأمة التي ينتمون إليها. وعلى الرغم من أن ابن خلدون لم يستعمل كلمة "القومية" للتعبير عن هذه الظاهرة الاجتماعية, إلاّ أن تحليله لها لا يزال صالحاً في القرن الحادي والعشرين كما كان صالحاً عندما كتبه في القرن الرابع عشر. فقد اعتبر أن التضامن مع الجماعة والولاء لها من الضرورات الواجب حدوثها من أجل حسم الصراع التاريخي في المجتمع, وبالتالي فإن ذلك الشعور بالتضامن مع الجماعة هو من مستلزمات استمرار العمران.

        والحقيقة أن ما كان ابن خلدون ينادي به بقوة لا زال موجوداً. فطيلة القرن العشرين, شعر العرب بالحاجة إلى تضامنهم مع بعضهم البعض, وإلى الولاء للأمة ككل, وذلك في سعيهم الحثيث للحصول على الاستقلال والتخلص من الحكم الاستعماري الأوروبي. أما الآن, فهناك حاجة ملحة لإحداث تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة (عمران) في مختلف أرجاء الوطن العربي. فالأقطار العربية المصدرة للنفط غنية بالأموال لكنها تعاني من قلة عدد السكان, الأمر الذي يجعلها بحاجة دائمة إلى العمالة المهاجرة. أما بقية الأقطار العربية, فلديها فائض من العمال وينقصها رأس المال اللازم لتنميتها اقتصادياً واجتماعياً. وهكذا, فإن الأقطار العربية يمكنها أن تتكامل بتبادل فوائضها من رأسمال وقوى بشرية. ولكن ذلك التكامل بحاجة إلى إرادة وعمل مستمر حتى يمكن حدوثه. وبالطبع فإن الوحدة الاندماجية هي الأسرع في إحداث ذلك, ولكنها صعبة التحقيق في الوضع الراهن على الأقل. لذلك, يبقى فتح الحدود لحرية حركة العمال ورأس المال والتجارة هو الحل المتاح لإحداث التكامل الاقتصادي العربي المنشود.

        وعلى ذلك, فإن التاريخ وتجارب الأمم الأخرى يعطيان دفعاً لأهمية الوحدة العربية, بالرغم من الوضع المحزن الذي آلت إليه العلاقات العربية~العربية منذ مطلع التسعينات من القرن العشرين. وستبقى فكرة القومية العربية وسيلة فعالة لاستنهاض العرب نحو الوحدة الشاملة. ولكن للأسف فإن هذا المعنى للقومية العربية لا يلقى قبولا لدى السياديين الذين أصبحت مصالحهم ترتبط بأوضاع التجزئة التي فرضها الاستعمار الأوروبي. وأصبحت سيادة "الدولة" القطرية عندهم تعبيراً عن تمتعهم بمزايا الحكم, خاصة استئثارهم بالثروة وحدهم واستقلالهم عن جسم الأمة ككل. وقد أدت حرب الخليج, دون شك, إلى تقوية شأفة السياديين. وتجلى ذلك في تكريس التجزئة القطرية وانحسار المقولة القومية في الخطاب السياسي العربي. ومن الخطورة بمكان أن جيلاً عربياً بأكمله يخضع الآن لعملية تشكيل للولاء السياسي على أساس قطري. ولا يقتصر ذلك على الفضائيات والإعلام المقروء فقط, وإنما يشمل المناهج الدراسية أيضا, الأمر الذي يشكل تحدياً كبيراً للقوى القومية الوحدوية التي بات عليها أن تطور أساليب عملها وخططها وحتى خطابها السياسي لمجابهة ذلك التحدي. فالاصطلاحات القومية العربية التي كانت سائدة في القرن العشرين (وبعض أمثلتها في الملحق 4) لم تعد مناسبة لمخاطبة العقل العربي في مطلع القرن الحادي والعشرين, خاصة بالنظر إلى الهجمة المستمرة على فكرة الوجود القومي للأمة ووحدتها. ومن الأمثلة الهامة على ضرورة تطوير العمل النضالي القومي أن القوى الإسلامية قد أخذت مكان الصدارة في تحدي الوضع العربي الرسمي الراهن, بعد الضربة الشديدة التي تلقتها القوى القومية العربية في التسعينات. وهذا التطور بحد ذاته يحتم مراجعة علاقات القوميين العرب مع القوى الإسلامية من أجل النضال المشترك لإنقاذ الأمة من كبوتها.

 

القومية العربية والإسلام

 

        من الصعب تصور القومية العربية منفصلة عن تراثها الإسلامي العريق. كذلك من المستحيل تصور دعوة إسلامية حقيقية تعادي وحدة العرب وقوتهم. فالقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين, حمله العرب مع السنة المشرفة إلى باقي شعوب الأرض منذ أكثر من أربعة عشر قرناً, ولا زال علماؤهم وفقهاؤهم قيّمون على حفظه وشرح أحكامه وتعليمه للناس إلى يوم يبعثون. ولا فضل لهم في ذلك إلاّ بإيمانهم وتمكنهم من اللغة العربية التي يمكن أن تستعصي على غيرهم ممن لا يتحدثون بها. وبالرغم من هذه المسلمات, فإن عدة تطورات قد حدثت في القرن العشرين جعلت الفكرتان تظهران وكأنهما متناقضتان. فقد بدأ المثقفون العرب في تكوين جمعيات قومية عربية تهدف إلى استقلال العرب عن الدولة العثمانية (كما هو موضح في الملحق 4.ب), وذلك كرد فعل لظهور الحركة القومية التركية. كذلك فإنهم كانوا يشعرون بضعف الدولة العثمانية وتكالب القوى الاستعمارية الأوروبية للانقضاض عليها, وتصوروا أن بإمكانهم تحقيق الاستقلال ومنع حدوث السيطرة الأوروبية. لكنهم سرعان ما أدركوا أن الأطماع الأوروبية كانت أكبر من وعود الاستقلال, فوقع العرب تحت نير الاستعمار الأوروبي الذي كافأ النخب الحاكمة التي تعاونت معه بإبقائها في الحكم تحت حمايته. وكانت تلك التطورات درساً للقوميين العرب, علَّمهم أن النضال من أجل الاستقلال العربي الحقيقي لا يمكن فصله عن النضال من أجل الوحدة العربية, وذلك ببساطة لأن المستعمرين الذين حرموا العرب من الاستقلال هم الذين قطَّعوا أوصال الأمة وكرسوا تجزئتها.[50]

        وكان الإسلام, ولا يزال, قوة أساسية في حركة التحرر الوطني العربية. ففي أقطار المغرب (تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا), كان البربر يعبرون دائما عن اعتزازهم بتراثهم الإسلامي من خلال حرصهم على تعلم اللغة العربية والتحدث بها. ومنذ أيام الكفاح ضد المستعمرين الأوروبيين وحتى الآن, كانوا دائما يعبرون عن تضامنهم مع إخوانهم العرب, وعن تبني دعوة الوحدة العربية. ففي الجزائر, أسهم ابن باديس ومعه أعضاء مجلس علماء المسلمين الآخرين في إحياء الحركة الوطنية بإحيائهم للتعاليم الإسلامية والثقافة العربية في نفس الوقت. ولم ينفصل الكفاح ضد الاحتلال الفرنسي عن النضال من أجل التعريب. وتجلى تمسك البربر بدينهم الإسلامي وثقافتهم العربية في عدم صدور أية دعاوى انفصالية أثناء الحرب الأهلية الجزائرية طيلة التسعينات من القرن العشرين. فقد تركز نضال الجميع, من عرب وبربر, على تحقيق مزيد من الديمقراطية والتعريب في البلاد. أما في تونس, فإن الثعالبي وزملاءه قد أصدروا صحيفة "التونسي", قبل الحرب العالمية الأولى. وكان هدفهم تعليم أبناء البلاد ثقافتهم العربية, التي مكنتهم من الصمود في وجه المحاولات الاستعمارية لفرض الثقافة الفرنسية عليهم. وتطور بهم الأمر إلى تأسيس الحزب الدستوري الحر في عام 1920, الذي قاد الكفاح الوطني حتى تحقيق الاستقلال السياسي عن فرنسا واستمر في الحكم منذ ذلك الحين. وكان الثعالبي مثالاً يُحتذى به في جمع دعوتي القومية العربية والإسلام لاستنهاض الهمم وتحقيق غايات الأمة. وقد كان دائما يربط حركة المقاومة التونسية بمثيلاتها في مصر والجزائر والمغرب.[51]  

        أما حركة الإخوان المسلمين, فهي أكبر تنظيم إسلامي في الوطن العربي, وهي بحق تنظيم قومي عربي بالممارسة والانتشار. وقد أسسها حسن البنَّا في عام 1928. وليس من الواضح ما إذا كان لذلك التأسيس علاقة بتمرد الإخوان ضد عبد العزيز آل سعود, والذي كان في أوجه آنذاك, ولكن الحركة كان لها تأثير سريع في أرجاء عديدة من الوطن العربي. فقد انتشرت بسرعة من مصر إلى فلسطين وسوريا والعراق. وعقد المؤتمر الأول للحركة, في نفس العام, بمدينة يافا الفلسطينية, ليعكس الحس الوحدوي لمؤسسيها, خاصة بعد أن أصبحت الأطماع الصهيونية واضحة إزاء فلسطين. وقد أكد حسن البنَّا مراراً أن العرب هم حماة الإسلام, ولذلك فمن واجب كل مسلم أن يساند قضية الوحدة العربية ويعمل على إحيائها. كذلك فإن القضية الفلسطينية, كما هي أساسية بالنسبة للقوميين العرب, فإنها كذلك بالنسبة للإخوان المسلمين. كيف لا وأرض فلسطين تحتضن المسجد الأقصى المبارك, أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.[52]

        وبإلاضافة إلى تعليم الناس أصول دينهم, عملت الحركة على إحياء التضامن الإسلامي. وبذلك, فإنها ميزت نفسها عن الوعاظ الدينيين الذين غالباً ما كانوا يتبعون الخط الحكومي الرسمي, وهكذا أصبحت أكثر جماهيرية منهم. كذلك فإن حسن البنَّا قد هاجم الدعوة إلى "القومية" المصرية, التي تبناها سلامه حجازي. وبدلاً من ذلك, فإنه طرح فكرتي الأخوة الإسلامية والقومية العربية الأكثر شمولاً, وقد كتب في عام 1934 قائلا بأن القومية العربية هي تعبير عن أماني العرب جميعاً, من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي. كذلك فإنه أيد الجامعة العربية عند تأسيسها في عام 1946. كما أنه كان يؤكد في مناسبات عديدة طيلة حياته بأن الإسلام يزهو ويزدهر بزهو العرب وازدهارهم, وذلك تمشيا مع الحديث النبوي الشريف بأنه "إذا عزّ العرب عزّ الإسلام, وإذا ذلّ العرب ذلّ الإسلام." وذلك يعني أنه من واجب كل مسلم غيور على دينه, مهما كانت قوميته, أن يساند الفكرة القومية العربية التي تدعو لوحدة العرب وبالتالي لعزتهم. وبالرغم من تفهم حسن البنَّا للرسالة الوحدوية للقومية العربية, إلاّ أن عددا من مفكري الإخوان لم يشاركوه في ذلك, مثل أبو العلاء المودودي, وسيد قطب, وأبو الحسن الندوي, وسعيد حوى.[53]

        وازدادت الهوة اتساعاً بين القوميين العرب والإسلاميين في الخمسينات والستينات من القرن العشرين نتيجة للصراع بين النظام الناصري وحركة الإخوان المسلمين. ومع ذلك, فإن إحدى الدراسات التي أجريت في عام 1980 قد أظهرت بأن الغالبية العظمى من المواطنين العرب لم يروا تناقضا بين القومية العربية والإسلام. وقد قام بالدراسة سعد الدين إبراهيم, ممثلاً لمركز دراسات الوحدة العربية. وكان المشتركون في الدراسة يمثلون أقطاراً عربية عديدة, هي الأردن وفلسطين ولبنان والسعودية ومصر وتونس والمغرب. وقد وافق 88 بالمائة منهم على وجود علاقة بين القومية العربية والإسلام. ووافق 91.6 بالمائة منهم على أن العرب ككل يشكلون كياناً واحداً, كما وافق 77.9 بالمائة منهم على أن العرب يشكلون أمة واحدة.[54] وقد أجرى سعد الدين إبراهيم  دراسة شاملة أخرى عن الوحدة العربية عبر فيها حوالي 60 بالمائة من المشتركين عن اعتقادهم بأن الإسلام يمثل أحد الأعمدة المركزية للقومية العربية. وتوقع ثلث المشاركين بأن الوحدة العربية ستحدث على أسس إسلامية.[55] وهكذا, فإن مثل هذه الدراسات تؤكد أن معظم العرب لا يرون تناقضاً جوهريا بين القومية العربية والإسلام. ومع ذلك, كانت التهمة توجه للقوميين بأنهم معادين للإسلام, كلما اشتد الصراع ما بين الوحدويين والسياديين, مثلما حدث في أعقاب انفصال سوريا عن مصر ونشوب حرب اليمن في مطلع الستينات من القرن العشرين. ومما ساعد في رواج تلك التهمة تبني الوحدويين للاشتراكية العربية.

 

التحول إلى الاشتراكية العربية

 

        على الرغم من أن القومية العربية لها جذورها التاريخية, إلاّ أنها قد اكتسبت قوتها كرد فعل للقومية التركية, في أوائل القرن العشرين. وبمجرد انتهاء الحرب العالمية الأولى, اكتشف العرب خداع الأوروبيين لهم. فبدلاً من الاستقلال الحقيقي الذي كانوا ينشدونه, أصبحت البلاد العربية خاضعة للاحتلال الأوروبي المباشر. لذلك, تركز نضال القوميين العرب على التحرر من الاستعمار الأوروبي البغيض. فحدثت مواجهات عسكرية بينهم وبين قوات الاحتلال في سوريا عامي 1924 و1925, وفي فلسطين عام 1936, وفي العراق عام 1941, وفي مصر وقطاع غزة عام 1956, وطيلة الخمسينات في أقطار المغرب العربي, تونس والجزائر والمغرب. أما في ليبيا, فقد استمرت المقاومة ضد الإيطاليين من عام 1911 إلى عام 1931. ولم يتوقف الاحتجاج والعصيان المدني على وجود المستعمرين الأوروبيين. وتكلل ذلك النضال المستمر بحصول معظم الأقطار العربية على استقلالها السياسي ما بين عامي 1945 و1971.

        وخلال الخمسينات والستينات, فشلت عدة محاولات وحدوية. وأدى ذلك إلى إدراك القوى القومية العربية أن الاستقلال السياسي الذي كرس سيادة "الدولة" العربية القُطرية هو الذي أعاق قيام الوحدة العربية. وقد شكلت النخب الحاكمة في معظم الأقطار العربية مع الفئات المستفيدة من بقاء السيادة القطرية طبقة حاكمة لها مصلحة في الحفاظ على حالة التجزئة وحتى في محاربة المحاولات الوحدوية. لهذا السبب, كان من المنطقي أن يتجه النضال الوحدوي العربي اتجاهاً جديداً يعبر عن حقيقة أن معظم النخب الحاكمة ليس لها مصلحة في الوحدة, وأن أصحاب المصلحة الحقيقيين في الوحدة العربية هم الغالبية من فقراء الطبقة العاملة وأفراد الطبقة الوسطى. لذلك كان من المنطقي أيضاً أن يتسرب الوعي الطبقي إلى الطروحات القومية العربية. وهكذا, تحولت حركة التحرر العربية إلى حركة اشتراكية منذ مطلع الخمسينات. فكان مؤسس حزب البعث العربي, ميشيل عفلق, يستعمل مصطلحات الفكر الاشتراكي حتى في خطبه الأولى.[56] لذلك, لم يكن غريبا أن تضاف صفة "الاشتراكي" لاسم الحزب رسمياً. كذلك فإن حركة القوميين العرب, التي أسسها جورج حبش, قد تحولت إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين, ولكن بعد أصبحت أدبياتها تعبر أيضاً عن الفكر الاشتراكي. أما الحزب الحاكم في مصر, الاتحاد القومي, فقد أصبح الاتحاد الاشتراكي العربي. وحدث مثل ذلك في تونس, حيث أصبح الحزب الحاكم يسمى الحزب الاشتراكي الدستوري. وبدا التحول الاشتراكي واضحاً في سياسات الحكومات الثورية العربية التي كان يعيش تحت حكمها معظم سكان الوطن العربي, خاصة مصر والسودان وسوريا والعراق واليمن وليبيا والجزائر. والتجربة المصرية لها أهمية خاصة في هذا المجال, نظراً لأن مصر قد قادت الحركة القومية العربية في الخمسينات والستينات من القرن العشرين.

        نجح جمال عبد الناصر في قيادة حركة الضباط الأحرار التي قامت بانقلاب عسكري أوصلها إلى الحكم في 23 يوليو/تموز 1952, ولكن ذلك الانقلاب سرعان ما تحول إلى ثورة شملت كافة مجالات الحياة في مصر. في البداية, تم تعيين محمد نجيب رئيساً للجمهورية ولكنه عزل في عام 1954, وتولى عبد الناصر الرئاسة حتى وفاته في عام 1970. وبدأ عبد الناصر يفرق بين مفهومي الشعب والأمة, خاصة بعد العدوان الثلاثي ووقوف الجماهير العربية مع مصر ضد المعتدين. فأخذ يشير للمصريين على أنهم شعب والى العرب كافة على أنهم أمة.  وكانت القومية العربية بالنسبة له تجربة ثورية وحركة تحرر ووسيلة لتوحيد الوطن المجزأ.[57] 

        وقد بدأ عبد الناصر في ممارسة التحول الاشتراكي في منتصف الستينات عندما أصدر قوانين تحدد ملكية الأراضي الزراعية, والتي أدت إلى مصادرة أراضي الملاك وتوزيعها على الفلاحين المعدمين. كذلك فإنه عمل على إتاحة الفرص للفقراء وأبنائهم في العمل والتعليم والعناية الصحية والإسكان. ومع ذلك, فإن الاشتراكية العربية تختلف عن الاشتراكية السوفيتية في استمرار السماح بالملكية الخاصة في الزراعة والصناعة والخدمات مع وضع قيود على توسعها. لكنها في الوقت نفسه قد أدت إلى نمو القطاع العام بشكل كبير لدرجة أن الحكومة قد أصبحت هي المصدر الرئيس للعمل. كذلك فإن الاشتراكيين العرب لم يتخلوا عن فكرة القومية العربية التي يعتبرونها أداة تحرير لوطنهم وتوحيد لأمتهم, مما جعلهم على خلاف مع الاشتراكية السوفيتية التي كانت تنادي بالأممية, أي القفز على المرحلة القومية وصولاً إلى علاقات إنسانية عالمية. وقد أثبتت الأحداث, خاصة سقوط الاتحاد السوفيتي, أن الطرح الأممي على الرغم من سلامته النظرية إلاّ أنه كان سابقاً لأوانه. وقد تجلى ذلك الاختلاف على أهمية المرحلة القومية في مناسبة الاحتفال بتحويل مجرى نهر النيل, أثناء بناء السد العالي, في يوليو/تموز عام 1964. فقد حضر الزعيم السوفيتي, نيكيتا خروتشيف, إلى مصر للمشاركة في الاحتفال. وكانت دعوته للحضور تمثل عرفاناً للمساعدة السوفيتية في بناء السد بعدما تراجع المصرف الدولي عن تمويل المشروع نتيجة لضغوط أميركية. كذلك حضر الاحتفال كل من الرئيس العراقي عبد السلام عارف والرئيس الجزائري أحمد بن بللا. وتحدث الرئيس عارف عن أهمية القومية العربية كأساس للوحدة بين العرب. وفي معرض رده على ذلك, اعترض الزعيم السوفيتي على الفكرة قائلاً بأن القواسم المشتركة بين العمال العرب والسوفيت هي أكبر من الروابط التي يمكن أن تجمع العمال والرأسماليين العرب. وكان هدفه التقليل من شأن القومية والتأكيد على الروابط الطبقية كأساس للنضال والتفاعل في المجتمع والعالم. ورد عبد الناصر على خروتشيف مذكراً إياه بأنه حتى الاتحاد السوفيتي استخدم القومية لاستنهاض الهمم وتحريك الناس للدفاع عن بلادهم أثناء الحرب العالمية الثانية. وعلى وجه الخصوص, فإن القيادة السوفيتية قد عملت على إحياء القومية الروسية عندما أمرت بتصميم وتوزيع الأوسمة التي تحمل أسماء رموزها, من أمثال بطرس "الأكبر." وكان هدف عبد الناصر أن يبين حق العرب في استخدام قوميتهم كوسيلة لتوحيد وطنهم في دولة واحدة, أسوة بمعظم الأمم.[58]

        صحيح أن عبد الناصر قد وجد نفسه في مواجهة مع القوى السياسية الأخرى بمجرد توليه الحكم. لكن المواجهة قد ازدادت حدة بتحوله إلى النهج الاشتراكي الذي لم يعجب القوى اليمينية, التي تضررت مصالحها نتيجة ذلك التحول. لكنه تصادم أيضاً مع قوى أخرى لم تكن بالضرورة معادية للثورة, مثل الإخوان المسلمين والشيوعيين. وكان السبب الحقيقي لذلك يتمثل في استئثاره بالسلطة وإقصاء تلك القوى عن المشاركة في الحكم. فكانت وجهة نظره تتلخص في أن تحرير الوطن من الاستعمار وتوحيد أجزائه قد حتَّما تركيز السلطة في يده, من خلال نظام الحزب الواحد. وهذا يفسر الصراع بينه وبين القوى السياسية المختلفة من يمين ويسار طيلة الخمسينات والستينات من القرن العشرين. والحقيقة أن ذلك النهج قد أضعف الثورة وأفقده, كقائد لحركة التحرر العربية في تلك المرحلة, زخماً تنظيمياً وشعبياً كان بأمس الحاجة إليه. ولكنه لم يكن مستعداً لدعوة القوى الأخرى في المجتمع للمشاركة في السلطة, وكان في ذلك مثل غالبية زعماء العالم الثالث في ذلك الحين. وقد أدى تبني نظام الحزب الواحد إلى اعتبار الأحزاب والتنظيمات السياسية الأخرى بأنها غير شرعية, وبالتالي إلى اعتقال وسجن أعضائها, لا لشيء إلاّ لأنهم كانوا يطرحون حلولاً مختلفة لمشاكل المجتمع.

        ولم يقتصر اضطهاد الإخوان المسلمين والشيوعيين على مصر فقط, وإنما امتد إلى قطاع غزة الفلسطيني, الذي كان تحت الإدارة المصرية. فقد تعرض هؤلاء للسجن أيضاً لا لشيء إلاّ لأنهم كانوا يمارسون حقهم الطبيعي في تنظيم وتثقيف وإعداد أبناء شعبهم لمقاومة إسرائيل التي اغتصبت وطنهم. ولم يختلف الأمر في الأيام الأولى للثورة أو بعد ذلك. فعند قيام الثورة في عام 1952, كانت هناك في سجن غزة المركزي (السرايا) مجموعة من قياديي الإخوان المسلمين وعلى رأسهم صلاح خلف وعز الدين غربيه, ومجموعة أخرى من قياديي عصبة تحرير فلسطين ومن بينهم فايز الوحيدي وعبد الرحمن عوض الله. وعندما سمعوا بقيام الثورة, أخذوا يرقصون فرحاً متوقعين الإفراج الفوري عنهم. ولما لم يحدث ذلك, أضربوا عن الطعام حتى تسمع القيادة بهم. وبالفعل, زارهم الرئيس محمد نجيب واستمع لهم ووعدهم بإطلاق سراحهم بمجرد عودته إلى القاهرة. لكنهم لم يسمعوا منه مرة أخرى, وأكملوا مدة سجنهم. وحتى بعد خروجهم من السجن, فإنهم وضعوا تحت المراقبة ولم يسمح لهم بالسفر للعمل بالخارج إلاّ بعد عدة سنين. وهكذا سافر بعضهم للعمل بالتدريس في أقطار الخليج العربي. أما الذين لم يغادروا قطاع غزة منهم, فقد تعرضوا للسجن مرة أخرى في نهاية الخمسينات وأوائل الستينات, وذلك تمشياً مع حملات الاعتقال ضد الإخوان والشيوعيين في مصر. وفي معظم الأحوال, كانت الاتهامات الموجهة إليهم تتراوح ما بين حضور الاجتماعات السياسية إلى كتابة وتوزيع منشورات تعرِّف بالقضية الفلسطينية. والهدف من إيراد هذه القصة هو تبيان إحدى أوجه القصور في التجربة الناصرية. فغياب الديمقراطية, حرم مصر والأمة العربية من جهود وكفاءات أعضاء الأحزاب السياسية المستبعدة من المشاركة السياسية.

        والملفت للنظر أن معظم القوى السياسية العربية من يمين ويسار لا تتعارض في أهدافها ومسلكياتها مع الحركة القومية العربية, خاصة أنها تعمل على مدى الوطن العربي ككل ولا تلتزم بالحدود القطرية. كذلك فإنها شاركت القوى القومية في تطلعاتها للتحرر من الاستعمار الأوروبي والصهيوني, وتوحيد الوطن, وتحسين ظروف المعيشة للجماهير. والمحصلة النهائية أن تحول الحركة القومية العربية إلى الاشتراكية قد عمق الهوة بين السياديين والوحدويين. كذلك فإن التحول الاشتراكي قد أدخل الصراع العربي~العربي في الحرب الباردة بين الشرق الاشتراكي والغرب الرأسمالي. وأخيراً, كان ذلك التحول تعبيراً عن إدراك القوميين الوحدويين لأهمية تبني قضايا الجماهير وتحسين ظروف معيشتها.

 

الخلاصة

 

        يمكن القول بأن الغزو العراقي للكويت, في عام 1990, كان تتويجا لمرحلة من الصراع التاريخي والفكري بين معسكرين عربيين. الأول كان ممثلاً بالكويت, وينادي أعضاؤه بسيادة "الدولة" القُطرية واستقلالها. وجل هؤلاء من أقطار الخليج الغنية من تصديرها للنفط, والذين ينظرون إلى الوحدة العربية على أنها تتلخص في تقديم بعض الدعم المادي والأدبي للأقطار العربية الفقيرة, لكنها لا تصل إلى الوحدة السياسية والاقتصادية مع تلك الأقطار. أما المعسكر الثاني, فكان ممثلاً بالعراق الذي كان ينادي بوحدة الأقطار العربية كلها في دولة واحدة. ويعتمد الطرح في هذا المعسكر على حقيقة أن العرب يؤلفون أمة واحدة, ويتكلمون نفس اللغة, ولهم تاريخ مشترك. كذلك فإن المعسكر الوحدوي ينظر إلى الوضع العربي الراهن على أنه نتيجة للاستعمار الأوروبي الذي جزأ الأمة إلى دول منفصلة عن بعضها البعض. كذلك فإن الوحدويين ينادون بأن الوحدة ضرورية لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة في الوطن العربي.

        وقد انعكس ذلك الصراع الفكري بين المعسكرين العربيين في تشكيل تجمعين سياسيين يمثلانهما, وهما مجلس التعاون الخليجي ومجلس التعاون العربي. وقد لعبت الكويت دوراً ريادياً في تأسيس المجلس الأول والذي نجح في الاستمرار بتمثيل المجموعة السيادية, مجتازاً محنة حرب الخليج. كذلك فإن العراق قد لعب دوراً ريادياً في تأسيس المجلس الثاني الذي لم يستطع الاستمرار بعد الأزمة العراقية~الكويتية, نظراً لانضمام مصر, التي كانت عضواً فيه, إلى دول التحالف التي قاتلت العراق فيما بعد.

        وقد تعمق خلاف العراق مع الكويت في أعقاب الحرب العراقية-الإيرانية. فخلال الحرب, كان العراقيون يعلنون أنهم لا يدافعون عن العراق فحسب, وإنما عن أقطار الخليج أيضاً. لذلك فإنهم كانوا يشعرون بأن من واجب الخليجيين, وخاصة الكويتيين, تقديم المساعدات المادية لهم. وكانت صدمتهم كبيرة عندما لم يظهر الكويتيون تقديرهم لما قام به العراق نحوهم, خاصة عندما بدأوا يطالبون العراق بدفع ديون الحرب. وزاد الكويتيون على ذلك بعدم التزامهم بحصة إنتاج النفط المقررة من قبل أوبك, الأمر الذي أدى إلى انخفاض أسعار النفط بشكل كبير أضر بخطط العراق الإعمارية. وهكذا, يمكن فهم الأسباب التي أدت للأزمة العراقية~الكويتية من خلال فهم الاختلاف حول مفهوم القومية والوحدة العربية. فبينما كان الكويتيون يفكرون بمنطق "الدولة" السيادية التي لها مصالحها الخاصة بها, كان العراقيون يفكرون بالمنطق القومي العربي الوحدوي الذي يتوقع أن تعلو مصلحة الأمة على مصلحة القطر.

        كذلك فإن نتيجة الصراع بين الوحدويين والسياديين العرب أدت إلى تأييد مقولة أن امتيازات الجنسية الممنوحة للمواطنين في قُطر ما يمكنها أن تحل محل الروابط القومية. وعلى الأخص, نجحت الأقطار الغنية المصدرة للنفط في خلق هوية لمواطنيها مبنية في المقام الأول على المنافع التي تتيحها لهم الجنسية وتنكرها على غيرهم, كما مر في الفصل الثالث. وقد أدى ذلك لتجاهل الروابط القومية مع مواطني الأقطار العربية الأخرى الذين هاجروا إلى الأقطار الغنية, مما أدى عمليا إلى التمييز ضدهم في كافة مجالات الحياة. وبعبارة أخرى, أخذت الهوية "الخليجية" تحل تدريجيا محل الهوية "العربية" بالنسبة للمواطنين هناك, منذ إنشاء مجلس التعاون الخليجي.

        وأخيراً, فإن الصراع الفكري بين الوحدويين والسياديين العرب قد تعمق نتيجة لزيادة الثروة النفطية. فالمنطق الوحدوي يقول بأن الثروة النفطية هي ملك للأمة ككل وليست فقط ملكاً للأقطار التي تنتج النفط, لذلك ينبغي أن تستثمر في الوطن العربي أولاً. وتستند هذه المقولة على حقيقة أن الزيادة الكبيرة في أسعار النفط ما كانت لتحدث لولا الحظر النفطي الذي فرض لمساندة حرب أكتوبر/تشرين أول عام 1973, والتي خاضتها في المقام الأول أقطار غير مصدرة للنفط. وبالرغم من ذلك, فإن السياديين كانوا غير عابئين بالصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها الأقطار العربية الفقيرة, وما كان يعاني منه العراق بعد الحرب العراقية~الإيرانية. وهكذا أسهمت كل تلك الاختلافات في إذكاء الصراع العربي~العربي, مما أدى لتصاعد الأزمة العراقية~الكويتية في عام 1990 وإلى الحرب التي تلتها في عام 1991. وبالرغم من كل ما قيل آنفاً, فإن الصراع بين العرب لم يكن ليتطور إلى هذا الحد الدموي المدمر لولا تأثير الدول الغربية ومصالحها في الوطن العربي, وهو الموضوع الذي سيتم بحثه في الفصل الخامس.

 

ملحق 4

مصطلحات معاصرة في القومية العربية

 

ارتبط مفهوم القومية بعدة مفاهيم أخرى استعملها الكتاب العرب في عصور مختلفة, من أهمها الوطنية, والأمة, والدولة, والقطر, والوطن. فالقومية هي نتاج التفاعل بين المواطنين المقيمين على نفس التراب ويتكلمون نفس اللغة. فالتفاعل بينهم يؤدي لإيجاد شبكة من الروابط التي تتقوى بالتعاون والتزاوج والمصالح المشتركة فيما بينهم.[59] كذلك تشير القومية إلى اعتزاز الناس بأمتهم وخصالها الحميدة وأصولها ولغتها ومنجزاتها. وعلى الرغم من أن النهضة القومية العربية الحديثة تعود إلى أوائل القرن العشرين, إلاّ أن استخدام مصطلح "القومية" نفسه يعود إلى القرن السابع الميلادي كما لوحظ في كتابات ليحيى بن مسعده. وفي الثمانينات من القرن التاسع عشر, عرَّف سليم البستاني القومية بأنها التضامن الذي ينتج من التفاعل بين الناس الذين يشتركون في الدين واللغة ويسكنون نفس الموطن. وقد أضاف الزهاوي إلى تلك المقومات التاريخ والتقاليد والمصالح المشتركة.[60]

أما مصطلح "الأمة" فيشير إلى جماعة من الناس كثر عددهم أو قل, لكنهم يشتركون في صفة أو أكثر, مثل الدين والمكان والزمان. وطبقاً للمسعودي, فإن العيش في نفس الموطن أو المكان هو ما يجعل من الناس أمة معينة.[61] كذلك يطلق مصطلح "الأمة" على جماعة من الناس الذين لهم نفس الاعتقادات الدينية, أو نفس اللغة, أو نفس العادات والتقاليد. وقد أكد كل من الكواكبي والأفغاني على أهمية اللغة كمتطلب أساسي لوجود الأمة.[62] وهكذا يمكن أن توجد أمم مختلفة, لكن الإحساس بوجودها لدى أفرادها هو الذي يخلق الروابط القومية بينهم. وهنا تجدر الإشارة إلى اختلاف الوحدويين والسياديين في فهمهم واستعمالهم لمصطلح الأمة. فالأمة عند الوحدويين تشير إلى كل العرب في مختلف أقطارهم, بينما تشير عند السياديين إلى مواطني الدولة القطرية فقط. ومثال على ذلك تسمية المجلس النيابي على أنه مجلس الأمة عند السياديين ومجلس الشعب أو المجلس الوطني عند الوحدويين.[63]

        أما مصطلح "الدولة" فيشير إلى الإرادة الجماعية للأمة التي تعبر عنها حكومتها. وهي موجودة لدى السياديين ولكنها لم تتحقق بعد عند الوحدويين الذين يستعملون مصطلح "القطر" الأكثر دقة واتساقاً مع الفكر القومي العربي. كذلك فإن الدولة وحكومتها لا يمكن وجودهما بدون أرض, وهي الوطن. وهكذا فإن "الوطنية" هي الولاء للأرض وللمجموعة السكانية التي تقطنها, وهنا يكون التركيز على أهمية الحدود والموقع الجغرافي لذلك الوطن.[64] كذلك فإن مفهوم "الوطن" مقترن بمفهوم المأوى والبيت والسكن, أي بمفهوم الأرض أيضاً.[65] ولا ينبغي أن تتناقض الوطنية مع القومية, كما حاول السياديون أن يفعلوا جاهدين حتى الآن. وإذا كانوا قد حققوا بعض النجاح في أطروحاتهم التي تكرس التجزئة, فإن ذلك قد حدث دون إعطاء المواطن العربي حرية الاختيار. فالعرب يعيشون داخل حدود "الدول" القطرية مكرهين, ويحرمهم ذلك من التفاعل مع بقية أشقائهم في أرجاء الوطن الأخرى. لذلك, يمكن القول بأن النضال من أجل الوحدة العربية هو نضال من أجل السماح للمواطن العربي أن يعيش في وطنه بشكل طبيعي وبدون إكراه على البقاء داخل حدود مفروضة علية قسراً. فالوحدة العربية ستتيح للمواطن العربي فرصة تحقيق ذاته وإطلاق إبداعاته وتحقيق أمنياته من خلال التفاعل مع بقية أبناء أمته من غير قيود أو حدود. صحيح أن التسعينات من القرن العشرين قد دللت على قوة السياديين, وعلى أن الولاء للدولة القُطرية قد تغلب على الولاء للأمة, لكن ذلك كله كان كبوة لا بد أن تصحو الأمة منها وتصح, وعسى ألا يكون ذلك ببعيد.

 

 

ملحق 4

الجمعيات القومية العربية خلال الحكم العثماني

 

     برزت خمس جمعيات قومية عربية رئيسة في أوائل القرن العشرين, تعبيراً عن أماني وطموحات المثقفين العرب آنذاك. كان بعضها يحاول صياغة علاقات جديدة بين العرب والأتراك في ظل الدولة العثمانية, وكان بعضها الآخر يطالب بالاستقلال. كانت أولها جمعية "الإخاء العربي~العثماني," التي تأسست في اسطنبول في عام 1908, وكانت تدعو للمساواة بين شعوب الدولة العثمانية. ولم تستمر لأكثر من ثمانية أشهر بسبب عدم اهتمام الأتراك الانضمام لها. وكانت الثانية تدعى الجمعية "القحطانية." وقد تأسست في عام 1909, وكانت تدعو إلى اللامركزية وإلى إقامة مملكة عربية داخل كيان الدولة العثمانية. وتأسست الثالثة في القاهرة في عام 1912, وأطلق عليها مؤسسوها اسم "حزب اللامركزية الإدارية العثماني." وقام الحزب بترتيب انعقاد أول مؤتمر عربي من نوعه, وذلك في باريس في عام 1913. ودعا المؤتمر إلى الاعتراف بالعرب كأمة واحدة داخل التحالف السياسي العثماني. أما الجمعية الرابعة, فكانت تدعى "العربية الفتاة." وتأسست في باريس, في عام 1911, ثم نقلت مقرها الرئيس إلى بيروت في عام 1913, وبعد ذلك إلى دمشق في عام 1914. وكان جل أعضائها من العرب المسلمين الذين دعوا لاستقلال الوطن العربي عن الدولة العثمانية. وأخيراً, قام عزيز المصري ومجموعة من الضباط العرب في الجيش العثماني بتأسيس جمعية "العهد" في عام 1914. وقد ضمت "العهد" و"العربية الفتاة" صفوفهما في دمشق, في عام 1915, استعداداً للثورة العربية. وسرعان ما تم القضاء على الجمعيتين عندما قام والي سوريا العثماني, جمال باشا السفاح, بإعدام معظم مؤسسيهما في دمشق وبيروت, في عامي 1915 و 1916.[66]

جدول 1.4

آراء الطلبة العرب في مفهومي الأمة والدولة*

(ملخص لسبع دراسات)

السنة     المؤلفون        الجامعات       عدد الطلاب   ترتيب أولويات الانتماء

 

1959   مليكيان و دياب   الأميركية/بيروت   207   الأسرة, الانتماء القومي, الدين,

                                                         الجنسية القُطرية, الحزب السياسي.

1974   مليكيان و دياب  الأميركية/بيروت   114     الأسرة, الانتماء القومي, **الجنسية

                                                        القُطرية, الدين, الحزب السياسي.

1978   بول ستار        الأميركية/بيروت            ربع الطلاب عرَّفوا أنفسهم بأنهم

                                                       عرب أولاً.

1978   توفيق فرح       جامعة الكويت     420    الدين,*** الأسرة, الجنسية القُطرية,

                                                       الانتماء القومي, الحزب السياسي.

1981   فيصل السالم     جامعة الكويت    1,393+  الدين هو الانتماء الأول.

                                                     64 % رفضوا فكرة وطن عربي واحد.

                                                     22 % فقط عرَّفوا أنفسهم بأنهم عرب.

                                                     20 % عرَّفوا أنفسهم بأنهم خليجيون.

                                                     51 % لم يعرفوا بوجود حدود بين

                                                            الأقطار العربية.

1983   توفيق فرح      كاليفورنيا         100    الدين, العقيدة السياسية, الجنسية

                                                     القُطرية, الانتماء القومي, الأسرة.

1984   ستيوارت ريسر   شمال شرق     595    53 % وضعوا القومية العربية أولاً.

                           الولايات المتحدة          24 % وضعوا الجنسية القُطرية أولاً.

                                                     14 % وضعوا الدين أولاً.

المصدر: فرح (1988) Farah .

* في كل واحدة من هذه الدراسات, كان الطلاب يمثلون عدة أقطار عربية.

** الطلاب الفلسطينيون وضعوا الانتماء القومي أولاً, والانتماء للحزب السياسي ثانياً, والأسرة ثالثاً.

*** أكد الفلسطينيون والبحرانيون واليمنيون على الانتماء القومي أولاً.

+ 71% منهم كُنَّ طالبات من أقطار الخليج العربي.

جدول 2.4

الديون العربية الخارجية (ببلايين الدولارات الأميركية) وسكان الوطن العربي (بالملايين)

 الأقطار العربية              السكان                            الديون

     1979*     1995**       (1995)**                        

     23.376      33.5         28.00            الجزائر         

0.172       02.8         00.58البحرين                     

    -----      00.18          00.50جزر القمر                  

     -----      00.22         00.42          جيبوتي                   16.037      34.6          62.30 مصر                      

            20.60                95.0              ----              العراق

1.946                    5.9         04.20الأردن                             -----       9.0         01.80الكويت                                0.421        3.2         03.70لبنان                        

      -----       4.3         05.20ليبيا                                  -----        2.3         02.30موريتانيا                        8.494        22.0          28.00المغرب                            0.584        ----          02.00عمان                                ----        ----              02.4+    فلسطين            

     -----       3.9          00.53قطر                       

        -----      22.4           18.70السعودية                     -----       2.5           07.35             الصومال               17.0           30.00السودان                   

سوريا                     15.50                    22.2           ------

    4.809       9.9             08.90تونس                          -----       3.9             02.9الإمارات                          1.520       8.9            14.70اليمن                          61.602     303.714++      241.88 المجموع        

* الجاسم (1981: 32-36), ** EIU (1996): Arab World on Line.

+ داخل الأراضي الفلسطينية ++ بلغت ديون الأقطار غير المصدرة للنفط وحدها حوالي 120 بليون دولار.

ملاحظات ومصادر



 [1] اصطلاح "الأقطار" العربية أصح من اصطلاح "الدول" العربية, ليس فقط من منظور قومي عربي وإنما لأن الكثير من الأقطار العربية لا تتوفر بها مقومات الدول المستقلة ذات السيادة, مثل تلك القائمة في منطقة الخليج العربي. لذلك, فإننا سنستخدم اصطلاح "الأقطار" ولو أنه أقل شيوعا بدلاً من اصطلاح "الدول" الأكثر شيوعاً.

 

[2] Botev (1994); Sekulic and Massey (1994). 

[3] Tudjman (1981: 153-232).

[4] The Economist (1990: 21-23, 30-32); Al-Ibrahim (1975: 122); Alessa (1981:

  16-18, 44-55); Brand (1988); Russel (1989); Shah and Al-Qudsi (1989);

  Farah et. al., (1980).

 

[5] "السياديون" هنا, اصطلاح يشير إلى أفراد النخب الحاكمة في الأقطار العربية الذين يفضلون الحفاظ على استقلال "دولهم" والتمتع بسيادتها في حدودها المعترف بها دولياً, والتي رسمها المستعمرون الأوروبيون. أما اصطلاح "الوحدويين", فهو يشير إلى المنادين بتوحيد الأقطار العربية في كيان قومي واحد. وينفرد العرب بهذا الوضع عن باقي التجمعات القومية في العالم اليوم. وأقرب مثال للحالة العربية تاريخياً كان حال الدويلات الألمانية والإيطالية قبل توحيدها في القرن التاسع عشر.

[6] Mackey (1992: 14).

[7] Ismael (1993: 1-14).

[8] Kelly (1964: 260-280).

[9] Lienhardt (1993: 46).

 

 

[10] ولا تزال النجوم الثلاث في العلم العراقي تشير إلى تلك المحاولة, كما تشير نجمتا العلم السوري إلى تجربة الوحدة السورية~المصرية.

[11] Farah (1988).

[12]  وصل مجموع سكان أقطار الخليج العربي في الثمانينات إلى حوالي 26.1 مليون نسمه. ومع ذلك, وباستثناء السعودية والبحرين, فمعظم السكان هم من المهاجرين الذين لا يحملون جنسية هذه الأقطار, ولا يشاطرون الأقلية من المواطنين آراءهم بخصوص قضية الوحدة. وبينما يمثل العدد الإجمالي لسكان أقطار مجلس التعاون الخليجي حوالي 11 بالمائة من سكان الوطن العربي, إلاّ أن المواطنين في هذه الأقطار ربما يمثلون حوالي 5 بالمائة من العرب (الأزهري, 1984: 9).

[13] Farah (1988).

[14] Dickson (1956: 136-140); Joudah (1964: 52-61); Assiri (1990: 54-55);

الرشيد (1960: 121-127). أنظر الفصل الأول.

[15]  يشير اصطلاح "الاستعمار" إلى المرحلة الثالثة من تطور الرأسمالية العالمية, وذلك بعد المرحلة التجارية ومرحلة تكوين المستعمرات الاستيطانية.

(Wallerstein, 1975).

والواضح أن هذا الاصطلاح لا يعبر عن الحقيقة, والأحرى تسمية هذه المرحلة من تطور الرأسمالية "بالاستغلال" أو "العدوان" بدلاً من "الاستعمار," التي ربما تشير خطأً إلى الإعمار والتعمير.

 

[16] راجع الفصل الأول, خاصة المارديني (1980: 127-138).

[17] Cleveland (1971).

 [18]  جاسم (1972: 9-16, 37-38). 

[19]  عيلبوني (1981: 54-60).

[20]  باستثناء عامي 1984 و 1986, لعدم توفر معلومات عنهما لدى المؤلف.

[21] The Economist (October 24, 1998: 41-42).

[22]  هويدي (1981: 706-708).

 

[23]  والحقيقة أن الديون المصرية الخارجية كان يمكن أن تكون أكثر من ذلك بكثير لولا المسامحة التي حصلت عليها مصر من الدائنين الغربيين في مقابل موقفها من الأزمة العراقية~الكويتية في عام 1990 (كما هو موضح في الفصل الثامن).

 

 [24]  الدجيلي (1986: 126).

 

 [25]  الاقتصاد العربي (رقم 71, يونيو/حزيران-يوليو/تموز 1982: 15-25).

[26] Sabagh (1988).

[27] Russell (1980).

[28]  الاقتصاد العربي (رقم 71, يونيو/حزيران-يوليو/تموز 1982: 15-25).

[29]  وربما كان تعيين بشاره أيضا إشارة لبقية العرب بأن المجلس ملتزم بالقضية الفلسطينية, خاصة أن بشاره قد اشتهر على خلفية توسطه لعقد اجتماع بين ممثل فلسطين في الأمم المتحدة  (زهدي الطرزي) ومندوب الولايات المتحدة (أندرو يانغ). وعلى الرغم من أن الاجتماع تم انتقاده من قبل الأعضاء الموالين لإسرائيل في الكونغرس, مما أدى إلى استقالة يانغ, إلاّ أن بشاره قد اكتسب شهرة على إثر ذلك.

[30] Al-Iktissad Al-Arabi (No. 61, July 198: 23-27).

 

[32] Timmerman (1991: 374).

 

  راجع تعريف العرقية والعنصرية في الملاحظة الثانية من الفصل الثالث.[33]

 

[34] Sekulic and Massey (1994).

[35] Comaroff (1995: 5).

[36] Hardin (1995).

[37] Stern (1995: 99-120).

[38] Hardin (1995: 39-40).

[39] Tiryakian (1995).

[40] Posen (1995: 149, 161-162).

[41] Comaroff (1995: 254-255).

[42] Tilly (1995).

 

[43]  هذه هي المقولة الأساسية التي ترتكز عليها نظريات التبعية, والتنمية, والنظام الاقتصادي العالمي, خاصة عند أندريه غندر فرانك وايمانويل ولرستين. ((Wallerstein, 1974; Frank, 1972; 1967

 

[44]  ودليل على ذلك مثلا, أنه على الرغم من مرور عقدين من الزمان, لا زال مجلس التعاون الخليجي كما هو, تجمع أمني بالدرجة الأولى, ولم يتطور إلى مراحل متقدمة من الوحدة السياسية أو الاقتصادية.

(1896)[45] Bourke

 

أنظر على سبيل المثال البحث الذي كتبه بورك عن أثر الحضارة العربية على

الثقافة الأسبانية.

 

[46]  وقد قاد تلك الحملة القائد القرطاجي هاني بعل, في عام 218 قبل الميلاد. واستمرت الحملة حتى عام 202 قبل الميلاد عندما اضطر هاني بعل للعودة إلى قرطاجنة للدفاع عنها من الغزو الروماني المضاد. وفي العام التالي, أي 201 قبل الميلاد, لجأ هاني بعل لسوريا طالباً الحماية من ملكها أنطاكيوس الثالث, الذي منحه إياها مما أغضب الرومان عليه (Encarta, 1993).

 

[47]  ساطع الحُصْري هو أحد رواد الفكر القومي العربي. وقد شغل عدة مناصب إدارية في أجزاء عديدة من الدولة العثمانية, خلال الجزء الأخير من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وعندما انهارت الدولة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى, تم تمزيق الأمة العربية إلى كيانات سياسية تخضع مباشرة للإدارة الاستعمارية الأوروبية. وكانت ردة فعل الحُصْري وزملائه من الرواد أن الأمة العربية ليست فقط قادرة على محاربة المستعمرين الأوروبيين والتخلص منهم بل على تحقيق وحدتها القومية أيضاً. وقد عمل الحُصْري كمسئول عن التعليم في بعض الأقطار العربية, خاصة سوريا والعراق. ونتيجة لدراسته للتجارب القومية الأوروبية, كان يدرك أهمية المناهج التعليمية في زيادة الوعي القومي لدى المواطنين العرب. لذلك فإنه كان ينادي بأن زيادة وعي العرب بتاريخهم ولغتهم سيسهم في تحقيق الوحدة العربية, ذلك لأنهم سيدركون بأنهم أمة واحدة, وأن عزتهم تكمن في وحدتهمCleveland (1971).  

[48] Cleveland (1971).

[49]  الجابري (1982: 245-295).

 الصلح (1981: 218-222). [50]

 البشري (1981: 289- 297).[51]

 البشري (1981: 289- 297).[52]

 عماره (1981: 169-175).[53]

 البشري (1981: 298-299).[54]

[55] Farah (1988).

[56] Ghareeb (1981: 54).

 نصر (1981: 248-255).[57]

 هويدي (1981: 267-268).[58]

 خلف الله (1981: 17-29).[59]

 الدوري (1981: 31-40).[60]

 خلف الله (1981: 17-29).[61]

 الدوري (1981: 31-40).[62]

 الخولي (1981: 51).[63]

 خلف الله (1981: 17-29).[64]

 الدوري (1981: 31-40).[65]

 عماره (1981: 160-162).[66]