الفصل الحادي عشر

ما بعد الحرب

 

بسم الله الرحمن الرحيم

"لَئنْ بسطتَ إليَّ يدَكَ لِتقتُلَني ما أنا بباسط يديَ إليكَ لأَقتُلَكَ إنِّي أخافُ اللهَ ربَّ العالمين." المائدة-28.[1]

 

          نبه تطور أزمة الخليج والحرب التي أعقبتها إلى جملة من الحقائق الهامة التي لا تحظى بالنقاش العام في الوطن العربي والولايات المتحدة على حد سواء. فأولاً, أثبتت الأزمة أن غياب الرقابة المتبادلة والتوازن بالإضافة إلى النفوذ المتعاظم لصقور الحرب على الرئيس الأميركي قد عرَّض الديمقراطية الأميركية للخطر. ثانياً, بسبب النفوذ الطاغي الذي يمارسه أعوان إسرائيل[2] من الخبراء على قرار الحرب, يمكن اعتبار حرب الخليج بأنها كانت الحرب العربية~الإسرائيلية السابعة, التي قاتل فيها غير الإسرائيليين ضد أعداء إسرائيل من العرب.[3] ثالثاً, كانت الحرب فرصة ذهبية للصناعات العسكرية وللمستفيدين منها في الغرب لتدعيم رأيهم في ضرورة إيجاد حرب باردة جديدة, تحل من خلالها الجماعات الأصولية الإسلامية محل الشيوعيين المهزومين في الحرب الباردة الأولى كأعداء جدد للغرب. رابعاً, أدى التدخل الغربي لصالح الأنظمة المطلقة في الخليج العربي إلى تقويتها في صراعها ضد الوحدويين والقوميين العرب. ولم يؤدِ ذلك التدخل إلى إدخال إصلاحات ديمقراطية حاسمة في  تلك الأنظمة, لكنه أدى إلى زيادة إنفاقها العسكري. أخيراً, عندما تتم مقارنة رد إدارة بوش على الغزو العراقي للكويت مع موقفها من الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية, يظهر للعيان مثالاً صارخاً على ازدواج المعايير في العلاقات الدولية. وسيتم البحث في هذه الأمور الخمسة ومناقشتها في هذا الفصل, بوصفها من أهم نتائج حرب الخليج التي نادراً ما تناولها المؤلفون الآخرون.

 

حرب الخليج والديمقراطية الأميركية

 

        لقد تم اتخاذ قرار الحرب في الولايات المتحدة خلال الأسبوع الأول الذي تلا الغزو العراقي للكويت. فقد اختار الرئيس بوش الحرب تحت تأثير أعوان إسرائيل من الخبراء غير المنتخبين في إدارته. وهذه الحقيقة تشير إلى مكمن ضعف في المسار الديمقراطي الأميركي, من شأنه أن يحرم الكونغرس من المشاركة الفعلية في صنع قرار الحرب. كذلك أظهرت المداولات التي سبقت اتخاذ القرار بأن إدارة بوش لم يتوفر بها نظام الرقابة المتبادلة والتوازن المفروض وجوده في أجهزة الحكومة الأميركية. ويعود ذلك لغياب المستعربين المتعاطفين مع العرب, الذين كان من شأن وجودهم أن يوازن نفوذ أعوان إسرائيل من خبراء الإدارة. وعلى ذلك, فلم يكن مسار اتخاذ القرارات في إدارة بوش ديمقراطياً البتة. وقد ذكر كل من برنت سكوكروفت[4] ومساعده ريتشارد هاس[5] في مذكراتهما بأن قرار الحرب قد تم اتخاذه فعلياً خلال اجتماع مجلس الأمن القومي الذي انعقد بعد الغزو بيومين. وعبَّرا عن خيبة أملهما لِما حدث خلال الاجتماع الأول للمجلس (الذي انعقد بعد الغزو مباشرة), وخاصة عدم اهتمام أعضاء المجلس آنذاك بإظهار معارضتهم للغزو. لذلك, قرر هاس وسكوكروفت أن يعربا عن معارضتهما القوية للغزو في الاجتماع الثاني للمجلس. وعندما فعلا ذلك, فإنهما أثرا على الأعضاء الآخرين في المجلس, وعلى الرئيس, الأمر الذي أدى بهؤلاء جميعاً إلى معارضة الغزو أيضاً. وقد ساعدهما لاري إيغلبرغر في إنجاز المهمة (وهو الذي كان يحضر الجلسات بصفته نائباً لوزير الخارجية, الذي كان خارج البلاد), ولكن أعضاء المجلس الآخرين سهَّلوا عليهما ذلك باستعدادهم لتغيير مواقفهم دون نقاش, خاصة لأن الأمر كان فيه مصلحة لإسرائيل وللنخبة الأميركية الحاكمة المتحالفة معها. والحقيقة أن حرب الخليج قد أنعشت العسكرية الأميركية, التي توقع بعض الكتاب أن تتناقص أهميتها بعد انتهاء الحرب الباردة. لكنَّ الجنوح إلى الحرب قد عكس استمرار نفوذ كل من المؤسسة العسكرية والصناعات العسكرية على صناعة القرارات السياسية. فاستمرت الميزانية العسكرية في المحافظة على المبالغ الضخمة من الأموال المخصصة لها, حتى مع عدم وجود أعداء ظاهرين للولايات المتحدة. وأدى ذلك إلى استمرار التراكم الهائل للدين القومي واستمرار حرمان الفقراء من الخدمات والمساعدات التي يحتاجونها ويستحقونها.

        صحيح أن الإنفاق العسكري السنوي المباشر في الولايات المتحدة بدأ في التناقص بعد انتهاء الحرب الباردة وحرب الخليج, لكنه بقي أعلى إنفاق عسكري في العالم (كما يوضح الجدول رقم 1.5). فقد بلغ حوالي 276 بليون دولار في عام 1998, و 270.6 بليون دولار في عام 1999, و 280.8 بليون دولار في عام 2000, ومن المتوقع له أن يبلغ 305.4 بليون دولار في عام 2001. وقد بلغ مجموع الإنفاق على البرامج العسكرية والدفاعية التابعة لوزارة الطاقة حوالي 265.5 بليون دولار في عام 1999, و 274.1 بليون دولار في عام 2000, كما رُصد له 277.5 بليون دولار في عام 2001. أخيرا, فإن المبالغ المقررة للميزانية العسكرية خلال الفترة 2001-2005 يتوقع لها أن تزيد على 1.6 ترليون دولار.[6]

        والحقيقة أن الولايات المتحدة لا تزال تنفق على مؤسستها العسكرية من الأموال ما يزيد على إنفاق جميع الدول الصناعية السبعة الرئيسة الأخرى. ففي عام 1997, بلغ إجمالي الإنفاق العسكري في كندا, وفرنسا, وألمانيا, وإيطاليا, واليابان, وروسيا, وبريطانيا مجتمعة حوالي 223 بليون دولار (جدول رقم 1.11). وهكذا, زاد الإنفاق العسكري في الولايات المتحدة عن مثيله في الدول الصناعية السبعة الرئيسة بمقدار 1.2 مرة, مع أن هذه الدول تزيد في عدد سكانها على الولايات المتحدة بنسبة اثنين إلى واحد (1:2). فبينما كان هناك حوالي 560 مليون نسمة يعيشون في تلك الدول في عام 1997, كان عدد سكان الولايات المتحدة حوالي 268 مليون نسمة, في نفس العام.[7]

        ويصبح الإنفاق العسكري الضخم في الولايات المتحدة أكثر وضوحاً عند مقارنته بمثيله في الصين. ففي عام 1997, وصل تعداد سكان الصين إلى حوالي 1.23 بليون نسمة, بلغ حجم إنفاقهم العسكري حوالي 75 بليون دولار. وهذا يعني أن الإنفاق العسكري في ذلك العام قد كلف الشخص الصيني الواحد حوالي 61 دولاراً. وفي المقابل, وصل تعداد الولايات المتحدة إلى حوالي 268 مليون نسمة, قاموا بإنفاق حوالي 276 بليون دولار على مؤسستهم العسكرية. وعلى ذلك, فإن الإنفاق العسكري المباشر قد كلَّف كل مواطن أميركي حوالي 1,030 دولاراً في ذلك العام, أي حوالي سبعة عشر ضعفاً أكثر مما كلَّف المواطن الصيني, على الرغم من أن الصينيين يزيدون على الأميركيين عدداً بأربعة أضعاف.[8]

          وتبين هذه الحقائق بما لا يدع مجالاً للشك بأن هناك مغالاة في الإنفاق العسكري بالولايات المتحدة, حتى بعد انتهاء الحرب الباردة بأكثر من عشر سنوات. ومن المدهش أن ذلك لم يؤدِ إلى احتجاج أو انتقاد من قِبَل عامة الناس أو الكونغرس, على الرغم من تفاقم مشكلة الدين القومي الهائل, الذي تراكم أساساً بسبب الإفراط في الإنفاق العسكري. والحقيقة أن الحروب الخمسة الرئيسة التي خاضتها الولايات المتحدة في القرن العشرين, بالإضافة إلى تصعيد الحرب الباردة في عهد ريغَن, قد انعكست في الزيادة الكبيرة التي أُضيفت إلى الدين القومي. ففي عام 1900, كان الدين القومي الأميركي لا يزيد عن 2.13 بليون دولار. لكنه أخذ ينمو بعد ذلك ببطء حتى وصل إلى 5.71 بليون دولار في عام 1917. ثم قفز إلى 14.59 بليون دولار في العام التالي, أي في عام 1918, وذلك استجابة للإنفاق العسكري الذي تعلق بالحرب العالمية الأولى.

        وفي عام 1942, أي في العام الذي دخلت أميركا فيه الحرب العالمية الثانية, كان الدين القومي حوالي 72.42 بليون دولار. لكنه قفز إلى 136.69 بليون دولار في العام التالي, ثم استمر في الارتفاع حتى وصل إلى 269.42 بليون دولار بعد انتهاء الحرب, أي في عام 1946. ومع أن الحرب الثالثة التي خاضتها أميركا (في كوريا) لم تؤدِ إلى زيادة كبيرة في الدين القومي, إلا أنها قد حافظت عليه في مستوى أعلى مما كان عليه خلال الحرب العالمية الثانية. وفي عام 1954, أي بعد عام من انتهاء الحرب الكورية, ارتفع الدين القومي الأميركي من جديد ليصل إلى حوالي 278.74 بليون دولار, على الرغم من الرخاء الاقتصادي الأميركي الذي تلا الحرب العالمية الثانية (حيث كانت أميركا هي الدولة الصناعية الوحيدة التي لم يتحطم اقتصادها في الحرب). وقد أسهمت الحرب الرابعة التي خاضتها أميركا (في فيتنام) في مضاعفة الدين القومي, الذي وصل إلى 576.64 بليون دولار في عام 1975, أي في العام الذي انتهت فيه الحرب (كما يوضح الجدول رقم 2.11).

        وعلى الرغم من تلك الزيادات المطردة, إلا أن الدين القومي الأميركي كان صغيراً جداً بالمقارنة مع الزيادات الخرافية التي أضيفت عليه خلال فترات حكم ريغَن, وبوش, وكلنتُن. فمع نهاية فترة حكم كارتر, في عام 1980, وصل الدين القومي إلى 930.21 بليون دولار. ولكنه تزايد بنسبة غير مسبوقة مع نهاية فترة حكم ريغَن (أي في عام 1988), فوصل إلى 2.602 ترليون دولار. واستمر ذلك النهج خلال فترة حكم بوش, حتى وصل إلى 4.064 ترليون دولار في نهاية تلك الفترة, أي في عام 1992. ومن الواضح أن سباق التسلح الذي تصاعد بشكل لم يسبق له مثيل في نهاية الحرب الباردة في عهد ريغَن وكذلك حرب الخليج في عهد بوش (أي في الفترة الممتدة من 1980 إلى 1992) قد أديا إلى الزيادة الخيالية في الدين القومي الأميركي, من أقل من ترليون دولار في نهاية عهد كارتر إلى أكثر من 4 ترليون دولار في نهاية عهد بوش. وقد أدت الزيادة المستمرة في الإنفاق العسكري الكبير في عهد كلنتُن إلى أن يصل الدين القومي إلى 5.724 ترليون دولار في مارس/آذار من عام 2000 (كما يوضح الجدول رقم 2.11).

        والحقيقة أن إدارة كلنتُن (الديمقراطية) قد أوصلت الدين القومي إلى مستويات أعلى من تلك التي وصلها خلال الفترتين الرئاسيتين الجمهوريتين السابقتين, أي أن الديمقراطيين ليسوا بأفضل حالاً من الجمهوريين فيما يتعلق بالإنفاق العسكري. فبينما زاد الدين بنسبة 35.7 بالمائة خلال حكم ريغَن و 64 بالمائة خلال حكم بوش, فإنه زاد بنسبة 70.9 بالمائة خلال فترتي حكم كلنتُن.

وتفسير ذلك أن كلنتُن قد نافس الرئيسين الجمهوريين اللذين سبقاه في إحاطة نفسه بصقور الحرب الذين يفضلون زيادة الإنفاق العسكري, وبالتالي زيادة الدين القومي. فقد اختار أل غور ليكون نائباً له, وذلك لأنه أثبت أنه أحد صقور الحرب عندما ترك صفوف الحزب الديمقراطي وصوَّت لصالح الحرب في مجلس الشيوخ, في عام 1991. ولم يكتفِ بذلك, فعيَّن أحد الجمهوريين (وليام كوهين) وزيراً للدفاع لنفس السبب أيضاً (أي لكونه أحد الصقور الذين صوتوا للحرب في مجلس الشيوخ, بالإضافة لكونه من أشد أعوان إسرائيل في المجلس), وكأنه لا يوجد بين الديمقراطيين من هو أهل للمنصب. ونظراً لانشغاله بفضائحه النسائية والملاحقات القانونية المتعلقة بها طيلة فترتي رئاسته, فإنه قد ترك تخطيط وتنفيذ السياسة الخارجية "للخبراء" من أعوان إسرائيل في الإدارة. وكان على رأس هؤلاء دينيس روس (الذي منح نفسه لقب المبعوث الرئاسي), و ساندي بيرغر (مستشار الرئيس لشئون الأمن القومي), ووليام كوهين (وزير الدفاع), و مادلين أولبرايت (وزيرة الخارجية). وعندما حان الوقت لظهور أل غور على الساحة ليخلف كلنتُن, فإنه اختار نائباً له أحد صقور الحرب الآخرين من أعوان إسرائيل, وهو جوزف ليبرمان, الذي كان هو الآخر قد صوت لصالح الحرب في مجلس الشيوخ. وكان فوز غور~ليبرمان في حكم المؤكد, لولا المشاركة الكبيرة للعرب والمسلمين وأنصار البيئة واليساريين في الانتخابات. فهذه الفئات, كانت إما غائبة أو قليلة المشاركة في الانتخابات الماضية. ولكنها تحركت, وصوَّت معظمها لصالح رالف نادر أو بوش الأصغر للحيلولة دون نجاح غور~ليبرمان. ولو حدث ذلك, لكانت أكثر إدارة موالية لإسرائيل في تاريخ أميركا. وإنصافاً للرئيس كلنتُن, فإن الرؤساء الأميركيين, ديمقراطيين كانوا أم جمهوريين, ليسوا إلا واجهة للحكام الحقيقيين للولايات المتحدة, الذين يسيطرون على الاقتصاد الأميركي, خاصة الصناعات العسكرية والنفطية والمالية والإعلامية, وجلهم من أعوان إسرائيل.

وهكذا, وكما توقع الرئيس أيزنهاور (الفصل الخامس), فإن النفوذ المتعاظم للمؤسسة العسكرية قد سيطر على صنع القرارات السياسية, وبالتالي فإنه قد أضرَّ بالديمقراطية الأميركية إلى حد بعيد. وقد ساعد في ذلك وجود سلطات كبيرة ممنوحة للرئيس الأميركي. فخلال أزمة الخليج, أثبت الرئيس بأنه قادر على اتخاذ قرار الحرب دون استشارة الكونغرس أولاً. وكل ما فعله الكونغرس فيما بعد تمثل في منحه الدعم الذي يريد, لكنه كان باستطاعته شن الحرب دون موافقة الكونغرس على أية حال. وهذا يعني أنه لكي يتم منع الحروب غير الضرورية (مثل حرب الخليج) مستقبلاً, ينبغي على الكونغرس مراجعة قانون سلطات الحرب. والهدف من ذلك تقليل سلطات الرئيس بشكل يجعل موافقة الكونغرس ضرورية قبل أن يتمكن أي رئيس من إرسال القوات الأميركية إلى ساحات القتال. وفي غياب مثل تلك المراجعة, سيستمر الوضع القائم, وستتورط الولايات المتحدة في حروب كثيرة أخري. وقد أثبتت الأحداث السابقة أنه بمجرد إرسال القوات إلى أرض المعركة, فإنه لا يبقى أمام الكونغرس خيار آخر غير مساندتها. كذلك ينبغي أن يكون الكونغرس هو صاحب السلطة العليا في شن الحروب, إذا ما أُريد لنظام الحكم أن يكون ديمقراطياً.[9] فلا ينبغي لذلك الأمر الخطير أن يترك للرئيس وحده ليقرره, لأنه عادة يخضع لتأثير الخبراء والمساعدين (غير المنتخبين) في إدارته, الأمر الذي يخالف الديمقراطية (بمفهومها الغربي) التي تفترض اتخاذ القرار من قبل ممثلي الشعب بعد المداولة والنقاش. كما أن هؤلاء الخبراء والمساعدين هم عادة من صقور الحرب الذين يتحينون الفرص لإثبات الحاجة المستمرة إلى إبقاء الإنفاق العسكري على أضخم حالة ممكنة. لذلك, فإنهم ينصحون الرئيس باللجوء للحرب, بدلاً من الحلول السلمية للصراعات في العالم. وهذا بالضبط ما فعلوه في عام 1990, أي حتى بعد انتهاء الحرب الباردة. وقد كانوا يحاولون جاهدين إيجاد أعداء جدد لأميركا, ممثلين ببعض الدول والجماعات الإسلامية. وقد نجحوا في ذلك أخيراً بعد الهجمات الجوية على نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر/أيلول 2001, وأصبح لأميركا عدواً جديداً تقاتله لسنوات وربما لعقود قادمة.

وبالإضافة إلى ذلك, أصبحت الظاهرة العسكرية تتمتع بنفوذ مباشر على مسار العملية الديمقراطية في الولايات المتحدة, كما توقع الرئيس أيزنهاور. فالحزبان اللذان يتناوبان السلطة في أميركا يتبعان نفس السياسة الخارجية. وبشكل خاص, فإن الإدارات الأميركية (سواء كانت جمهورية أم ديمقراطية) ليس لديها سياسة خارجية مستقلة في الشرق الأوسط. وبدلاً من ذلك, فإنها تتبع السياسة العدوانية والتوسعية الإسرائيلية في المنطقة, وبشكل أعمى.

الحرب الباردة الثانية: الإسلاميون بدلاً عن الشيوعيين

 

        كان سقوط الاتحاد السوفيتي والحكومات الاشتراكية في أوروبا الشرقية, في أواخر الثمانينات من القرن العشرين, إيذاناً بانتهاء الحرب الباردة بين الشرق والغرب. وعلى الرغم من أن نهاية تلك الحرب غير المعلنة ربما ظهرت وكأنها أخباراً طيبةً لمعظم شعوب العالم, إلا أنها كانت تطوراً مروعاً بالنسبة للمستفيدين من تلك المرحلة. وكان بعض هؤلاء يمثلون الصناعات العسكرية, ونظم الحكم الاستبدادية, كما كان آخرون منهم من الذين جعلوا من الدفاع عن استمرار تلك الحرب مصدراً لرزقهم. وتتمثل هذه الفئة في الكثير من السياسيين, والصحفيين, والباحثين, وأساتذة الجامعات الذين يخصصون أبحاثهم لخدمة أهداف الحرب الباردة. ونتيجة لذلك, لم يكن مدهشاً أن يستميت هؤلاء المنتفعون من تلك الحرب في محاولاتهم لبدء حرب باردة ثانية. وفي هذه المرة, حاول هؤلاء المنتفعون تصوير بعض الدول والجماعات الإسلامية كأعداء جدد للغرب. وهكذا, أخذت الحكومات الغربية عموماً, والولايات المتحدة بشكل خاص (طيلة التسعينات), تركز على أن العراق, وإيران, وليبيا, والسودان, وسوريا, دول تساند "الإرهاب"[10] وبالتالي فإنها معادية للغرب. ويتمثل "الإرهاب" هنا في أعمال مقاومة الاحتلال الإسرائيلي التي قامت بها التنظيمات الفلسطينية واللبنانية, كما يشمل أعمال المقاومة التي يقوم بها المسلمون الذين يتعرضون للعدوان في أماكن مختلفة من العالم, مثل الشيشان وكشمير والفلبين. فلا زال المسلمون وديارهم وثرواتهم عرضة للعدوان الإسرائيلي والغربي السافر, طيلة النصف الثاني من القرن العشرين, ودونما احتمال لتوقفه في القرن الحادي والعشرين. وهكذا, فإن المنتفعين من الحرب الباردة وجدوا في تهمة "الإرهاب" وسيلة لتبرير العدوان الإسرائيلي~الغربي المستمر على الوطن العربي وأجزاء كثيرة من العالم الإسلامي.

          ولخيبة أمل الساعين لشن حرب باردة ثانية طيلة التسعينات من القرن العشرين, فإن معظم الأعداء الجدد لم يقبلوا القالب الذي أرادوه لهم. فقد سمح العراق لفرق التفتيش الدولية بأن تتأكد من عدم وجود أسلحة غير تقليدية على أراضيه. ونتيجة للحصار الجائر والعقوبات الاقتصادية المجحفة وغير المبرر استمرارها, فإن العراق لم يعد يشكل تهديداً للدول المجاورة. وبالنسبة لإيران, فقد اتبعت سياسة أكثر ودية تجاه أقطار الخليج العربي, التي نصَّب الغرب نفسه حامياً لها. وبالإضافة إلى ذلك, فإن المزيد من المشاركة الديمقراطية قد جعل إيران أكثر قبولاً من قِبل معظم الدول, بما في ذلك الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وحتى الولايات المتحدة, لم يكن بوسعها إلا أن تعترف بالتغيرات التي اعتبرتها إيجابية, مما جعلها ترفع كثيراً من القيود على التجارة مع إيران, في مارس/آذار 2000. كذلك, فإن ليبيا قد أدخلت تعديلات على سياستها الخارجية تجاه الغرب, الذي فرض عليها حظراً طيلة التسعينات. فتوصلت إلى اتفاق على إنهاء مشكلة لوكربي, وذلك بهدف إنهاء الحصار الجائر عليها. ونتج عن ذلك أن عادت علاقاتها الدبلوماسية مع معظم الدول الأوروبية. حتى الولايات المتحدة, نفسها, أخذت تسير في ذلك الاتجاه. فوصل وفد رسمي أميركي إلى طرابلس, في مارس/آذار 2000, لبحث سبل تحسين العلاقات مع ليبيا. وقد غيرت الحكومة السودانية من سياستها أيضاً, ودللت على تعاونها مع الغرب حتى بتسليم المناضل كارلوس إلى فرنسا لمحاكمته.[11] كذلك فإن الرئيس السوداني عمر البشير قد تخلص من نفوذ شركائه في الحكم من الإسلاميين من خلال تغيير مفاجئ في سياسته, في عام 1999. أخيراً, فإن سوريا قد بذلت أقصى ما في وسعها لتخيب أمل الساعين لاستعمالها في خلق حرب باردة ثانية. فاشتركت في حرب الخليج إلى جانب التحالف الذي قاده الغرب ضد قطر عربي شقيق لها. ثم وافقت على دخول مسار السلام, الذي سينتهي بالاعتراف بإسرائيل في مقابل استرداد مرتفعات الجولان المحتلة. ونتيجة لذلك كله, لم يعد هناك حكومات متمردة على نفوذ الغرب في الشرق الأوسط, باستثناء العراق المحاصر والخاضع للعقوبات الاقتصادية, والذي تعتدي عليه الطائرات الحربية الأميركية والبريطانية يومياً. وبكلمات أخرى, أصبحت السيطرة الغربية على الوطن العربي شبه كاملة. ومن السخف الإدعاء بأن الحكومات العربية بحالتها الراهنة يمكن أن ترتقي إلى صفة العدو للغرب في حرب باردة جديدة.

        وبالرغم من ذلك, استمرت محاولات تنصيب الدول والمنظمات الإسلامية كأعداء جدد للغرب. ويمكن إرجاع تلك المحاولات إلى الجهود الحثيثة التي يقوم بها المستفيدون من محاولة إحياء الحرب الباردة, وخاصة العاملون في بعض مراكز الأبحاث والمعاهد التي تسير في هذا الاتجاه, مثل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى (معهد واشنطن) ومجلس العلاقات الخارجية. فمنذ أن قام دينس روس ومارتن إندِك وريتشارد هاس بتأسيس معهد واشنطن في عام 1985, قاموا بنشر أحد عشر تقريراً رئيساً حذروا من خلالها جمهورهم الغربي المؤيد لإسرائيل من التهديد الذي تشكله المنظمات الإسلامية لأمن الكيان الصهيوني.

        استهدف أول تلك التقارير النشاط الإسلامي في الأردن الذي وصفه التقرير بأنه "أخطر قوة تزعزع الاستقرار هناك."[12] وحذَّر التقرير الثاني من الدور الذي يلعبه "النشاط الإسلامي" في الانتفاضة الفلسطينية. وأشار بصفة خاصة إلى التعاون بين كل من حماس والجهاد وباقي منظمات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها فتح. وخلص إلى أن العقيدة السياسية للإسلاميين ترتكز على مقولة أنه لا يوجد مكان لدولة يهودية في أرض المسلمين.[13]

        واتهم التقرير الثالث حزب الله "بأنه من خلال مواجهاته مع الغرب, إنما يسعى لتحقيق وحدته وأهدافه الخاصة به." وأشار إلى أن حزب الله يهدف إلى تبديد النفوذ الغربي والقضاء على إسرائيل.[14] وركز التقرير الرابع على أن حماس ترى الصراع العربي~الإسرائيلي على أنه صراع ديني بين الإسلام واليهودية, وأنه لا يمكن حسمه إلا بتدمير إسرائيل, وليس بمباحثات السلام.[15] وادَّعى التقرير الخامس بأن إيران قد تحدت الغرب في أربعة مجالات. فهي ترغب في السيطرة على الخليج, وفي مواجه تركيا, والحصول على القنبلة الذرية الباكستانية, كما أنها تساند حماس وحزب الله. وأوصى التقرير "بأن أفضل رد أميركي على ذلك يمكن أن يكون سياسة الاحتواء, التي اتبعتها أميركا من قبل لاحتواء الاتحاد السوفيتي أثناء الحرب الباردة." ودعا إلى عزل إيران وإضعافها اقتصادياً, لأن الضعف الاقتصادي من شأنه أن يزيد من فرص نجاح سياسة الاحتواء.[16]

        وركز التقرير السادس على أن العراق وإيران وليبيا وسوريا تشكل تحدياً للولايات المتحدة. وذكر بصيغة تحريضية بأن كل واحدة من هذه "النظم المتطرفة" تنتهج سياسات تتعارض مع الأهداف البعيدة المدى للولايات المتحدة. وأضاف أنها تسعى للسيطرة الإقليمية, واتخاذ مواقف معادية للغرب, ومساندة الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي (الذي وصفه التقرير بأنه "إرهاب"). ودعا إلى استمرار سياسة الاحتواء والعقوبات المفروضة على هذه الدول حتى تتوقف عن انتهاج سياساتها المعادية لإسرائيل.[17]

        وحذَّر التقرير السابع من الخطر الذي ستمثله الجزائر إذا ما أصبحت جمهورية إسلامية. فذكر بأن "الجزائر الإسلامية يمكن أن تؤثر سلباً على مصالح الولايات المتحدة المتمثلة في استمرار انسياب النفط والغاز بدون انقطاع, وفي مسار السلام العربي~الإسرائيلي, وأمن الحكومات العربية والأفريقية الموالية للغرب, وانتشار الأسلحة غير التقليدية, والإرهاب, وحقوق الإنسان." ولذلك, فإن التقرير قد أوصى أيضاً بأن تتبع الولايات المتحدة سياسة "احتواء نشطة" في حالة استيلاء الإسلاميين على السلطة هناك.[18]

        وحذَّر التقرير الثامن من التهديدات الإيرانية, خاصة قدرة إيران على إنتاج أسلحة غير تقليدية, وعلى إثارة عدم الاستقرار في منطقة الخليج العربي, ومساندة حزب الله.[19] أما التقرير التاسع, فقد ذهب إلى أبعد مما ذهبت إليه التقارير السابقة. فقد حذر من السماح بدخول الطلاب المسلمين إلى الولايات المتحدة, خاصة أولئك القادمين من إيران, والعراق, وليبيا, والسودان, وسوريا. ودعا إلى اتباع سياسة تهدف إلى منع من هو موجود من هؤلاء الطلاب في الولايات المتحدة من دراسة العلوم والتقنية. كما دعا إلى أن يقوم هؤلاء الطلاب بالحصول على تأشيرات خروج وعودة في كل مرة يغادرون فيها الولايات المتحدة إلى بلدانهم, تماماً كما تفعل إسرائيل في تحكمها بحركة الفلسطينيين كلما خرجوا أو دخلوا بلادهم.[20]

        وركز التقرير العاشر على إظهار التعاون بين الإسلاميين في المناطق الفلسطينية التي احتلت في عام 1948 (التي سميت إسرائيل) والإسلاميين في المناطق التي احتلت في عام 1967. فمنذ الانتفاضة الأولى التي بدأت في عام 1987, أخذت الحركة الإسلامية في "إسرائيل" تساند الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية الأخرى. وهكذا, فإنها قوَّت من علاقاتها مع منظمتي حماس والجهاد الإسلامي. كما إنها توسطت بين حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية في بعض الأوقات, ثم أصبحت مصدراً للمساعدات الإنسانية والاقتصادية المقدمة للمؤسسات التي تشرف عليها حماس.[21]

        وحذَّر التقرير الحادي عشر الولايات المتحدة من إظهار حماسها بشأن السياسات المعتدلة التي ينتهجها الرئيس الإيراني محمد خاتمي. ودعا إلى أن يتم الحوار مع إيران مع استمرار فرض العقوبات الاقتصادية عليها. وأكد على أنه إذا كانت إيران تريد علاقات طبيعية مع الولايات المتحدة, فعليها أن تنتهج سياسة معتدلة نحو إسرائيل, قولاً وفعلاً. فينبغي على خاتمي أن يتوقف عن الحديث عن شرور الصهيونية, وعن أن القرارات الأميركية المتعلقة بالشئون الخارجية تصنع في تل أبيب, وليس في واشنطن. كما حذَّر التقرير إيران بأن تتوقف عن محاولة إنتاج أسلحة الدمار الشامل وجعلها من ضمن ترسانتها العسكرية. ودعا التقرير الإدارة الأميركية بالاستمرار في فرض العقوبات الاقتصادية على إيران حتى يحدث ذلك.[22]

        ومن الواضح أن تقارير معهد واشنطن تلك كانت تهدف إلى تصوير هذه المجموعة من الدول والمنظمات الإسلامية على أنها معادية للغرب عامة, وللولايات المتحدة على وجه الخصوص. ولا يمكن للادعاءات الواردة في تلك التقارير أن تصمد أمام لحظة من التدقيق. فالحقيقة أن هذه الدول قد ساندت المقاومة الفلسطينية واللبنانية الباسلة ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية. وأي صراع حدث بين هذه الدول والغرب في هذه الحالة, إنما كان نتيجة للموقف الغربي المنحاز والمساند للاحتلال الإسرائيلي. والأهم من ذلك أن تلك التقارير تعتبر أمن الاحتلال الإسرائيلي مصلحة للغرب عامة وللولايات المتحدة بشكل خاص. والنتيجة أن معهد واشنطن قد نجح في حملته لجعل الدول والمنظمات الإسلامية المقاوِمة للعدوان الصهيوني تبدو وكأنها هي عدوة الغرب, وخاصة الولايات المتحدة, مع أن الحقيقة تكمن في أن الغرب هو الذي يناصب العرب والمسلمين العداء من خلال مساندته للاحتلال الإسرائيلي, ومن خلال نهبه لثروات الأمة, وشن الحروب عليها.

        أما مجلس العلاقات الخارجية, فقد أسهم هو الآخر في الجهود الرامية إلى استعمال "الخطر الإسلامي" بهدف الدعوة لبدء حرب باردة جديدة. فقد حاول مؤلفون عديدون المناداة بذلك من خلال نشر مقالاتهم في مجلة المجلس المعروفة, "شئون خارجية." فوصف برنارد لويس الصراع المقبل في العالم (بعد الحرب الباردة الأولى), بأنه "صدام حضارات" بين الإسلام والغرب.[23] التقط هنتنغتون هذه الفكرة من لويس, وخلص إلى أن العالم الإسلامي والعالم الغربي يسيران على خط واحد ولكنْ في اتجاهين متعاكسين, الأمر الذي سيؤدي إلى الصدام بينهما في النهاية.[24] وأفردت وسائل الإعلام الغربية لكل من لويس وهنتنغتون اهتماماً أكبر مما تستحقه الفكرة التي روجا لها.[25] والحقيقة أنهما قد أظهرا جهلاً أساسياً لحركة التاريخ وعمل النظام العالمي. فصحيح أن هناك صدامات في عالمنا بين القوى العظمى أو بين إحداها وأخرى صاعدة, ولكن هذه الصدامات ليست بين حضارات, وإنما بين القوى المتنافسة داخل الحضارة الإنسانية السائدة. وقد قادهما عدم فهمهما لكيفية عمل النظام الرأسمالي العالمي إلى الاعتقاد بأن الصراعات العالمية أساسها التناقض في الأفكار ونظم المعتقدات. وذلك مناف للحقائق التاريخية التي برهنت على أن الصراعات في العالم أساسها التنافس على الثروات, ممثلة في المواد الخام, والأسواق, والأراضي, والمنافع المادية الأخرى. وقد لاحظ إدوارد سعيد بأن هنتنغتون متشبث بهذه الفكرة الخاطئة عن الحضارة وكأنها كتلة متجانسة لا تحتوي أية اختلافات داخلية.[26] كذلك, أصر لويس وهنتنغتون على أن الثقافات  المختلفة (التي تتشكل منها الحضارة) هي قوالب متحجرة لا تتفاعل مع بعضها البعض, وذلك يتناقض مع أبسط الحقائق المعروفة عن الثقافة, خاصة كونها دائمة التفاعل والتكيف مع بيئتها ومع الثقافات الأخرى. وأسخف ما في تلك الفكرة خلوها من التحليل الطبقي. فهي تصور الغرب ككل وكأنه في صراع مع العالم الإسلامي ككل, بدون تداخل أو اختلاف داخلي. فهل للطبقات العاملة والفقيرة في الغرب مصلحة في هذا الصراع؟ أم أنه يمثل مصالح الطبقات الحاكمة في المجتمعات الغربية, التي تطمع في استمرار بسط نفوذها على العالم الثالث حتى تتمكن من الاستمرار في نهب ثرواته؟ ثم ألا توجد هناك تحالفات بين الطبقات الحاكمة في الغرب من ناحية والكثير من الطبقات الحاكمة في العالم الثالث عامة, والشرق الأوسط على وجه الخصوص؟ الإجابة على هذه الأسئلة جميعاً تؤكد أن الصراع في العالم متداخل وأساسه استئثار الأقليات الحاكمة بالثروة على حساب الطبقات العاملة والفقراء في كل مكان.[27]

        وسواء كان لويس وهنتنغتون من الجهلة أم من المخادعين, فإن المهم أن الفكرة التي روجا لها قد استخدمت لتبرير استمرار الظاهرة العسكرية في الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة الأولى. وعلى أية حال, فإن هنتنغتون لم ينتظر طويلاً وألقى ما في جعبته في النهاية, كاشفاً عن هدفه الحقيقي دون خجل أو حياء. فقال إنه من الضروري إيجاد عدو لأميركا لإنقاذها من التفكك. وأضاف بأنه لا يمكن لأميركا أن تعرف نفسها وتحافظ على هويتها من الضياع والسقوط إلا بإيجاد عدو لها في كل مرحلة![28] والحقيقة أنه كان بذلك يعبر عن واقع الحال الذي تعيشه النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة. ذلك الواقع الذي لخصه نصير عاروري في قوله بأن الولايات المتحدة فيها سلطة تشريعية (الكونغرس) هي الأكثر رجعية, وغطرسة, وجنوح للحرب في التاريخ الحديث. كما أن لديها وسائل إعلام تتأرجح بين مساندة سياسة الإدارة الأميركية وبين المطالبة بإجراءات أقوى ضد العراق. وفيها مؤسسة عسكرية تحاول إعادة صياغة أهدافها, وتريد تجربة أسلحتها والمفاخرة بها, وهي في حالة بحث دائم عن عدو حتى تتمكن من الاستمرار في الحصول على مخصصاتها المالية الضخمة.[29]

        وبالطبع فإن لويس وهنتنغتون ليسا الوحيدين الذين سعيا للاستفادة من حرب باردة جديدة يكون المسلمون فيها هم أعداء الغرب. فقد حذَّر ريتشارد بوليت من أن الجماعات الإسلامية (من الجزائر إلى لبنان) ربما تحاول أن "تكسر السلام الهش" بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل (كذا, كما لو أنه كان هناك سلام بالفعل).[30] وادَّعت جودث ميللر بأن الإسلاميين ليس لديهم التزام بالديمقراطية, ولا بالتعددية, ولا بحقوق الإنسان.[31] وانتقد إدوارد شيرلي إدارة كلنتُن لفتحها مباحثات مع الإسلاميين الجزائريين. واقترح أن تتجاهل واشنطن "المتطرفين" الإسلاميين, وتتركهم يحرقون أنفسهم لأن الزمن يسير إلى جانب الغرب.[32] أخيرا, ادَّعى فؤاد عجمي بأن ظهور الحركة الإسلامية (التي يسميها الإسلام السياسي) كان ردة فعل على التدهور الخطير للأوضاع الاقتصادية في المنطقة (أي أنه ليس تصدياً للعدوان الإسرائيلي~الغربي على الأمة وخيراتها). وخلص إلى أن خروج العرب والمسلمين من هذا الوضع يكمن في تقبلهم ما تريده منهم أميركا وإسرائيل (أي الإستسلام!).[33]

        وبالإضافة إلى كُتَّاب تقارير معهد واشنطن ومقالات مجلة "شئون خارجية," فقد راجت تجارة الحرب الباردة الثانية بفضل مجهودات مجموعة ثالثة من المنتفعين, المعروفين في أجهزة الإعلام بأنهم "خبراء الإرهاب." فقد ادعى هؤلاء طيلة التسعينات بأن الغرب مهدد من قبل "إرهابيي" الشرق الأوسط. وعدد كبير من هؤلاء هم من العسكريين الإسرائيليين المتقاعدين, أما الباقون فهم من أعوان إسرائيل أو المتعاطفين معها. وقد سطع نجم واحد من هؤلاء في أجهزة الإعلام الأميركية (التي هي في غالبيتها إسرائيلية الولاء), وهو ستيف إميرسون, الذي ظهر في معظم المحطات التلفزيونية الأميركية على إثر حادثة تفجير المبنى الاتحادي في مدينة أوكلاهوما, في عام 1994. وخلال الساعات القليلة التي تلت الانفجار, اعتقد إميرسون أنه قد وجد الدليل الذي كان يبحث عنه طيلة السنوات الماضية. فأخذ يكرر في كل مقابلة تلفزيونية أجريت معه بأن الانفجار عليه بصمات الشرق الأوسط, خاصة الجماعات الإسلامية. لكنْ, سرعان ما ثبت خطأ رأيه عندما تم إلقاء القبض على تِمَثي مكفيه, الذي اعترف بالمسئولية عن الانفجار.[34] وعلى الرغم من ذلك, فلم يعتذر إميرسون عن آرائه المنحازة والمتطرفة وغير الدقيقة, والتي اتهمت العرب والمسلمين الأميركيين بتدبير الانفجار. كذلك فإن المحطات التلفزيونية التي بثت أكاذيبه لم تعتذر هي أيضاً (تماماً مثلما حدث بالنسبة لفرية حاضنات الأطفال الكويتيين السابق ذكرها).[35]

        والحقيقة أن الكثيرين من هؤلاء المنتفعين من مشروع الحرب الباردة الثانية هم من أعوان إسرائيل, الذين لا يتورعون عن فعل أي شيء يستطيعونه من أجل تلطيخ سمعة المنظمات العربية والإسلامية, سواء التي تقاوم الاحتلال الإسرائيلي, أو التي تقوم بأعمالٍ خيرية في الوطن العربي والعالم الإسلامي . وقد بذل "خبراء الإرهاب" هؤلاء أقصى ما في وسعهم للفت نظر الناس بعيداً عن العمل الشرير الذي تمارسه إسرائيل, ألا وهو الاحتلال, وذلك بالتركيز على ردة الفعل العربية على ذلك العمل الشرير, أي المقاومة. وهكذا, وصموا منظمات المقاومة كلها, بما في ذلك حماس والجهاد وحزب الله, على أنها منظمات إرهابية, تماماً كما وصمت منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها المختلفة من قبل. ولخيبة أمل أولئك "الخبراء," فإن الكفاح الفلسطيني المسلح قد انخفض بدرجة كبيرة منذ توقيع اتفاقية أسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية, في عام 1993. وتوقفت حماس والجهاد -- شأنهما في ذلك شأن باقي المنظمات الفلسطينية -- عن الأنشطة العسكرية, خاصة من مناطق السلطة الفلسطينية. وعندما انقضت الفترة الانتقالية (في عام 1999) دون انتهاء الاحتلال الإسرائيلي وقيام الدولة الفلسطينية, كما نصت الاتفاقية, اكتشف الشعب العربي الفلسطيني عدم جدية الإسرائيليين في تنفيذ الاتفاقيات المبرمة. لذلك, اندلعت الانتفاضة الثانية في 28 سبتمبر/أيلول من عام 2000 تعبيراً عن رفض استمرار الاحتلال الإسرائيلي وعن الإصرار على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

        وينطبق الحال نفسه على حزب الله, الذي بدأ في ممارسة الكفاح المسلح كرد فعل على الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان. واستمر ذلك الكفاح حتى اضطر الإسرائيليون للخروج من جنوب لبنان مهزومين, في مايو/أيار من عام 2000. والحقيقة أنه خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان والتي بدأت منذ عام 1978, كان الإسرائيليون هم الإرهابيين الذين عاثوا في الجنوب فساداً يقتلون اللبنانيين ويعتقلونهم ويدمرون ممتلكاتهم.

        وجملة القول أن "خبراء الإرهاب" قد قدموا للمنتفعين من الحرب الباردة الأولى الوقود الذي كانوا يحتاجونه في سعيهم نحو إحداث حرب باردة جديدة. فقدموا الجماعات الإسلامية على أنها هي الخطر الجديد على الغرب, بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. وقد نجحوا في مسعاهم خلال النصف الأول من التسعينات, لكنَّ مشروعهم بدأ يضعف في النصف الثاني منها عندما بدا مسار السلام العربي~الإسرائيلي وكأنه يسير إلى الأمام. ومنذ اندلاع الانتفاضة الثانية في 28 سبتمبر/أيلول 2000, عاد هؤلاء الخبراء للعمل بنفس الطريقة من جديد. وبعد ذلك بعام, أي على إثر الهجوم الذي تعرضت له نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر/أيلول 2001, حقق المنتفعون من الحروب هدفهم  عندما قامت الحكومة الأميركية, يساندها في ذلك حلف الأطلسي, بإعلان الحرب على الدول والمنظمات "الإرهابية" والمساندة "للإرهاب" في العالم. وكان ذلك إعلاناً رسمياً بالحرب الباردة الثانية التي ستمتد لسنوات عديدة, تحقق الصناعات العسكرية الأميركية خلالها أرباحاً طائلة, كما تحاول إسرائيل خلالها أيضاً إخضاع الشعب العربي الفلسطيني ليوقف مقاومته للاحتلال. وفي النهاية, يعود الاستعمار الغربي المباشر للعالم الثالث, وخاصة الوطن العربي. وبدأت الحرب الباردة الثانية في أفغانستان وفلسطين, وستمتد إلى باقي أنحاء العالم الإسلامي التي تبدي أية مقاومة للهيمنة الغربية على مقدرات المسلمين.

 

لا رحمة ولا ندم

 

        لقد أضحى واضحاً أن للمنتفعين من الحرب الباردة والمؤسسات التي يتبعونها مصلحة في بقاء التوترات حية ونشطة في بعض أجزاء العالم. ومثال على ذلك أن العراق لا زال يعاني من العقوبات الاقتصادية لأكثر من عشر سنوات بعد انتهاء حرب الخليج. وهذا يدل على أن المنتفعين بالحرب الباردة لا أحاسيس لهم فيما يتعلق بالمعاناة الإنسانية. فليس لديهم رحمة ولا يحسون بندم تجاه ما يعانيه العراقيون. فقد أدت الحرب والحصار الجائر إلى وفاة أكثر من مليون ونصف من العراقيين في الفترة الواقعة ما بين عام 1990 و عام 1999. وقد نتجت تلك الوفيات بصفة رئيسة عن التأثير المزدوج للتدمير الواسع للبضائع الأساسية, والخدمات, والصناعات, وكذلك عن أكثر العقوبات الاقتصادية شمولية في العصر الحديث. ففي عام 1999, وصل عدد وفيات الأطفال العراقيين ممن هم تحت سن الخامسة إلى عشرة أضعاف ما كان عليه في عام 1989. كما بلغ مجموع الأطفال العراقيين الذين توفوا تحت سن الخامسة نتيجة للحصار أكثر من نصف مليون طفل.[36] وكما بينت هدى صالح مهدي عماش, فإن هذا العدد الهائل من الوفيات لم ينتج عن الحصار والعقوبات فحسب, وإنما عن تأثير حوالي 300 طن من اليورانيوم المتستنفذ, ومن التلوث الإلكترو~مغناطيسي, ومن تدمير البنى التحتية العراقية أثناء الحرب.[37]  وبالرغم من هذه المعاناة الهائلة, فإن أعضاء النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة لا يظهر عليهم التأثر بما يرون أو يسمعون. فعلى ما يبدو, فإن الحصار المفروض على العراق يهدف إلى إبقاء التوتر في الوطن العربي, خدمة لمصالحهم كمنتفعين من مشروع الحرب الباردة الثانية.

        ونفس الموقف موجود بين الكثيرين من أعضاء النخب الحاكمة في الوطن العربي. فلم يظهر هؤلاء رحمة أو ندماً على معاناة العراقيين. ولا زالوا مصممين على معاقبة الشعب العراقي كله, خاصة أطفاله الأبرياء. ووضعهم ذلك الموقف في تناقض رئيس مع واحد من أهم تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف, والذي يقضي بأنه لا ينبغي محاسبة أحد على أفعال آخر, كما قال الله عز وجلَّ "وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى."[38] وقد استمر قادة دول التحالف طيلة السنوات العشر التي أعقبت الحرب بالزعم بأنه لا يوجد لديهم مشكلة مع الشعب العراقي.[39] لكن معظمهم لم يتبعوا أقوالهم بأفعال تساندها. وبإصرارهم على استمرار الحصار, فإنهم لا يظهرون بالفعل أي إحساس بالمعاناة التي يتعرض لها العراقيون. كما أنهم لا يبدون أي ندم على ما سببوه للأطفال العراقيين الأبرياء. واستمرت العقوبات الاقتصادية على الرغم من أن العراق قد نفذ جميع قرارات مجلس الأمن,[40] بما في ذلك المزاعم الكويتية بخصوص وجود مفقودين كويتيين في العراق.

        والحقيقة أن مشكلة المفقودين الكويتيين قد تم حلها بعد الحرب مباشرة. فخلال مؤتمر صفوان الذي عقد في 3 مارس/آذار 1991, تساءل ممثل السعودية الفريق خالد بن سلطان (الذي كان مرافقاً للقائد الأعلى لقوات التحالف, الفريق شوارزكوف) عن مصير حوالي 5,000 من المدنيين الكويتيين الذين وصفهم بأنهم أُخذوا إلى العراق ضد رغبتهم. فرد عليه المندوب العراقي, الفريق سلطان هاشم أحمد, بأن العراق لا يمانع عودتهم إلى الكويت إذا ما كانوا يرغبون في ذلك. وبالفعل, قام العراق بعد المؤتمر مباشرة بالإفراج عن 6,500 من المدنيين وأسرى الحرب الكويتيين. ومنذ ذلك الحين, لم يبق إلا حوالي 600 من المفقودين الكويتيين الذين لا يعرف عنهم العراق شيئاً, وبالتالي فإن هذه المسألة لم تعد تشكل مشكلة حقيقية بين العراق والكويت على الرغم من أن الحكومة الكويتية لا تزال تستخدمها لإبقاء الحصار على العراق. فلا يوجد سبب للعراق يجعله يحتفظ بهم إذا ما كانوا لا يزالون على قيد الحياة.[41] والحقيقة أن هناك مفقودين عراقيين لا يعرف عنهم ذووهم شيئاً, وهم أيضاً يستحقون أن يتم البحث في مصيرهم, حتى يعود من بقي منهم على قيد الحياة, وحتى تعرف أسر الباقين منهم بأنهم قد توفوا.

        وكان الاقتتال العربي من أكثر نتائج حرب الخليج مدعاة للحزن, خاصة لوقوف عرب مع غير العرب في قتال إخوانهم وأبناء أمتهم. وعلى الرغم من أنها لم تكن المرة الأولى التي قاتل فيها عربٌ عرباً آخرين, إلا إنها كانت أكثرها إراقة للدماء والتدمير. فخلال الحرب العالمية الأولى, قاتل السعوديون ضد الرشيديين والهاشميين وانتصروا عليهم. وتحالف مبارك الصباح مع بريطانيا, وشن هجمات ضد العراق العثماني. وكان ذلك بالفعل اقتتالاً عربياً داخل إطار الحرب العالمية الأولى. وفي الستينات من القرن العشرين, كان هناك اقتتال عربي في اليمن شمل المصريين والسعوديين واليمنيين. وخاضت قوات الثورة الفلسطينية معارك دفاعاً عن وجودها في الأردن ولبنان, خلال السبعينات. كما حدثت حروب أهلية في الجزائر, ولبنان, والصومال, والسودان, خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين. لكنَّ حجم الدمار الذي أصاب العراق, وكمية الدم العراقي المراق لم يسبق لهما مثيل في التاريخ العربي (الفصل التاسع).

          لذلك, فإن حرب الخليج لن يكون من السهل نسيانها. فالعراقيون والكويتيون يشعرون بالمرارة وسيستمرون في ذلك الشعور لزمن طويل. وربما يأتي يوم يشعر فيه أعضاء التحالف من العرب بالذنب نتيجة لحجم الخسائر العراقية في الأرواح والممتلكات. وأهم من ذلك أن انقسام الأقطار العربية, الذي سبق الأزمة, حل محله عدم الثقة, والخوف, والمرارة بعد الحرب.

        فلأول مرة, تمكنت قوات من السعودية, ومصر, وسوريا, والمغرب, وأقطار مجلس التعاون الخليجي الأخرى من أن تقاتل معاً, ولكنْ للأسف ضد قطر عربي آخر, هو العراق. وحتى عندما قامت مصر والأردن وسوريا من تشكيل الجبهة الشرقية لتقاتل إسرائيل معاً تحت قيادة الفريق عبد المنعم رياض, في الأول من يونيو/حزيران 1967, فإن ذلك الجهد لم يكتمل, حيث قامت إسرائيل بالمبادرة بالهجوم بعد ذلك بعدة أيام, أي في 5 يونيو/حزيران 1967. وفي حرب عام 1973, وعلى الرغم من أن مصر وسوريا قد بدأتا القتال معاً بإسناد من العراق, إلا إنهما قد أنهتاه متفرقتين. وهكذا, فإن المرة الوحيدة التي تعاونت فيها بعض الأقطار العربية للقتال معاً كجبهة واحدة خلال القرن العشرين, كانت للأسف ضد قطر عربي آخر شقيق.[42] وقد عبَّر القائد السعودي للقوات العربية المشاركة في التحالف عن شعوره (الضمني) بالذنب نتيجة الخسائر الجسيمة في الأرواح والممتلكات العراقية. فذكر بأن مضيفي التحالف (يقصد السعوديين):

"لم يكن لديهم الرغبة في تدمير الاقتصاد العراقي ولا في التسبب بالمعاناة غير الضرورية للشعب العراقي, ولا في غزو العراق والاستيلاء على أراضيه. فقد أُعطيت القوات التي كانت تحت قيادتي أوامر صارمة بعدم وضع قدم واحدة داخل العراق. فقد قمنا بالقتال ضد العراق طالما كان ذلك ضرورياً لإخراج القوات العراقية من الكويت ولحماية استقلالنا."[43]

        كذلك عبَّر بن سلطان عن عدم شعوره بالارتياح نحو الإسراف في قتل العراقيين وإراقة دمائهم دونما ضرورة لذلك, خاصة ما جرى بالقرب من نهر الفرات أثناء انسحاب القوات العراقية, ابتداء من 26 فبراير/شباط 1991. فذكر بأن الفرقة 101 الأميركية المحمولة جواً قد قامت بتنفيذ أكبر عملية للطائرات المروحية في التاريخ, لكن ذلك قد حدث ضد عدو لم يعد يقاتل.[44] وأضاف بأن ذلك أدى إلى أن "الرأي العام العالمي قد بدأ يتمرَّد ضد المزيد من القتل في تلك المعركة التي بدا واضحاً أنها كانت غير متكافئة."[45]

        وفي 27 مايو/أيار 1991 (أي بعد الحرب بثلاثة أشهر), كتب خالد بن سلطان رسالة للملك فهد قدم فيها استقالته, التي قبلت في 24 سبتمبر/أيلول 1991. وخلال المدة الواقعة بين كتابة الاستقالة وقبولها, سافر بن سلطان إلى الخارج وعزل نفسه عن الجميع, بما في ذلك زوجته وأطفاله. واعترف بأنه غالباً ما كان يعاني من أحلام مفزعة عن القتال, والموت, والمسئوليات الجسيمة التي تحملها. ونتيجة للعدد الهائل من الشهداء العراقيين الذين استشهدوا أثناء الحرب البرية, أصبح دفنهم من الوظائف الرئيسة التي أنيطت بالقوات السعودية المشاركة في التحالف. فقد خصصت مجموعات سعودية من 12 فرداً لتصاحب الوحدات الأميركية والبريطانية والفرنسية بهدف دفن الشهداء العراقيين.[46]

        ومن العجيب أنه مهما بلغت قسوة بني آدم, فإنهم لا يقدرون على رؤية جثث الضحايا الذين يقتلونهم. وربما كان ذلك هو سبب السرعة في دفنهم. وكانت تلك هي الحال منذ فجر التاريخ. فعندما قام قابيل بقتل أخيه هابيل, لم يجد حلاً لمشكلته إلا بدفن جثة أخيه. وربما ظن أنه بذلك يستطيع إخفاء جريمته, لكن ذلك لم يحدث. فالقصة أصبحت معروفة ولن يكون بالإمكان طمسها أبداً.

        وعلى الرغم من هذه المشاعر التي عبَّر عنها قائد القوات العربية التي شاركت في التحالف, إلا أن حكومتي الكويت والسعودية لم تعيدا النظر في موقفيهما من ضحايا الحرب. فالشعب العراقي لا زال يعاني نتائج الحرب منذ عام 1991. ولا يوجد سبب منطقي لاستمرار الحظر والعقوبات الاقتصادية المفروضة عليه بعد أكثر من عشر سنوات من نهاية الحرب. كما أن الحكومتين لم تعيدا النظر أيضاً فيما فعلتاه في ضحاياهما من المهاجرين الفلسطينيين واليمنيين. ولم تُبدِ الحكومتان أي ندم على الظلم الذي أوقعتاه بهم بطردهم من البلدين دون ذنب اقترفوه. فحوالي مليون من اليمنيين, الذين عاشوا في السعودية لعشرات السنين, تم طردهم فجأة من البلاد بسبب الطريقة التي صوتت بها الحكومة اليمنية في الجامعة العربية والأمم المتحدة بشأن الأزمة العراقية~الكويتية. وهكذا, اعتبرت الحكومة السعودية المهاجرين اليمنيين مسئولين عن موقف الحكومة اليمنية, التي لم يكن لهم عليها أي نفوذ, خاصة لكونهم يعيشون في السعودية. وعلى الرغم من أن الحكومتين السعودية واليمنية قد استعادتا العلاقات بينهما ووقعتا اتفاقية حدودية, فإن الحكومة السعودية لم تفعل شيئا لحل مشكلة المهاجرين اليمنيين المظلومين. فلا زال هؤلاء ممنوعين من العودة للسعودية, على الرغم من أنهم لم يهددوا أمنها ولم يشاركوا في القتال. فقد مورست حالة من الظلم الشديد ضدهم, ولم يتم إنصافهم بعد, ولأكثر من عشر سنوات على انتهاء الحرب.

        ويبقى فلسطينيو الكويت أيضاً دونما اعتراف بمأساتهم من قبل الحكومة الكويتية وباقي حكومات دول التحالف العربية منها وغير العربية. فقد قامت الحكومة الكويتية بطرد أو عدم السماح لأكثر من 450,000 منهم بالعودة إلى الكويت بعد الحرب. وقد عاقبتهم بذلك بسبب الموقف الذي اتخذته القيادة الفلسطينية بمساندة العراق. وبالإضافة إلى ذلك, فإن آلافاً منهم قد قُتلوا أو عُذبوا خلال الحملة الإرهابية التي شنتها عليهم الحكومة الكويتية لمدة ثلاثة أشهر متصلة بعد الحرب, ولأكثر من سنتين بشكل متقطع بعد ذلك. وعلى الرغم من أن الكويتيين المسئولين عن تلك الجرائم والفظائع معروفون محلياً وعالمياً (الفصل العاشر), إلا إنه لم تتم معاقبتهم ولم يقدموا للمحاكمة على جرائم الحرب التي ارتكبوها ضد الإنسانية. فقد قتلوا وعذبوا الآلاف من المدنيين الأبرياء لا لسبب إلا لأنهم فلسطينيون أو بدون أو مهاجرون عرب. وما حدث في الكويت لم يكن إلا تطهيراً عرقياً ضد فئات معينة من غير الكويتيين. والأهم من ذلك أن الحملة الإرهابية الكويتية قد حدثت تحت سمع وبصر قوات التحالف, التي لم تفعل شيئاً يذكر لإيقافها. ومن الملفت للنظر أن قادة دول التحالف لا يزالون يتجنبون ذكر هذا الموضوع من قريب أو بعيد, لدرجة أنه أصبح وكأنه محرَّم الحديث عنه. ومهما يكن من أمر, فإن مأساة ضحايا الحملة الإرهابية الكويتية ستستمر كمظلمة معلقة حتى يتم إنصاف ضحاياها.        

 

ديمقراطية الأنظمة العربية

 

        لم يكن في وسع إدارة بوش الزعم بأنها ذهبت للحرب دفاعاً عن الديمقراطية في شبه الجزيرة العربية. فعندما قام العراق بغزو الكويت في 2 أغسطس/آب 1991, كانت الكويت ترزح تحت حكم ملكي مطلق. فقد حل الأمير مجلس الأمة قبل ذلك بأربعة أعوام لأن بعض أعضائه تجرأوا على انتقاد تصرفات بعض أعضاء الأسرة الحاكمة. ولم تكن أي من أقطار الخليج العربي الأخرى تحت حكم ديمقراطي أيضاً. فالسعودية لم يكن بها أية مشاركة ديمقراطية في جميع المستويات الحكومية (المحلية والإقليمية والوطنية). وكانت قطر والبحرين وعُمان ملكيات مطلقة أيضاً. أما الإمارات, فكان لها مجلس وطني استشاري, غير منتخب, وقراراته غير ملزمة بالنسبة للحكومة. وقد تم تجاهل هذه الحقيقة في الخطاب السياسي في دول التحالف خلال الأزمة وكذلك بعد الحرب التي شنها التحالف ضد العراق. فمعظم أعضاء النخب الحاكمة في الغرب, بما في ذلك السياسيون, والصحفيون, والإعلاميون, ومؤلفو الكتب, كانوا يتحدثون عن "الدكتاتورية" في العراق ويتجاهلون أنظمة الحكم العربية التي شاركت في التحالف ضد العراق, والتي كانت إما ملكيات أو جمهوريات مطلقة. كما تجاهلوا دكتاتورية الطبقات الرأسمالية الحاكمة في الغرب عامة, وفي الولايات المتحدة على وجه الخصوص, والتي تهيمن على النظام السياسي, مع أنها أقلية ضئيلة في المجتمع.

        وبقليل من المقارنة, يمكن اكتشاف أن الرئيس العراقي ربما لا يزيد في سلطاته عن السلطات التي يتمتع بها الرئيس الأميركي, الذي يستطيع شن الحرب دون الرجوع إلى الهيئة التشريعية (الكونغرس). وقد تحددت هذه السلطات طبقاً للدستور العراقي المؤقت, الذي صدر في عام 1968, بعكس كثير من الملكيات والجمهوريات المطلقة في المنطقة, التي إما أنها بغير دساتير أو أن دساتيرها لا تحدد سلطات رئيس الدولة. ويتبع العراق نظام الحزب الواحد, بينما يتناوب على حكم الشعب الأميركي حزبان فقط, صمما النظام السياسي بطريقة تجعل من المستحيل على أحزاب أخرى أن تشارك في الحكم. ولا تزال الملكيات المطلقة في شبه الجزيرة العربية لا تسمح بقيام أحزاب سياسية, ولا تزال الجمهوريات العربية تحكم بلا أحزاب أو بحزب واحد. وبالنسبة لحقوق الأقليات, فإن أكراد العراق قد منحوا حكماً ذاتياً. وأصبح لهم مجلس تنفيذي وكذلك مجلس تشريعي مؤلف من خمسين عضواً, منذ عام 1980. كما أنهم يستعملون لغتهم الكردية ويعلمونها لأطفالهم في المدارس. وفوق ذلك, فإن التلفزيون العراقي يبث باللغة الكردية في بعض ساعات إرساله. وبذلك, فإن أكراد العراق أفضل حالاً من إخوانهم وأخواتهم في الدول المجاورة. والرئيس العراقي هو أيضاً رئيس مجلس قيادة الثورة ورئيس مجلس الوزراء (كما هو الحال بالنسبة للرئيس الأميركي الذي يرأس مجلس الوزراء أيضاً). وتعقد الانتخابات التشريعية في العراق بانتظام, وكان آخرها في مارس/آذار 2000. ويتكون المجلس الوطني العراقي (الهيئة التشريعية) من 250 عضواً ينتخبون بالاقتراع المباشر لمدة أربع سنوات. وتدل الشواهد التاريخية أن المجلس الوطني العراقي كان دائماً مسانداً لقرارات الرئيس الخاصة بقضايا السلم والحرب, تماماً كما هو الحال بالنسبة لموقف الكونغرس الأميركي من قرارات الرؤساء الأميركيين المماثلة. أي أن الرئيس العراقي له نفس سلطات الرئيس الأميركي في هذا الشأن, ومع ذلك فالنقد دائماً يوجه لسلطات الرئيس العراقي وحده, وذلك نوع من النفاق السياسي.

        وبالنسبة لمصر وسوريا اللتين شاركتا في التحالف, فلم تكونا أكثر ديمقراطية من العراق. فقد حكم الرئيس حسني مبارك مصر منذ اغتيال الرئيس السادات, في عام 1980. وفي كل مرة تم فيها إعادة انتخابه, كان هو المرشح الوحيد للرئاسة. كذلك فإن الرئيس حافظ الأسد قد حكم سوريا منذ عام 1970, وكان هو أيضاً المرشح الوحيد للرئاسة في كل مرة أُعيد انتخابه فيها حتى وفاته في عام 2000. صحيح أن الانتخابات التشريعية تعقد في البلدين بانتظام, ولكن الحزبين الحاكمين هناك قد استمرا في السلطة لعشرات السنين بسبب وجود نفس الرئيس على رأسها. ولا يمكن الخروج من حالة الركود السياسي هذه إلا بتحديد مدة حكم الرئيس بفترتين رئاسيتين, أو بنقل سلطة الحكم الحقيقية من رئيس الدولة إلى رئيس الوزراء. وفي هذه الحالة, يصبح رئيس الدولة رمزاً للبلاد لكنه لا يحكم. ويصبح الحكم الحقيقي في يد زعيم الحزب الذي يفوز بالأغلبية في المجلس التشريعي أو النيابي. أما بالنسبة للبنان, فبعد خمسة عشر عاماً من الحرب الأهلية, التي كان من المأمول أن تسفر عن إلغاء النظام الطائفي, عاد اللبنانيون إلى ذلك النظام من جديد. وعاد معه توزيع المناصب على السياسيين على أساس مواقعهم داخل طوائفهم. وبالنسبة للرئيس اللبناني, فعلى الرغم من تنافس أكثر من مرشح على المنصب, إلا أن الفائز لا زال ينبغي أن يكون مارونياً, كما أن الاقتراع مقصور على أعضاء مجلس النواب, وليس مباشراً من قبل الشعب. ومع ذلك, فإن لبنان يتميز عن باقي الأقطار العربية بهامش أكبر من حرية الصحافة بسبب وضعه الطائفي أيضاً.   

        أما بالنسبة لأقطار مجلس التعاون الخليجي, فقد تم إدخال بعض التغييرات التي أسهمت في حدوث بعض المشاركة الشعبية في الحكم, خلال التسعينات. فقد عين الملك فهد مجلساً للشورى مكوناً من ستين عضواً, في عام 1992, ثم زادهم إلى تسعين في عام 1997. لكن المجلس لا يتمتع بسلطة التشريع, وليس له صلاحية مراقبة الحكومة, وتوصياته غير ملزمة لها. كما تمت استعادة السلطة التشريعية في الكويت, لكن بدون أية تغيرات في النظام التعسفي التمييزي المتبع. فلا يزال مجلس الأمة الكويتي حكراً على الرجال, ولا تزال المرأة الكويتية محرومة من حق التصويت أو الترشيح. وهكذا, فإن الغالبية الساحقة من سكان الكويت (أي النساء, والبدون, والمهاجرين) لا يزالون محرومين من أبسط حقوق الإنسان السياسية. وبالإضافة إلى ذلك, تمكنت النخبة الحاكمة من التخلص من الجالية الفلسطينية التي كانت تعد بأكثر من 450,000 نسمة, ومن حوالي 150,000 من البدون, الذين كان معظمهم مؤهلين للحصول على الجنسية الكويتية لو تم تطبيق قانون الجنسية بأمانة وبدون تعديلات مستمرة عليه. ولو حدث ذلك, لزاد عدد الناخبين ممن ينتمون للطبقة الوسطى والطبقة العاملة, الأمر الذي يمكن أن يقوي شأفة المعارضة في سعيها نحو إصلاحات ديمقراطية حقيقية ومشاركة أوسع في الحكم.

        وكانت صورة التغيرات أكثر إشراقاً في عُمان وقطر. ففي عُمان, أُجريت انتخابات على جميع المستويات الحكومية, بمشاركة الرجال والنساء, وأسفرت عن فوز بعض النساء في مجلس الشورى. وفي قطر, أُجريت انتخابات للمجالس البلدية, اشترك فيها الرجال والنساء أيضاً. كما انتهجت قطر سياسة مرنة بالنسبة لحرية التعبير بسماحها لمحطة الجزيرة الفضائية بالبث بدون رقابة إلى حد بعيد. وكان ذلك تطوراً لم يسبق له مثيل في الوطن العربي, أدى إلى ظهور فضائيات أخرى بمساحات من حرية الرأي مثل تلفزيون أبو ظبي. فأصبح بمقدور المثقفين من جميع أنحاء الوطن العربي الاشتراك في مناقشات ومناظرات حول قضايا كان من المستحيل مناقشتها على الهواء في السابق. وبالتأكيد, فإن ظهور المزيد من الفضائيات التي تعطي الحرية لمعدي البرامج والضيوف والمشاركين سيؤدي لا محالة إلى خدمة قضيتي الديمقراطية والوحدة في الوطن العربي. ويكفي تلفزيون الجزيرة فخراً أنه كان المصدر الوحيد للأخبار في العالم من داخل أفغانستان, خلال الأزمة والحرب الأميركية على أفغانستان في الربع الأخير من عام 2001, وحتى خروج طالبان من المدن الأفغانية. وقد أثار ذلك حفيظة المحطات التلفزيونية الموالية لإسرائيل في الولايات المتحدة, وكذلك حفيظة المسئولين الأميركيين, الذين كانوا يتمنون تعتيماً إعلامياً كاملاً على ما يجري داخل أفغانستان.

        أما الأقطار التي ناصرت العراق أثناء الأزمة, فإنها شهدت تغيرات أكثر إيجابية في مسيرتها الطويلة نحو مزيد من المشاركة الديمقراطية. فقد بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية في فلسطين, في عام 1996, حوالي 86 بالمائة في قطاع غزة وحوالي 68 بالمائة في الضفة الغربية. وكان انخفاض النسبة في الضفة الغربية بسبب العراقيل الإسرائيلية التي فرضت على سكان القدس والكثير من القرى. كذلك فإن الرئيس ياسر عرفات أصبح أول رئيس عربي يفوز في اقتراع شعبي مباشر على منافس له. وكانت الانتخابات مفتوحة أمام كافة الأحزاب والمنظمات الفلسطينية, التي وافقت على العملية السلمية.[47] وكانت السيدة سميحة خليل مرشحة اليسار الفلسطيني لمنافسة عرفات على الرئاسة. وعلى الرغم من أنها حصلت على 17 بالمائة من الأصوات, إلا أن مشاركتها كانت علامة بارزة على الطريق نحو مزيدٍ من المشاركة الديمقراطية في الوطن العربي. ومثلت اليمن تطوراً ساطعاً آخر بالنسبة لقضية الديمقراطية العربية. فقد تمكن اليمنيون من قبول فكرة تعدد الأحزاب, فتشكلت أحزاب سياسية عديدة, الأمر الذي أتاح الفرصة لمزيد من المرشحين لدخول الانتخابات التشريعية والرئاسية. ففي عام 1999, تنافس الرئيس على عبد الله صالح على الرئاسة مع الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني. وعلى الرغم من فوز الرئيس صالح, إلا أن ذلك كان تطوراً حميداً في مسيرة الديمقراطية العربية. وفي الأردن, أصبح النظام الملكي أكثر دستورية بعد أن اجتاز امتحان المزيد من المشاركة الديمقراطية بعد وفاة الملك حسين. فقد سمحت الحكومة بتأليف العديد من الأحزاب السياسية التي خاضت الانتخابات وعبرت عن آراء أعضائها من خلال صحفها ومجلاتها. وعلى الرغم من أنه لا تزال هناك قيود على الأحزاب والنقابات, إلا أن المسيرة نحو مزيد من المشاركة الديمقراطية في الأردن قد حققت تقدماً ملحوظاً.

 

السلام العربي~الإسرائيلي

 

        لقد وصلت المهانة بالعديد من الحكومات العربية درجة استمرت معها على تكرار مقولة أن "السلام هو خيارها الاستراتيجي," حتى عندما كان يتصاعد التحدي الإسرائيلي المذل للأمة العربية. فبعد أكثر من عشرة أعوام من الصلف الإسرائيلي المتمثل في عدم الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة, حتى بعد الاعتراف العربي المباشر وغير المباشر بوجود إسرائيل, لم تفعل الحكومات العربية شيئاً يذكر لمواجهة إسرائيل. وجل ما فعلته تمثل في الإشادة بالتضحيات التي يقدمها الشعب الفلسطيني, وبتقديم بعض العون المالي له تنفيذاً لمقررات قمة القاهرة التي عقدت في أكتوبر/تشرين أول 2000, والذي لم يبدأ تقديمه بالفعل إلا بعد قمة عمان التي عقدت في فبراير/شباط 2001. فهل هذا هو كل ما تستطيعه الأمة العربية لدرء الخطر الإسرائيلي المتربص بها, ولمساندة الشعب العربي الفلسطيني للتخلص من الاحتلال الإسرائيلي البغيض؟ ولماذا هذا الهوان وقلة الحيلة أمام التحدي الإسرائيلي؟

        إن ما يحدث من مهانة في معالجة العدوان الإسرائيلي على الأمة العربية مرده في الأساس إلى تجزئة الأمة إلى "دول" و "دويلات" قُطرية ضعيفة ومتربصة ببعضها البعض. وفي نفس الوقت, فإن الصهيونية العالمية, التي أوجدت إسرائيل وتغلغلت في النظام الرأسمالي العالمي حتى سيطرت عليه, إنما تواجه الأمة العربية المجزَّأة صفاً واحداً مع حليفاتها الغربيات. ونتج عن ذلك أن إسرائيل قد أخذت زمام المبادرة وقامت بشن ستة حروب رئيسة على الأمة العربية (في الأعوام 1948, 1956, 1967, 1978, 1982, و 1991), انتصرت فيها جميعاً. ولم ترد "الدولة" القطرية العربية إلا بحرب أكتوبر/تشرين أول 1973, التي مكنتها من استعادة جزء من هيبتها ومعها جزء من أراضيها التي احتلتها إسرائيل من قبل. أما شعبياً, فلم يتوقف النضال ضد إسرائيل لأكثر من نصف قرن, وسيستمر حتى تتحقق أهداف الأمة ويزول الخطر الذي يهددها.

        ومن أكثر نتائج نظام التجزئة العربي مدعاة للحزن والأسى أن الشعب العربي الفلسطيني قد تُرك وحده (من الناحية العملية) فريسة لإسرائيل. وركز الخطاب السياسي العربي على "تأييد ومساندة" الفلسطينيين, بدلاً من القتال معهم. وقد استفاد نظام التجزئة العربي إلى حد كبير من ذلك الوضع. فتمكن وبنجاح باهر من جعل الفلسطينيين حاجزاً يوقف التوسع الإسرائيلي في الوطن العربي. وبالفعل, فإن الخبرة النضالية للفلسطينيين لأكثر من نصف قرن, وكونهم على اتصال عضوي مباشر مع الإسرائيليين, قد مكنهم من تحجيم القدرة البشرية الإسرائيلية بشكل حيد التفوق التقني الذي كفله الغرب لإسرائيل. ولو انهارت قوة المقاومة لدى الشعب العربي الفلسطيني (لا سمح الله), لما تمكنت "الدول" القُطرية العربية من الصمود أمام التوسع الإسرائيلي. وبسبب انتصاراتهم المتتالية على تلك "الدول" القطرية, زاد الأمل لدى الصهاينة في إقامة إسرائيل الكبرى من النيل غرباً إلى الفرات شرقاً, ومن الحدود التركية شمالاً إلى المدينة المنورة جنوباً. وقد جسَّد علم إسرائيل ذلك الأمل من خلال الخطين الأزرقين المتوازيين اللذين يرمزان إلى النهرين العربيين العظيمين. كما بلغ الغرور لدى حكومة الليكود الإسرائيلية في الثمانينات حداً جعلها تصدر قطعة عملة معدنية عليها خريطة إسرائيل الكبرى المزعومة, التي لن تحدث بإذن الله وعزيمة المخلصين من أبناء الأمة (أنظر صورة تلك الخريطة على قطعة العملي, في نهاية هذا الفصل).  

        لكنَّ الفلسطينيين دفعوا ثمناً باهظاً, ليس في مواجهة إسرائيل فحسب, بل في مواجهة الظلم الذي تمثله "الدولة" القطرية ضد الإنسان العربي. فبينما احتضنت جماهير الأمة العربية الشعب الفلسطيني أفراداً وجماعات مناضلة, فإن الدولة القُطرية العربية كانت معادية له. ومن عجائب التاريخ أن معظم الأنظمة العربية قد عاملت الفلسطينيين في منتهى الظلم والقسوة, في نفس الوقت الذي تعلن فيه صباح مساء أنها تساند الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة. فقد اضطرت التنظيمات السياسية الفلسطينية وأجنحتها المقاتلة للخروج من أكثر من قطر عربي, ومنعت من التواجد والنشاط في أقطار أخرى. أما بالنسبة للفلسطينيين كأفراد يعملون في الأقطار العربية, فقد تم التعامل معهم على أنهم "عمال أجانب" منذ أكثر من نصف قرن. ومع أنهم ليسوا وحدهم الذين تعرضوا لهذا الظلم, حيث أن بقية المهاجرين العرب يلاقون نفس المعاملة أيضاً, إلا أن وضع الفلسطينيين أصعب بكثير, وذلك لكون معظمهم من اللاجئين الذين أخرجوا من ديارهم ولا يستطيعون العودة إليها. فمثلاً, يستطيع المهاجر المصري أو السوري أو العراقي أو الجزائري الذي يشعر بظلم معاملة "الدولة" القُطرية العربية التي يعمل بها أن يعود إلى وطنه الأول. أما الفلسطيني, فعليه أن يعيش تحت ظلم أنظمة تلك "الدول," وفي نفس الوقت يستمر في أشكال النضال المختلفة ضد إسرائيل, وهو يعلم أنه بذلك لا يدافع عن حقوقه فقط, وإنما عن وجود تلك الأنظمة التي تظلمه, ولا يتحرك مواطنوها برد الظلم عنه. ومن المفارقات العجيبة أن المجتمعات الغربية, الأوروبية منها والأميركية, تعامل المهاجرين العرب بالاحترام والعدل والمساواة التي يستحقونها, الأمر الذي أدى لأن يصبح الكثيرون منهم أعضاء في المجالس التشريعية, بل وحتى في المناصب العليا في العديد من تلك المجتمعات, بينما يتم التعامل مع المهاجرين العرب في الأقطار العربية على أنهم أجانب لا يتمتعون بأية حقوق سياسية.

واستمر ذلك الحال حتى حرب الخليج, التي مزقت حتى نظام الحد الأدنى من التضامن الذي كان يربط "الدول" القُطرية بعضها مع بعض. وكان أمل الجماهير العربية أن يتطور ذلك التضامن يوماً ما ليصبح نظاماً عسكرياً واقتصادياً وسياسياً واحداً يعيد للأمة كرامتها, ويحمي وجودها. لكن تلك الحرب تمخضت عن إضعاف ذلك النظام لدرجة القبول بوجود إسرائيل وبشروطها في التفاوض. وفي هذا السياق, عُقد مؤتمر مدريد "للسلام" بعد الحرب, في أكتوبر/تشرين أول 1991. وكان المؤتمر بمثابة افتتاح رسمي للمباحثات الثنائية التي أعقبته, والتي كانت بدورها هدفاً سعت إليه إسرائيل منذ وقت طويل. ونتيجة لذلك, فإنها تمكنت من تقسيم العرب إلى وفود منفصلة, حتى يكون من الأسهل لها أن تفرض شروطها عليهم. وسرعان ما تم الوصول إلى اتفاقية سلام بين إسرائيل والأردن بعد ذلك, على الرغم من عدم وجود أراض أردنية محتلة تتم مقايضة انسحاب إسرائيل منها بتوقيع الاتفاقية. كما تم الوصول إلى اتفاق أسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية, والذي أدى إلى الحكم الذاتي في الأجزاء الآهلة بالسكان من الضفة الغربية وقطاع غزة. ومع أنه كان هناك أوجه نقد كثيرة على الاتفاق, إلا إنه كان يمثل مرحلة انتقالية, كان من المفروض أن تتضمن انسحاباً إسرائيلياً من معظم الأراضي الفلسطينية المحتلة قبل انتهاء تلك الفترة. لكن الإسرائيليين أخذوا يتباطئون في تنفيذ ما تعهدوا به, خاصة فيما يتعلق بانسحابهم تنفيذاً لقراري مجلس الأمن 242 و 338. وهكذا, لم يتحقق الهدف الفلسطيني بإعلان الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومرَّ تاريخ انتهاء المرحلة الانتقالية, وهو 5 مايو/أيار 1999, دون ذلك الإعلان, لأن إسرائيل لم تنسحب إلا من حوالي 27 بالمائة فقط من الأراضي الفلسطينية المحتلة.[48] وعندما شنت أميركا الحرب على أفغانستان في أواخر عام 2001, استغل الصهاينة في الولايات المتحدة وإسرائيل الفرصة لتضييق الخناق على الشعب العربي الفلسطيني وسلطته الوطنية لوقف الانتفاضة الثانية بالقوة ودون العودة لمائدة المفاوضات. وما كان ذلك ليحدث لولا حالة الضعف المذلة التي سببها التشرذم القُطري للأمة العربية.

        ولم يحدث شيء يذكر بشأن الانسحاب الإسرائيلي من مرتفعات الجولان السورية, وذلك بعد عشر سنوات من المباحثات. فإسرائيل تعنتت أيضاً ووضعت شروطاً لانسحابها, كان بينها إبقاء الضفة الشرقية لبحيرة طبريا في يدها, حتى تحرم سوريا من الوصول إلى مياهها وتصبح البحيرة إسرائيلية بالكامل. ولم تفعل الولايات المتحدة وحليفاتها الغربيات شيئاً حيال التعنت الإسرائيلي. وبينما لم تحتمل تلك القوى الغربية الغزو العراقي للكويت لأكثر من خمسة أشهر, فإنها احتملت الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن. ولم تقتصر على ذلك, بل قدمت دعماً مالياً واقتصادياً وعسكرياً للمعتدين الإسرائيليين. وبينما لم يعطِ قادة التحالف الغربيين للعراق فرصة للانسحاب دون عقوبات أو تدمير, فإنهم لم يمارسوا أية ضغوط على إسرائيل لتنفذ حتى التزاماتها. فقد استمرت الحكومات الإسرائيلية في التسويف عن طريق التفاوض على الاتفاقيات التي وقعتها الحكومات السابقة مع السلطة الفلسطينية, وذلك بهدف الحصول على شروط أفضل, كما حدث في حالة اتفاقية واي ريفر التي وقعها نَتَنياهو ولم ينفذها فيما بعد.

        وحتى لو نفذت إسرائيل انسحاباً كاملاً من مرتفعات الجولان السورية, فإن السلام الدائم لا يمكن تحقيقه بدون عدل. فقد عانى غالبية الفلسطينيين لأكثر من نصف قرن بسبب منع إسرائيل لهم من العودة إلى ديارهم بعد حرب عام 1948. وبدون حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين, بتعويضهم وعودتهم كما نص قرار الأمم المتحدة رقم 194 لسنة 1948, فسيكون من الصعب تحقيق السلام والاستقرار أو المحافظة عليهما في المنطقة. وفي نفس الوقت الذي لا تسمح فيه إسرائيل للفلسطينيين (مسلمين ومسيحيين) بالعودة لوطنهم, فإنها تشجع اليهود من شتى أنحاء العالم للهجرة إليها. وإذا ما أُريد تحقيق السلام العادل في المنطقة, فينبغي السماح للفلسطينيين بالعودة إلى مدنهم وقراهم التي أجبروا على الخروج منها في عام 1948, تنفيذاً للقرارات الدولية الصادرة بهذا الشأن.

        وبالنسبة للمستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة, فهي غير شرعية ومخالفة للقانون الدولي الذي يمنع قوى الاحتلال من تغيير الطبيعة السكانية للأراضي المحتلة. وقد بنيت تلك المستوطنات على أراض فلسطينية أخذت عنوة من أصحابها بالمصادرة. وإذا ما أُريد تحقيق سلام عادل, فينبغي إخلاء المستوطنات وإعطاؤها للاجئين الفلسطينيين, كتعويض عن استعمال الأرض الفلسطينية لعشرات السنين, ودون أن يؤثر ذلك على عودة باقي الفلسطينيين إلى وطنهم وتعويضهم عن ممتلكاتهم.

        وبالنسبة للقدس العربية, فقد احتلتها إسرائيل مع باقي الأراضي العربية في عام 1967. وحتى يتحقق السلام العادل والدائم في المنطقة, ينبغي انسحاب إسرائيل الكامل من المدينة. كما ينبغي أن تعطى المستوطنات التي بنتها إسرائيل داخل حدود المدينة العربية للاجئين الفلسطينيين العائدين, وذلك تعويضاً عن استعمال الأرض لعشرات السنين. أما إذا استمر احتلال المقدسات الإسلامية والمسيحية,  وخاصة حرم المسجد الأقصى المبارك وما يحيط به من أراض وممتلكات وقفية إسلامية, فإن الإسرائيليين يصرون بذلك على عدم تحقيق السلام الدائم. فالمسجد الأقصى المبارك هو أُولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين من حيث المنزلة عند المسلمين. وبالتالي, فإن تحريره من الاحتلال الإسرائيلي هو فرض عين على كل مسلم, وليس فقط على كل فلسطيني وكل عربي. وستكون هناك حركات إسلامية, ليس في الوطن العربي فحسب وإنما في جميع أنحاء العالم, تعمل من أجل تحرير القدس, إذا تقاعست الحكومات عن ذلك. وهكذا, فإن من شأن الانسحاب الإسرائيلي من القدس العربية أن يسهم في تحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط وفي جميع أنحاء العالم أيضاً.

        وأخيراً, ينبغي تسوية مشكلة نقص المياه بحكمة وبشكل عادل. فالإسرائيليون يصرون على عدم الانسحاب من مرتفعات الجولان السورية إلا إذا وافقت سوريا على استيلائهم الكامل على بحيرة طبريا. والعجيب أن ذلك يحدث دون اعتراض من الولايات المتحدة, التي أصرت أثناء الأزمة العراقية~الكويتية على عدم السماح للعراق بربط انسحابه بأية شروط, وفي ذلك دليل على السياسة المزدوجة المعايير التي تتبعها أميركا في العلاقات الدولية.

        وستعاني الدولة الفلسطينية عند قيامها من أزمة مياه خانقة سببها احتفاظ إسرائيل بحوالي 80 بالمائة من مصادر المياه الفلسطينية, بما في ذلك الخزانات الجوفية في الضفة الغربية.[49] وإن أصرت على ذلك, فلا يمكن تحقيق السلام الدائم في المنطقة. وإذا ما تم استخدام المصادر الطبيعية بكفاءة, بما في ذلك المصادر المائية, فإن العديد من المشكلات العالقة تصبح ممكنة الحل, ومنها مشكلة المياه. فيمكن على سبيل المثال تطوير الطاقة الشمسية واستعمالها لتحلية مياه البحر, كما يمكن الاستفادة من فوائض المياه في الأنهار العربية الكبرى, دجلة والفرات والنيل. لكن ذلك لا يمكن حدوثه دون سلام حقيقي دائم وعادل. وفي نفس الوقت, فإن حل أزمة نقص المياه سيعزز السلام إذا تحقق. أما إذا تمادت إسرائيل في غيها, ولم تنسحب من الأراضي العربية المحتلة, ولم يحصل الشعب العربي الفلسطيني على حقوقه المشروعة, فإن أزمة المياه نفسها ستقود إلى صراع جديد في المنطقة, على مصادر المياه هذه المرة. ويبدو من ذلك كله, أنه من الصعب تصور الصراع العربي~الإسرائيلي وقد انتهى تماما, حتى ولو تم توقيع اتفاقيات سلام, وذلك في الحقيقة لأنه صراع وجود. فبعد أكثر من خمسين عاماً من العدوان الإسرائيلي المستمر على الأمة العربية, لا يمكن للعرب أن يثقوا في نوايا الصهاينة الطامعين. لكن حالة الضعف التي تميز نظام "الدول" القُطرية العربية هي التي ستجعل من السلام الإسرائيلي أمراً ممكناً, ولو إلى حين.

 

الوحدويون والسياديون

 

        لا شك أن الدولة القُطرية ومؤيديها من السياديين العرب قد خرجوا من الحرب منتصرين. ولم يضايقهم أحد طيلة التسعينات بالوحدة العربية التي لا يحبون ذكرها, لكن ذلك لا يمكن أن يستمر لوقت طويل. كذلك فإن القوى السيادية قد ارتاحت من "الخطر" القومي الوحدوي الذي يمثله العراق, وتنفست الصعداء في ظل الحماية الغربية. فقد عقدت الكويت ما يشبه اتفاقيات حماية مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا, كما أصبحت القوات الأميركية ترابط في السعودية والكويت والبحرين, وتقدم لها التسهيلات في باقي أنحاء الخليج العربي.

        وقد أسفرت الحرب عن انقسام ما كان يُظن أنه معسكر الوحدويين العرب. فبدلاً من الصلح والوساطة بين الكويت والعراق, قبلت السعودية بالقوات الأميركية في خلال أيام قليلة من الغزو, واتخذت موقفاً معادياً للعراق, وتبعتها في ذلك باقي الأنظمة الخليجية. ولم تحدث محاولات الصلح بعد الغزو, وحل محلها الانصياع لقرار إدارة بوش بالحرب على العراق. أما الضربة الموجعة لقضية الوحدة العربية, فجاءت من مصر وسوريا, حيث أنهما لم تتوسطا بين العراق والأنظمة الخليجية. وبدلاً من ذلك, فإنهما قد انضمتا للمعسكر الخليجي في خلال أُسبوع من الغزو العراقي للكويت. ولم يكن وقوفهما إلى جانب أنظمة الخليج السيادية منسجماً مع كونهما من الأقطار العربية الفقيرة, التي لها مصلحة في الوحدة العربية التي تفتح الحدود أمام رأس المال والعمالة العربية, وبالتالي تحقق الرفاهية للعرب أجمعين. وهكذا, فإن أوامر الله سبحانه وتعالى لم تُطع, وهو القائل "وإنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقْتَتَلوا فَأَصْلِحُوا بَينَهُمَا."[50]

        وبعد أكثر من عشر سنوات من الحرب, فإن الحكومات الخليجية لا تزال تعامل المهاجرين المصريين والسوريين على أنهم أجانب. وحتى بعد أن كثر عدد المهاجرين المصريين في الكويت والسعودية, نتيجة لإخراج الفلسطينيين واليمنيين منهما, فإن المعاملة التي يلقونها ليست بأفضل مما كان يلقاه المهاجرون العرب من قبلهم. ولا زال من غير الممكن للمصريين والسوريين أن يدخلوا أقطار الخليج العربي إلا بتأشيرات, وهي صعبة المنال على أية حال. وحتى أولئك الذين استطاعوا الحصول على تأشيرات ودخلوا تلك الأقطار, فإنهم لا زالوا يعامَلون على أن وجودهم مؤقت, ولذلك فإنهم محرومون من الإقامة الدائمة والجنسية مهما طالت مدة إقامتهم وعملهم هناك. ولو كانت هجرتهم إلى أميركا أو أوروبا أو استراليا, لأصبحوا من المواطنين المتمتعين بكافة حقوق من يحملون جنسية البلاد. لكن ذلك بعيد المنال بالنسبة لهم في وطنهم العربي. والمحصلة النهائية أن معسكر السياديين قد قوى نفسه وأصبح أكثر تحصيناً على حساب معسكر الوحدويين, لدرجة أنه أصبح من الصعب على مثقف أو صحفي أو سياسي عربي أن يتحدث عن الوحدة العربية, دون أن يرد عليه الإعلاميون بانتقادات لاذعة.

        وعلى الرغم من هذه النتائج المريرة لحرب الخليج بالنسبة لغالبية العرب, إلا أن الوحدة العربية لا تزال مطلباً ضرورياً وملحاً. فخلال القرن الحادي والعشرين, سيصبح النفط أكثر ندرة وبالتالي أكثر أهمية للعالم. وإذا لم تتحد الأقطار العربية وبقيت صغيرة وضعيفة ومجزأة, فإنها ستكون هدفاً سهلاً لأولئك الذين تعتمد حياتهم على النفط. وعلى ذلك, فإن الوحدة العربية ضرورية لحماية استقلال العرب في الأقطار المصدرة للنفط, كما هي ضرورية للتصدي للأطماع الصهيونية, التي لن تتمكن "الدول" القُطرية من الوقوف في وجهها. كذلك فإن الوحدة العربية ضرورية لتحقيق توزيع عادل للثروة بين أبناء الأمة ككل من خلال الانتشار المتوازن للتنمية في الوطن العربي. وأهم من ذلك كله أن الوحدة العربية هي حق العرب في أن يعيشوا في وطن موحد, كباقي الأمم في هذا العالم.

        وينبغي للوحدويين العرب أن يطوروا من أساليب عملهم لتحقيق هدفهم الأسمى. لذلك, ينبغي العمل على تشجيع أشكال مختلفة من العمل الوحدوي. ومثال على ذلك إقامة تجمعات أو اتحادات اقتصادية, يكون الهدف منها إتاحة حرية الحركة للعمل ورأس المال والمنتجات دون قيود بين الأقطار الأعضاء. وسيؤدي ذلك لا محالة إلى إلغاء القيود على السفر والإقامة المفروضة حالياً على المواطن العربي, والتي هي أدوات القوى السيادية في فرض التجزئة في الوطن العربي. وهذا هو أحد البدائل الممكنة حالياً, بعدما أصبح من العسير حدوث محاولات توحيد سياسية جديدة كما كان يحدث في الماضي.

        وحتى تتم إقامة اتحاد اقتصادي أو سوق عربية مشتركة, لا ينبغي تأجيل إدخال المزيد من الإصلاحات الديمقراطية في الوطن العربي. والحقيقة أن مزيداً من المشاركة الديمقراطية يمكن أن يساعد في الإسراع بتحقيق مزيد من الانفتاح الاقتصادي بين الأقطار العربية. وبالإضافة إلى ذلك, فإن الديمقراطية ضمانة للاستقرار السياسي, من خلال التناوب السلمي للسلطة. كما أنها توفر الجو المناسب للأفراد والجماعات ليحققوا أقصى ما يمكنهم تحقيقه من خلال الحرية المتوفرة لهم في العمل والإبداع. وحتى يحدث ذلك, لا بد للعرب أن يستمروا في نضالهم للحصول على حقوقهم المدنية الأساسية ومنها حقوق التجمع, والتعبير, والسفر, والعمل في أي مكان من وطنهم العربي. وعلى الأخص, فإن النضال لا ينبغي أن يتوقف قبل أن يتمكن العرب من الحصول على حقهم في تغيير حكوماتهم من خلال الانتخابات المباشرة, حتى يتم تجنب الانقلابات العسكرية, ويتحقق الاستقرار السياسي الضروري لحدوث التقدم الاقتصادي في المجتمع. وهذه ليست أحلاماً مستحيلة التحقيق, لأن معظم شعوب الأرض قد حققت شكلاً أو أخر من أشكال المشاركة الديمقراطية. ولتحقيق ذلك, ينبغي على مؤسسات المجتمع المدني أن تتحالف مع الأحزاب السياسية والنقابات المهنية في الوطن العربي. وعليها جميعاً أن تطور من أساليب عملها لتشمل وسائل ضغط مختلفة على الحكومات في وسائل الإعلام, ومن خلال الندوات, والمؤتمرات, والمسيرات السلمية.

 

دروس الحرب

 

        قدمت حرب الخليج للعالم عدداً من الدروس التي ينبغي تدبرها من أجل مستقبل أفضل للبشرية. فأولاً, أظهرت القوى الغربية الثلاث الكبرى مدى أهمية الكويت بالنسبة لها, وأنها مستعدة لشن حرب رئيسة للحفاظ على الوضع الراهن في منطقة الخليج العربي. وبذلك فإنها أعادت إلى الأذهان ما قامت به بريطانيا لمنع العراق من ضم الكويت في عام 1961, وذلك بإرسال قواتها إلى الحدود لمنع تقدم القوات العراقية. وما تم بعد ذلك من استبدال للقوات البريطانية بأخرى من الجامعة العربية, وتحت قيادة سعودية أيضاً. وكان التدخل الغربي في الأزمة العراقية~الكويتية في عام 1990, ثم تطوير ذلك لشن حرب على العراق في عام 1991, تجسيداً لتصميم الغرب على إبقاء الخليج العربي منطقة نفوذ غربية لا ينافسه فيها أحد حتى ولو كان ذلك قُطراً عربياً آخر كالعراق.[51]

        ثانياً, أثبتت الأزمة أن بعض الحكومات الخليجية لم تكن عابئة بمقدار الأضرار التي سببتها للعراق نتيجة لسياسة زيادة إنتاج النفط التي كانت تتبعها. ولم تكن تدرك الإحساس المرير بالظلم والنقص الحاد في السيولة النقدية التي كان يعاني منها العراقيون.[52] وكان ذلك دليلاً على حجم الهوة الكبيرة التي تفصل بين من "يملكون" من عرب الخليج, ومن "لا يملكون" خارجه, والتي هي مسئولة عن عدم الاستقرار والأمن في الوطن العربي إلى حد بعيد. فتلك الهوة هي التي سهَّلت تجاهل الحكومات الخليجية لمظالم الأقطار العربية الشقيقة, خاصة العراق في هذه الحالة, حتى أنها قد أصبحت أقل إحساساً بظروف الأمة ككل. فقد تجاهلت حقيقة أنها تنتمي لنفس الأمة العربية العريقة. وإمعاناً في التباعد عن أمتها والتنصل من مسئولياتها نحوها ومن انتمائها لها, أخذت تلك الحكومات تطور هويتها "الخليجية" الخاصة بها.[53]

        ثالثاً, مثلت حرب الخليج شكلاً عنيفاً من أشكال المنافسة الرأسمالية للسيطرة على النفط, الذي يعتبر المورد الرئيس للطاقة في العالم. كما كانت مثلا واضحا على شن حرب استعمارية لأسباب اقتصادية مباشرة. كما أسفرت عن تأكيد خضوع منطقة الخليج العربي للسيطرة الغربية المباشرة (الأميركية~البريطانية~الفرنسية) واستمرار ذلك حتى ظهور منافسين عالميين جدد, أو إلى أن تستعيد الأمة العربية عافيتها من جديد. وكمصدر للطاقة قابل للنضوب, فإن من المتوقع للنفط أن يتصاعد سعره طيلة القرن الحادي والعشرين. وذلك يعني أن القوى الغربية التي تتحكم به الآن ستستمر في جني أرباح طائلة, كما سيكون بإمكانها أن تمارس نفوذاً يعتد به على الدول الأخرى بسبب ذلك التحكم.

        رابعاً, مثَّلت الحرب قصة حزينة جداً بالنسبة للأمة العربية, ستستمر نتائجها لمدة طويلة من الزمن. فالوحدة العربية أضحت أبعد منالاً بعد الحرب من أي وقت مضى قبلها. وأضحى الجيل الحالي من العرب يعاني من انقسام مزدوج. الانقسام الأول واضح بين الأقلية من الأثرياء الذين يملكون والغالبية من الفقراء الذين لا يملكون. ولم تؤدِ الحرب إلى استمرار هذا الانقسام فحسب, بل إلى زيادته. أما الانقسام الثاني فهو انقسام زائف وقع في صفوف الغالبية من الفقراء, الذين أصبحت بعض حكوماتهم تلقب بالمعتدلة وبعضها الآخر بالمتطرفة . وأدى هذا الانقسام المزدوج إلى إضعاف السعي نحو القومية العربية والوحدة العربية. وقد اعترف بعض الوحدويين بذلك بالفعل. فقام الليبيون, على سبيل المثال, بالتوجه جنوباً إلى القارة الأفريقية بحثاً عن الوحدة والتضامن, بعدما خذلتهم الحكومات العربية أثناء الحصار المفروض عليهم طيلة التسعينات.

        خامساً, أدت الحرب إلى أن تقوم النخب الحاكمة في العديد من الأقطار العربية بالاعتراف بوجود إسرائيل, من خلال تبادل مكاتب التمثيل التجاري كخطوة أولى نحو تبادل العلاقات الدبلوماسية. وأصبحت الفرص الاقتصادية هائلة أمام الإسرائيليين, وبحجم لم يحلموا به من قبل, خاصة بعد إلغاء المقاطعة الاقتصادية العربية. فالوطن العربي يشكل سوقاً ضخماً يتكون من أكثر من [54]267 مليوناً من العرب الذين يستوردون معظم ما يستهلكون. كما أنه المصدر الرئيس للطاقة في العالم, الأمر الذي أدى إلى أن تصبح الأقطار الثرية فيه مصدراً للفوائض المالية أيضاً, نظراً لأنها لا تستثمر تلك الفوائض في مشروعات تنمية في الوطن العربي.

        سادساً, استعادت المشكلة الفلسطينية أهميتها وذلك لأنها لم تحل بعد. فبفضل صمود الشعب العربي الفلسطيني وصواريخ صدام حسين, تم تدمير الأسطورة الصهيونية القائلة بأن إسرائيل "لا تُقهر," "ولا يمكن النفاذ إليها." كذلك فإن التدخل الغربي المباشر لإنهاء الغزو العراقي للكويت جعل الأمر صعباً على أعضاء التحالف من عرب وغير عرب أن يتهربوا من مسئولية معالجة مشكلة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية. وبطريقة أو بأخرى, كان عليهم أن ينظروا في الجانب الآخر من مسألة "الربط" التي كان يطالب بها العراق, والتي أصروا على تجاهلها طيلة الأزمة.

        فقد كان لإطلاق الصواريخ العراقية على إسرائيل ووصولها إلى قلب المدن الإسرائيلية أثراً مدمراً على أساطير الغطرسة الصهيونية, التي روجت بأن إسرائيل دولة منيعة لا يمكن للعرب اختراق حدودها. وعلى الرغم من أن الصواريخ العراقية لم تكن مزودة بالأسلحة الكيميائية, إلا أن الرسالة قد وصلت للإسرائيليين, وهي أنه لا يمكن لهم العيش بسلام وأمان بدون حل عادل للقضية الفلسطينية, يمكن الفلسطينيين من ممارسة حقوقهم الوطنية والسياسية المشروعة, ويعوضهم عن الخسائر التي وقعت لهم لأكثر من نصف قرن. 

        وقد لعبت الانتفاضة الفلسطينية الأولى, التي بدأت في ديسمبر/كانون أول 1987, دوراً رئيساً في إقناع الإسرائيليين بأن المشكلة الفلسطينية لا يمكن حلها بالقوة المسلحة. فقد استمرت الانتفاضة في التصاعد على الرغم من استعمال إسرائيل لأقسى وأقصى الإجراءات من أجل إنهائها, والتي اشتملت على استعمال الذخيرة الحية ضد المتظاهرين بهدف إيقاع أكبر عدد ممكن من القتلى والجرحى بينهم, كما شملت تكسير العظام, والعقوبات الجماعية, والنفي, والاعتقال بدون محاكمة. وقد بدأ الزعماء الإسرائيليون أنفسهم يدركون أخيراً أن الاحتلال العسكري غير قادر على توفير السلام والأمن الذي ينشدونه. وعبَّر شمعون بيرِس عن هذه الحقيقة عندما ذكر بأن "الحكم (الاحتلال) العسكري هو اضطهاد للشعب الخاضع له ولمواطني الدولة أنفسهم ... فالأمة التي تفرض نفسها على أمة أخرى, حتى لو كان ذلك من أجل الدفاع عن النفس, تفقد إرادة الامتناع عن الظلم والاضطهاد, وذلك بسبب طبيعة عملية الغزو نفسها."[55]

        وقد أثبتت الانتفاضة الفلسطينية الثانية, التي بدأت في 28 سبتمبر/أيلول 2000, بأن الشعب العربي الفلسطيني لم تخدعه "مسيرة السلام" اللانهائية. فبعد تسعة أعوام من المفاوضات المستمرة, وتوقيع الاتفاقيات, والمفاوضات على الاتفاقيات وتعديلها كلما جاءت حكومة إسرائيلية جديدة, أدرك الفلسطينيون بأن الإسرائيليين لم يكونوا جادين في البحث عن السلام أو تحقيقه. فقد ثبت أنهم لا يريدون السماح للفلسطينيين بإقامة "دولتهم" المستقلة ذات السيادة, ولا يريدون إعطاءهم حقوقهم المشروعة التي نصَّت عليها القرارات الدولية. وبدلاً من ذلك, كان كل ما عرضوه (في مباحثات كامب ديفد الثانية) يتمثل في كيان غير متصل جغرافيا, يتم فصل مدنه وقراه بعضها عن بعض بالمستوطنات الإسرائيلية, والطرق الالتفافية, وقواعد الجيش الإسرائيلي, ونقاط التفتيش. كما أصرَّت إسرائيل على أن تكون "الدولة" الفلسطينية بدون حدود مع القطرين العربيين المجاورين لها, أي مصر والأردن. ورفضت إسرائيل تنفيذ قرارات الأمم المتحدة السابق ذكرها والقاضية بانسحابها من القدس العربية, وكذلك بعودة اللاجئين وتعويضهم عن ممتلكاتهم. أخيراً, أصرَّ الإسرائيليون على الاحتفاظ بحوالي 80 بالمائة من مصادر المياه الموجودة في الأراضي الفلسطينية من خلال احتفاظهم بالمستعمرات الإسرائيلية, التي أُنشئ الكثير منها عن قصد بالقرب من تلك المصادر.[56]

        وهكذا, رفضت إسرائيل حل هذه المسائل المتعلقة بالوضع الدائم, طبقاً لقراري الأمم المتحدة المتفق عليهما في مؤتمر مدريد الذي عقد في عام 1991 (أي القرارين 242 و 338). وقد أدى ذلك التعنت الإسرائيلي إلى إجبار الفلسطينيين على مواجهة الحقيقة التي لا يمكن تجنبها, والتي تتلخص في أنهم لن يحصلوا على استقلالهم بالمفاوضات وحدها. لذلك, خرجوا إلى الشوارع في احتجاجات عارمة ضد الاحتلال الإسرائيلي البغيض وضد ما يسمى بمسار السلام الذي لا ينتهي. وكانت الشرارة التي أشعلت الانتفاضة تتمثل في تدنيس شارون (الذي ارتكب مجزرة صبرا وشاتيللا في عام 1982, وقتل الأسرى المصريين في سيناء في عام 1967) للحرم القدسي الشريف. وقد رد الإسرائيليون بإجراءات أكثر عنفاً, وبإفراط واضح في استخدام القوة. فاستعملوا طائراتهم المروحية والقاذفة من طراز اف-16 الأميركية الصنع, بالإضافة إلى دباباتهم وسفنهم الحربية. ولم تتوقف الانتفاضة, وشاهد الناس في جميع أنحاء العالم (من خلال شبكات التلفزيون) شعباً يقاوم بالحجارة جيشاً يعد الرابع في العالم من حيث التسليح والتنظيم والتمويل. ولم تتحرك القوى الغربية لوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني, وإنما تحركت ابتداء من يونيو/حزيران 2001 لوقف العمليات الاستشهادية الفلسطينية. وتميز الموقف الأميركي بالإسناد الفعلي للموقف الإسرائيلي, وذلك بالطلب من الطرفين أن يوقفا إطلاق النار, أي بالمساواة بين جيش الاحتلال الإسرائيلي والمدنيين الفلسطينيين المتسلحين بالحجارة. ثم تهافت السياسيون الأميركيون من الحزبين الديمقراطي والجمهوري للتعبير عن مساندتهم التامة لإسرائيل, واضعين اللوم على السلطة الفلسطينية وشعبها الذي يتعرض للاعتداءات الإسرائيلية صباح مساء. وقد بدا العالم كله وكأنه مستسلم للإرادة الإسرائيلية, إلا من رَحِمَ ربي من أشراف هذه الأمة.

        والدرس السابع الذي ينبغي على العالم الخاضع للنفوذ الإسرائيلي أن يعيه يتمثل في أن هذه الأمة حية, تجدد نفسها بما يناسب الزمان الذي تعيشه. فقد مثلت حرب الخليج ضربة قاصمة للحركة القومية الوحدوية في الوطن العربي نتيجة الانقسامات المزدوجة التي أسفرت عنها. لكن المنظمات الإسلامية المقاوِمة للاحتلال الإسرائيلي وللمشروع الاستعماري الغربي الهادف للسيطرة المباشرة على مقدرات الأمة, ظهرت بقوة في كل قطر عربي وحققت نجاحات هامة في مقاومتها لذلك الاحتلال ولتلك الهيمنة. ونتيجة لذلك, قامت حكومات عربية عديدة بإدخال إصلاحات ديمقراطية مكنت التنظيمات الإسلامية من الدخول في الانتخابات, حتى تصبح ضمن النظام القائم, وبالتالي لمنع حدوث ثورات إسلامية على غرار النموذج الإيراني. وهكذا, لم يعد من الممكن للحكومات العربية أن تتجاهل المنظمات الإسلامية التي أصبحت قومية ليس فقط في انتشارها في الوطن العربي ككل وإنما في توجهاتها أيضاً. وقد عقدت القوى الإسلامية والقومية العربية مؤتمرين في بيروت كان من شأنهما بلورة العمل العربي الشعبي والحزبي في الاتجاه الصحيح. وعلى الرغم من حدوث هذا التقدم الباعث على الأمل في العلاقة ما بين الحركتين العربيتين الإسلامية والقومية, إلا إنه لن يكون له معنى إلا إذا طبق على الأرض. فقد آن الأوان لأن تنسق الأحزاب والمنظمات القومية والإسلامية نشاطها على صعيد قومي. فمثلاً, إذا ما تم تنظيم المسيرات السلمية القومية~الإسلامية في نفس الوقت, وفي أكثر من قطر عربي, فسيكون لذلك أثر عظيم في بعث الأمل من جديد بإمكانية الوحدة العربية. وعندها, سيشعر الإسرائيليون ومن يساندونهم في الغرب أن الشعب العربي قد أخذ زمام المبادرة, وأنه لن يقنع بالدور الذي تريده له حكومات "الدول" القطرية الضعيفة, أي دور المتفرج.

        وأخيراً, أسفرت نتائج حرب الخليج عن نشوء حالة من التحدي الحضاري الذي فرضته القوى الاستعمارية الإسرائيلية والغربية على الأمة العربية. فقد تمخضت الحرب عن تدمير القدرات العسكرية والاقتصادية للعراق, وعن الاحتلال العسكري الغربي المباشر لشبه الجزيرة العربية بما يعني ذلك من سيطرة على الثروة النفطية للأمة العربية, وعن طرد الفلسطينيين واليمنيين من الكويت والسعودية, وعن تمزيق الأمة العربية إلى معسكرين لا يثقان ببعضهما البعض. على السطح, أصبحت الأمة تبدو وكأنها قد هزمت نهائياً وانتهت. لكن تلك النتائج أصبحت تحديات أدت لردود أفعالٍ على نفس القدر من القوة (كما ينص قانون أرخميدس). فاستبسلت المقاومة اللبنانية حتى أرغمت الإسرائيليين على الانسحاب من جنوب لبنان بدون قيد أو شرط (في عام 2000) لأول مرة في تاريخ الصراع العربي~الإسرائيلي. وتطورت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي, حتى أرغمت الحكومة الإسرائيلية على استعمال جميع أسلحتها التقليدية (براً وبحراً وجواً), دون جدوى. بل إن الفلسطينيين قد أظهروا للإسرائيليين أنهم يمتلكون سلاحاً لا يمكن هزيمته, ألا وهو التضحية بالنفس. وبذلك فإنهم قد حققوا توازن رعب, في أحد مستويات الصراع على الأقل. ثم جاءت الهجمات على نيويورك وواشنطن لتؤكد على أن ردود الفعل على نتائج حرب الخليج لم تنته. 

 

ختاماً: ما العمل؟

 

        كان من المدهش الصفيق أن يفاخر القادة العسكريون, والسياسيون, والإعلاميون في الولايات المتحدة والدول التي تحالفت معها بأن الحرب لم تكلفهم سوى عدد قليل من الخسائر في الأرواح. فقد تجاهلوا حقيقة أن مئات الآلاف من الجنود العراقيين قد أزهقت أرواحهم دون ضرورة لذلك. كما فقدت أرواح مئات الآلاف من العراقيين الآخرين بعد الحرب نتيجة للحصار الجائر. وعُذِّب آلاف الفلسطينيين أو قتلوا ظلماً وعدواناً خلال الحملة الإرهابية الكويتية التي تلت الحرب. وفقد حوالي نصف مليون فلسطيني وظائفهم ومساكنهم ومجتمعهم الذي بنوه في الكويت خلال أكثر من نصف قرن. وأجبر حوالي مليون يمني على الخروج من السعودية دونما ذنب اقترفوه. وقد تم تجاهل هذه الملايين من الضحايا العرب وكأن لا أهمية لهم. ومهما يكن من أمر, فهؤلاء أيضاً لهم أهميتهم عند عائلاتهم وأوطانهم وأمتهم.

        وحتى لا تتكرر مثل هذه المأساة, لا بد أن يبزغ نوع جديد من التفكير في العالم. يجب ألا يسمح لقادة الدول بشن الحروب دون استشارة ممثلي الشعوب التي يقودونها. وعندما تشن الحروب, ينبغي اعتبار أولئك القادة مسئولين عن نتائجها الاقتصادية والاجتماعية, خاصة الخسائر في أرواح المدنيين. وحتى يمكن منع حدوث حروب مماثلة لحرب الخليج في المستقبل, فإنه لا بد من إحداث تغييرات في الحياة السياسية في أميركا والوطن العربي. وربما يرى بعض القراء في السطور التالية أحلاماً, لكن البعض الآخر ربما يرى فيها أهدافاً ممكنة التحقيق بالعمل الجاد, والتنظيم الكفء, والتوعية المستمرة للجماهير.

 

 

 

 

 

بالنسبة لأميركا:

 

·                    أولاً,  ينبغي إزالة نفوذ صقور الحرب على السياسة الخارجية الأميركية, حتى يمكن رفع الحصار الجائر عن العراق, وإقامة الدولة الفلسطينية, وانسحاب القوات الغربية من شبه الجزيرة العربية.

·                    ثانياً, ينبغي أن تتصف السياسة الخارجية الأميركية بالعدل, وأن تسعى إلى نشر الحرية والديمقراطية, لا أن تساند قوى الظلم, والحكام المستبدين في العالم.

·                    ثالثاً, إذا أرادت أميركا أن تقود العالم, فينبغي أن يكون ذلك بالمثل الطيب, وليس بالقوة الغاشمة لأسلحتها.

·                    رابعاً, لا يمكن أن تتصف السياسة الخارجية الأميركية بالنزاهة والحكمة إلا بموازنة نفوذ "الخبراء" من أعوان إسرائيل, وذلك بتعيين عدد مساو لهم من العرب والمسلمين الأميركيين في كافة الوزارات والأقسام والمؤسسات التابعة للحكومة الأميركية.

·                    خامساً, لا يمكن للسياسة الخارجية الأميركية أن تكون راعية للسلام ورائدة للتعاون في العالم إلا بتقليص نفوذ ممثلي التكتل الصناعي~العسكري عليها. عندها, يمكن تحويل مخصصات مالية ضخمة إلى البرامج الاقتصادية والاجتماعية التي تساهم في رفع مستوى المعيشة للفقراء الأميركيين, بدلاً من إهدارها في الإنفاق العسكري الذي لا يستفيدون منه شيئاً.

·                    سادساً, هناك فساد سياسي مستشر في الولايات المتحدة, أدى إلى قيام السياسيين بخدمة من يدفع نفقات حملاتهم الانتخابية أكثر من خدمتهم لناخبيهم. ولكي يتم إصلاح ذلك, ينبغي إعطاء السياسيين الحق في عرض خططهم وأفكارهم على الناس, من خلال تمكينهم من الحصول على وقت ومساحة متساويين مع ما يقدم لمنافسيهم في أجهزة الإعلام, وبدون أن يدفعوا أجراً على ذلك.

·                    سابعاً, ينبغي العمل على رفع وعي النخبة الأميركية الحاكمة بمبدأ المساواة بين الناس, حتى تتمكن من تقدير حياة البشر بشكل متساو, سواء كانوا من سكان نصف الكرة الأرضية الشمالي أم من سكان نصفها الجنوبي, وسواء كانوا فقراء أم أغنياء.

 

وبالنسبة للوطن العربي:

 

·                    أولاً, من العار أن يبقى العرب بعد حوالي قرن من النضال من أجل الوحدة العربية غير قادرين على السفر والتنقل بين أجزاء الوطن العربي بحرية. ومن العار أن يستمر فرض نظام تأشيرات الدخول والخروج على العرب في تنقلهم داخل ربوع وطنهم. ومن العار أن يستمر حرمان العرب من الإقامة الدائمة في القطر الذي يعملون فيه, وتستمر الإشارة إليهم بأنهم عمال أجانب. ينبغي إزالة هذه الموانع المخزية لقيام الوحدة العربية. ولا بد من حركة حقوق مدنية عربية تناضل من أجل حقوق الإنسان العربي في كل مكان.

·                    ثانياً, لا تزال مراكز الحدود بين الأقطار العربية تجسد التجزئة المقيتة. لذلك, ينبغي ألا يتأخر اليوم الذي تهدم فيه هذه المراكز, أو تصبح مطاعم أو فنادق أو حتى متاحف تُذَكِّرُ العرب بمساوئ التجزئة البغيضة.

·                    ثالثاً, إن التمييز بين الناس على أساس الجنسية ظلم عظيم ينبغي وقفه, وذلك بتطبيق قوانين الجنسية العربية الموجودة حالياً على الورق, والتي تتيح للمهاجرين الحصول على الجنسية بعد فترة زمنية تتراوح من خمس سنوات إلى خمس عشرة سنة. وعندما يتم ذلك, يكون العرب قد قطعوا شوطاً كبيراً نحو الوحدة العربية المنشودة.

·                    رابعاً, لقد آن الأوان لكي يتمتع المواطن العربي بحق تغيير حكومته من خلال الإدلاء برأيه في صناديق الاقتراع, مثل المواطنين في معظم أنحاء العالم, حتى تصبح الانقلابات العسكرية والحروب الأهلية  شيئاً من الماضي, وينعم العرب بالاستقرار الذي يستحقونه.

·                    خامساً, لقد آن الأوان لكي يصبح رئيس "الدولة" رمزاً وطنياً للقطر الذي يحكمه, فلا يتدخل في تسيير أمور البلاد, ويترك تلك المهمة للأحزاب التي تفوز في الانتخابات. بذلك يتحقق الاستقرار السياسي اللازم للرخاء الاقتصادي الذي طال انتظاره في أجزاء عديدة من الوطن العربي.

·                    سادساً, عندما تستبدل الخلافات والصراعات العربية التي تكرس التجزئة بقيام دولة عربية واحدة مثل الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة, سينعم العرب بالأمن والرخاء والعدل والحرية, التي ينعم بها الناس في أجزاء كثيرة من العالم, ولا تزال حلماً بالنسبة لأغلبية العرب.

·                    سابعاً, لا يمكن حدوث ذلك كله إلا بتخطي حالة الانقسام وانعدام الثقة التي خلفتها حرب الخليج. فينبغي على الأقطار العربية أن تتمرد على النظام الإسرائيلي~الغربي (الذي يهددها جميعاً), وتعود للتضامن النشط والعمل العربي المشترك. عندها, ستتمكن من أن ترفع الحصار عن العراق وليبيا, وأن يتصاعد دعمها للشعب العربي الفلسطيني حتى ينال حقوقه المشروعة وأن تتدخل لوقف الحروب الأهلية, كتلك التي تجري في الجزائر والسودان.

·                    ختاماً, ينبغي إنصاف اليمنيين الذين أُخرجوا من السعودية والفلسطينيين الذين أُخرجوا من الكويت. أما من اقترف الجرائم بحق الفلسطينيين العزل وغيرهم من المهاجرين العرب في الكويت, فينبغي محاكمته حتى تطوى هذه الصفحة السوداء من تاريخ العرب, وتستمر أمتنا في مسيرتها الخالدة. وذلك ليس مستحيلاً, إذ ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم, حيث قال:

 

   "واعتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيْعَاً وَلا تَفَرَقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ

   عَلَيكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ

   إِخْوَانَا." صدق الله العظيم (آل عمران-103).

 

 

 

 

 

 

 

 

جدول رقم 1.11

الإنفاق العسكري في الولايات المتحدة

والدول الصناعية الأخرى

(ببلايين الدولارات, حسب أسعار عام 1997)

 

الصين   اليابان   كندا    إيطاليا   ألمانيا  روسيا  فرنسا  بريطا أميركا السنة

 

1987 376  48.1  44.6   396    46.1    23.5   10.6   31.8  53.0

1988 370  45.4  44.5   403    45.7    23.7   10.7   33.2  53.0

1989 370  45.8  45.3   369    45.7    23.8   10.6   34.5 53.1

1990 359  46.0  45.2   342    47.9    22.7   10.8  35.7  56.6

1991 317  47.2  45.5   295    44.2    22.7   10.0   36.7  54.1

1992 338  42.3  44.2    79    41.9    22.1   10.1   37.5  56.6

1993 321  40.7  43.5    67.4  37.8    22.3   10.2   37.9  57.3

1994 305  39.7  43.8    65.2  35.4    21.9    9.8  38.2   58.0

1995 289  36.9  41.7    42.4  34.7    20.0    9.1   38.8  62.2

1996 276  37.4  41.1    38.3  34.1    21.8   8.3  4 0.0   67.2

1997 276  35.3  41.5    41.7  32.9    22.7    7.8   40.8  74.9

 

مجموع3597 464.8 480.9 1,743  446.4   247.2  355.3 405.1 646

المصدر

Source: U.S. Department of State. 1998.

        http://www.state.gov/www/global/arms/bureau_ac/

        wmeat98/w98tbl1.pdf

 

 

 

 

 

       

جدول رقم 2.11

الدين القومي الأميركي (ببلايين الدولارات)

      الدين     السنة   الدين      السنة   الدين    السنة   الدين   السنة

1900  2.13  1926   19.64  1952  259.10  1978    789.20  

1901  2.14  1927   18.51  1953  266.07  1979    845.11

1902  2.15  1928   17.60  1954  278.74  1980    930.21

1903  2.20  1929   16.93  1955  280.76  1981  1,028.72

1904  2.26  1930   16.18  1956  276.62  1982  1,197.07

1905  2.27  1931   16.80  1957  274.89  1983  1,410.70

1906  2.33  1932   19.48  1958  282.92  1984  1,662.96

1907  2.45  1933   22.53  1959  290.79  1985  1,945.94

1908  2.62  1934   27.05  1960  290.21  1986  2,125.30

1909  2.63  1935   28.70  1961  296.16  1987  2,350.27

1910  2.65  1936   33.77  1962  303.47  1988  2,602.33

1911  2.76  1937   36.42  1963  309.34  1989  2,857.43

1912  2.86  1938   37.16  1964  317.94  1990  3,233.31

1913  2.91  1939   40.43  1965  320.90  1991  3,665.30

1914  2.91  1940   42.96  1966  329.31  1992  4,064.62

1915  3.05  1941   48.96  1967  344.66  1993  4,411.48

1916  3.60  1942   72.42  1968  358.02  1994  4,692.74

1917  5.71  1943  136.69  1969  368.22  1995  4,973.98

1918 14.59  1944  201.00  1970  389.15  1996  5,224.81

1919 27.39  1945  258.68  1971  424.13  1997  5,413.14

1920 25.95  1946  269.42  1972  449.29  1998  5,526.19

1921 23.97  1947  258.28  1973  469.89  1999  5,656.27

1922 22.96  1948  252.29  1974  492.66  2000  5,724.69

1923 22.34  1949  252.77  1975  576.64 

1924 21.23  1950  257.37  1976  653.54

1925 20.51  1951  255.22  1977  718.94

Sources: U.S. Department of the Treasury,

         Bureau of the Public Debt. Updated March 20, 2000.

         http://www.publicdebt.treas.gov/opd/opdpenny.htm


الأطماع الصهيونية من خلال

حلم إقامة إسرائيل الكبرى

كما ظهرت على إحدى قطع العملة التي أصدرتها الحكومة الإسرائيلية

في الثمانينات من القرن العشرين


ملاحظات ومصادر

 

       



[1]   بعض التفصيل عن قصة هابيل وقابيل موجود في الآيات 28-32 من سورة المائدة.

 

[2]   اصطلاح "أعوان إسرائيل" هنا يشير إلى أولئك الذين يعتبرون مصلحة إسرائيل هي الأولى بالنسبة لهم, ويقدمونها على مصالح أوطانهم. وفي الحالة الأميركية, لا يقتصر هؤلاء على اليهود فقط, وإنما يتهافت علىذلك الكثيرون من غير اليهود أيضا.

 

[3]   وقعت الحروب العربية~الإسرائيلية الستة السابقة في الأعوام 1948, 1956, 1967, 1973, 1978, و 1982. وكانت إسرائيل هي البادئة فيها جميعا ما عدا حرب عام 1973.

[4]  Bush and Scowcroft (1998).

[5]  Haass (1998).

[6]   الترليون يساوي ألف بليون, والبليون يساوي ألف مليون, والمليون يساوي ألف ألف.  الإحصائيات الخاصة بالسنوات السابقة موجودة بالفصل الخامس.

   (Center for Defense Information, 2000).

 

[7]   في عام 1997, بلغ تعداد السكان 30.3 مليون نسمة في كندا, و58.6 مليون نسمة في فرنسا, و 82.1 مليون نسمة في ألمانيا, و 57.5 مليون نسمة في إيطاليا, و 125.7 مليون نسمة في اليابان, و 147.3 مليون نسمة في روسيا, و 58.8 مليون نسمة في بريطانيا, و 267.9 مليون نسمة في الولايات المتحدة.

   (U.S. Department of State, 1998).

[8]   U.S. Department of State, 1998. 

[9]   صحيح أن الكثيرين من أعضاء الكونغرس أكثر فساداً من الرئيس ومساعديه, وبالتالي أكثر جنوحاً للحرب منهم, خدمة لمصالح التكتل الصناعي~العسكري الذي يمول حملاتهم الانتخابية. ولكن التصويت الذي جرى في مجلس الشيوخ في عام 1990, أثبت أن احتمال وقف الحروب لا زال قائماً (وما منع ذلك إلا خروج بعض أعضاء المجلس الديمقراطيين عن خط حزبهم). وفي منتصف الثمانينات, نجح الكونغرس الديمقراطي الأغلبية في منع إدارة ريغَن الجمهورية من التورط في حرب نيكاراغوا, الأمر الذي أدى إلى فضيحة إيران~كونترا السابق ذكرها في الفصل الخامس. وللمزيد من المعلومات حول فساد أعضاء الكونغرس والمرشحين الرئاسيين الأميركيين, يمكن للقارئ الرجوع إلى كتابي تشارلز لويس "شراء الكونغرس 1998," و "شراء الرئيس 2000."

     (Lewis, 1998; Lewis, 2000).

[10]   U.S. Department of State: Human Rights Annual Reports

    (1991-1999) U.S. Department of State, 1998.  .

 

[11]   كارلوس هو ثائر من أميركا اللاتينية, التحق بصفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أثناء مرحلة الكفاح المسلح التي سبقت حرب الخليج. ونتيجة لذلك, فإنه أصبح مطلوباً لدى العديد من الدول الأوروبية. وبعد خروج القوات الفلسطينية من لبنان في عام 1982, تنقل بين عدة أقطار عربية حتى استقر في السودان خلال التسعينات. وكان يظن أنه يتمتع بالحماية والضيافة العربية, مكافأة له على نضاله من أجل فلسطين!

[12]  WINEP (1986).

[13]  WINEP (1988).

[14]  WINEP (1989).

[15]  WINEP (1992).

[16]  WINEP (1993-a).

[17]  WINEP (1993-b).

[18]  WINEP (1995).

[19]  WINEP (1996).

[20]  WINEP (1997-a).

[21]  WINEP (1997-b).

[22]  WINEP (1998).

[23]  Lewis (1990).

[24]  Huntington (1993, 1996).

 

[25]   في معرض رده على سخافة فكرة "صِدام الحضارات," ذكر إدوارد سعيد (في محاضرة مسجلة له) بأن مجلس العلاقات الخارجية شجع لويس وهنتنغتون على ترويج الفكرة من خلال إتاحة نشرها في مجلته "شئون خارجية." والهدف بالطبع هو التأثير على أصحاب القرار السياسي ليأخذوا بتلك الفكرة, حتى تمتد عقلية الحرب الباردة إلى زمان وجمهور جديدين.

   (Said, 1997).

[26]  Said (1997).

[27]   أنظر بحثي أندريه غندر فرانك في هذا الخصوص, خاصة الارتباط الوثيق بين التنمية في المجتمعات الصناعية وحالة التخلف في مجتمعات العالم الثالث (أي أن الأولى لا يمكن أن تحدث بمعزل عن الأخرى), وكذلك ارتباط الطبقات الحاكمة في العالم الثالث بحماتها من النخب الحاكمة في المجتمعات الصناعية.

    (Frank, 1967; 1972).

[28]  Huntington (1997).

[29]  Aruri (2000).

[30]  Bulliet (1993).

[31]  Miller (1993).

[32]  Shirley (1995).

 [33]   نص رأي فؤاد عجمي باللغة الإنكليزية هو:

   Arabs and Muslims (should) come to terms to the “two

    bogymen – America and Israel” (Ajami, 1997).

 

[34]   وقد تم إعدام تمثي مكفيه بالحقنة السامة في منتصف يونيو/حزيران 2001, أي بعد أكثر من سبع سنوات من تنفيذه للعملية, ودون أن تتوصل الحكومة الأميركية إلى شركاء آخرين له, ودون أن يصدر عنه اعتذار عما فعل.

[35]   بنى تيد كَبل رأيه في تلك الليلة على فرضية أن مدبري الانفجار هم من الشرق الأوسط. وكان مراسلو محطة أي بي سي, بشكل خاص, هم الأسرع في ربط الانفجار "بالجماعات الشرق أوسطية." واعترف دان راذر (أثناء مقابلة معه في برنامج "لاري كينغ على الهواء" بمحطة سي ان ان في الذكرى السادسة للانفجار, في عام 2000) بأن وسائل الإعلام الأميركية كانت متسرعة في اتهاماتها للشرق أوسطيين بمسئوليتهم عن الانفجار. 

[36]  Clark (2000).

[37]  Ammash (2000).

[38]   لمزيد من التفصيل, إقرأ سورة الإسراء: الآيات 13-15, وسورة النجم: الآية 38.

[39]  Bush and Scowcroft (1998).

[40]   يمكن الرجوع لمقالة سميح فرسون بشأن توثيَّق تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية, مادلين ألبرايت, وكذلك تصريحات الرئيس المغلوب على أمره بِل كلنتُن بشأن استمرار العقوبات حتى لو قام العراق بتطبيق جميع قرارات الأمم المتحدة. وبالطبع, فإن ذلك يناقض قرار مجلس الأمن رقم 687, الذي ينص على رفع العقوبات عن العراق بمجرد تطبيقه لقرارات المجلس السابقة.

    (Farsoun, 2000: 27).

[41]  Bin Sultan (1995: 432-434).

[42]  Bin Sultan (1995: 220, 362).

[43]  Bin Sultan (1995: 418-419).

[44]  Bin Sultan (1995: 410).

[45]  Bin Sultan (1995: 425).

[46]  Bin Sultan (1995: 410).

[47]  ذكر إدوارد سعيد بأنه كان يمكن للإسرائيليين الاعتراض على أسماء المرشحين الفلسطينيين.

   (Said, 2000: 33).

[48]   لمزيد من التفصيل عن مزايا وعيوب اتفاق أسلو, إقرأ ملخص ذلك في كتاب سميح فرسون وكرستينا زكريا, الصفحات 256-270.

    Farsoun and Zacharia (1997: 256-270).

[49]  Farsoun and Zacharia (1997: 267).

[50]   الآية رقم 9 من سورة الحجرات.

[51]  Bin Sultan (1995: 463-464).

[52]  Bin Sultan (1995: 466).

 

[53]  وقد قام مجلس التعاون الخليجي بخطوة تصحيحية لمساره في أواخر ديسمبر/كانون أول 2001, عندما أعلن عن القبول التدريجي لليمن في عضويته. وربما يكون ذلك خطوة نحو التصالح مع العراق مستقبلاً.

 

[54]  بلغ عدد السكان في الوطن العربي بالملايين, حسب تقديرات 1997, حوالي 4.4 في الأردن, و 2.5 في الإمارات, و 0.6 في البحرين, و 9.4 في تونس, و 29.8 في الجزائر, و 0.8 في جيبوتي, و 19.2 في السعودية, و 31.6 في السودان, و 15.1 في سوريا, و 22 في العراق, و 2.3 في عمان, و 4 داخل فلسطين (لكن الفلسطينيين جميعاً يزيدون على سبعة ملايين), و 0.6 في قطر, و 0.7 في جزر القمر, و 2.2 في الكويت, و 3.7 في لبنان, و 5.6 في ليبيا, و 61.9 في مصر, و 28.5 في المغرب, و 2.4 في موريتانيا, و 14.1 في اليمن.

    http://www.austarab.com

 

[55]  Peres (1993: 58-59).

[56]   مثال على ذلك, أُنشئت مجموعة المستعمرات الإسرائيلية غرب خانيونس , في قطاع غزة. وعندما تبرعت اليابان للسلطة الوطنية الفلسطينية بتمويل مشروع تخزين مياه الأمطار في المنطقة حتى لا تذهب إلى البحر, قام المستوطنون هناك بمنع تنفيذ المشروع بقوة السلاح, وذلك خلال العام الأول من الانتفاضة الثانية.