الفصل الأول

المطالب العراقية بالكويت

                       

"لقد قام البريطانيون باقتطاع الكويت من العراق."

                                                         جيمس بيكر الثالث[1]

 

عندما قام العراق بغزو الكويت في الثاني من أغسطس/آب 1990, أصيب كثير من الناس  بصدمة لما آلت إليه العلاقات العربية. ومع ذلك, فان دارسي التاريخ لم يدهشوا لمعرفتهم بالمطالب العراقية بالكويت. أما الولايات المتحدة ودول التحالف الأخرى, فقد تبنت وجهة النظر الكويتية بالنسبة لأسباب حرب الخليج. وفى نفس الوقت, فان هذه الدول قد تجاهلت المطالب العراقية التاريخية بالكويت. وهذا الفصل يهدف إلى التقريب بين الرؤيتين, وذلك بمعالجة الأزمة من منظار تاريخي أوسع يشمل المطالب العراقية بالإضافة إلى الأسباب المباشرة للازمة. وعلى وجه الخصوص, سيتم بحث العلاقات العراقية~الكويتية لفهم الدور الذي لعبته تلك المطالب في صنع الأزمة.

 

حكم آل صباح في الكويت

 

تنتمي أسرة آل صباح التي تحكم الكويت الآن في أصولها إلى قبيلة العتوب,[2] والتي تنتمي بدورها إلى نظام قبلي نجدي أكبر يعرف بتجمع عنيزة. وفى حوالي العام 1701, هجرت ثلاثة عشائر من قبيلة العتوب مواطنها في الأفلاج, بجنوب شرق العاصمة السعودية الحالية, الرياض. وهذه القبائل هي: آل صباح وآل خليفة وآل جلاهمة.[3] في البداية, توجهت هذه العشائر إلى البحرين, ثم إلى قطر, ولكن قبيلة حويله هناك أجبرتها على الخروج من شبه الجزيرة القطرية الصغيرة. بعد ذلك, اتجهت تلك العشائر شمالاً إلى البصرة, حيث طلبت من متصرفها (حاكمها) علي باشا أن يمنحها اللجوء في منطقة حكمه. وقد وافق المتصرف على ذلك نظراً لارتباط العتوب بعلاقات تجارية مع تجار البصرة. وفى عام 1716, تحرك العتوب جنوباً ليستوطنوا موقع الكويت الحالية بعدما وافق متصرف البصرة على طلب أكبر شيوخهم, الشيخ صباح, بالاستقرار هناك.

         وعندما وصلتها عشائر العتوب, كانت الكويت[4] تسمى القرين, أي تصغير قرن, الذي كان يشير إلى شكل الأرض المحيطة بخليج الكويت. أما المنطقة المتاخمة بها فقد كانت تدعى كاظمة.[5]  وكانت كلتاهما تحت سيطرة قبيلة بنى خالد لأكثر من قرن من الزمان. لذلك, كان على العتوب أن يأخذوا إذناً آخر للاستقرار هناك من شيخ بنى خالد, محمد بن عريعر. الذي أذن لهم في ذلك عام 1755. واتفقت عشائر العتوب الثلاثة فيما بينها على أن يترك الحكم لآل صباح, ويقوم آل خليفة بالتجارة, ويعمل آل جلاهمة في صيد الأسماك.[6] وهكذا, أصبح صباح الأول شيخا لقبيلة العتوب كلها في القرين, عام 1756. وأصبحت المنطقة تعرف تدريجيا باسم الكويت. كذلك, بدأت تكتسب أهمية استراتيجية, لاسيما بعد الهجمات الفارسية على البصرة, والتي أدت لجعل الكويت مركزاً تجارياً أكثر أمناً للتجار الأوروبيين.[7]

         وخلال العقد السابع من القرن الثامن عشر, ترك آل خليفة الكويت إلى جزر البحرين بعدما استأجروها من قبيلة المطاريش. وفى العامين 1782/1783, طلب منهم الرحيل بعدما توقفوا عن دفع الإيجار المتفق عليه. لكن آل خليفة قاوموا ضغوط إخلائهم من الجزر بفضل المساعدة العسكرية التي تلقوها من آل صباح. وفى عام 1800, قام السعوديون بمهاجمة البحرين وضموها لنجد. على إثر ذلك, رحل آل خليفة مؤقتا إلى زباره في قطر, إلى أن عادوا للبحرين[8] بمساعدة أبناء عمومتهم, آل صباح.[9]

         وهكذا, يبدو جليا ومنذ البداية أن الكويت كانت جزءا من متصرفية البصرة, وأن أفراد عشائر العتوب الثلاثة, بما في ذلك آل صباح, تم قبولهم كلاجئين في أراضيها. وهناك شواهد تاريخية أخرى تبين أن الكويت كانت أيضاً جزءاً من البصرة طيلة الحكم العثماني للعراق. ففي عام 1827, وضع الشيخ جابر الأول (أنظر الملحق 1.أ) الأسطول الكويتي تحت تصرف والى البصرة. وفي عام 1836, ساند الشيخ جابر القوات العثمانية لقمع الانتفاضة في الزبير, التي تقع بين الكويت والبصرة. وفى عام 1837, شاركت قوات كويتية مع قوات عثمانية أخرى في الهجوم على المحمرة, التي كانت مشيخة عربية على الشاطئ الشرقي للخليج العربي.[10] وعندما تعرضت البصرة للهجوم في عام 1845, انضم كويتيون لقوات عثمانية أخرى للدفاع عن المدينة. وفى تلك الأثناء, كانت السفن الكويتية ترفع العلم العثماني. وكتقدير لولائه, فإن الشيخ جابر الأول قد مُنح صكوك ملكية لبعض بساتين النخيل في شبه جزيرة الفاو, الواقعة جنوب البصرة.[11]

         وبالإضافة إلى ذلك, فان الشيخ عبد الله الثاني قد ساند الحملة العسكرية التي جردها والي بغداد مدحت باشا لإخضاع الساحل الخليجي عام 1871. ونتيجة لموقفه ذاك, تمت مكافأته بلقب القائم مقام العثماني, أي أنه قد أصبح قائماً مقام والي البصرة في الكويت. ففي 1875, تم استحداث وضع إداري عثماني جديد لجنوب العراق أصبحت البصرة بموجبه كيانا إداريا أكبر من ذي قبل, أي ولاية. وقد ضمت الولاية الجديدة كلاً من البصرة نفسها والكويت والأمارة والقرنة والناصرية.[12] والجدير بالذكر أن هذه المناطق كلها لا تزال مناطق عراقية باستثناء الكويت. ومع ذلك, فان ذلك الكيان الإداري لم يكن الشاهد التاريخي الوحيد الذي يمكن استخدامه لإثبات المطالب العراقية بالكويت. فخلال القرن التاسع عشر, كان حكام الكويت يدفعون لوالى البصرة ضريبة سنوية مقدارها أربعين كيسا من الأرز وأربعمائة فارسلة (كيسا) من التمر. وفى المقابل, كانوا يتلقون الملابس الشرفية المخصصة للقائم مقام.[13]

 

البريطانيون يدخلون الحلبة: مبارك يغتصب السلطة

 

         حكم الشيخ عبد الله الثاني الكويت كقائم مقام, أي كنائب لوالى البصرة هناك, حتى وفاته في عام 1892. وكذلك حكم أخوه وخليفته, الشيخ محمد, الكويت كقائم مقام إلى أن قُتل على يد أخيه غير الشقيق, مبارك, في عام 1896. وقد اتخذ محمد من يوسف بن عبد الله آل إبراهيم, وهو عراقي من شط العرب, مستشاراً مقرباً منه. أغضب ذلك التصرف مبارك الذي أحسّ بأنه كان مبعداً عن شئون الحكم. ولكن الشيخ محمد لم يعبأ وكان يسانده في ذلك أخوه الشقيق, جراح. وفى عام 1896, قام مبارك بقتل أخويه محمد وجراح, وأصبح حاكماً للكويت. والحقيقة أن اغتصاب السلطة بالقتل أو الاغتيال كان ولا يزال متبعاً في بعض الأسر الحاكمة في الوطن العربي, نظراً للافتقار إلى سياسة واضحة ومتفق عليها للخلافة بين أفراد النخب الحاكمة. كذلك فان اغتصاب السلطة يعد الوسيلة الوحيدة المتوفرة أمام الطامحين من أفراد الأسر والنخب الحاكمة للتخلص من الحكام. وتزداد احتمالات الانقلابات السلمية والعنيفة على الحكام بتناقص فرص هؤلاء الطامحين في خلافة الحكام.[14]

        وفي حالة صعود مبارك للحكم, لعب البريطانيون دوراً أساسياً في إعداده للوصول إلى السلطة وفى حمايته بعد ذلك. وقد أصبح ذلك سمة هامة من سمات السياسة الاستعمارية البريطانية في شبه الجزيرة العربية. فقد تعين على الحكام أن يكونوا موالين للبريطانيين وإلاّ فان بريطانيا تنقلب عليهم فتؤيد خصومهم وتشجعهم لتولى الحكم بدلاً عنهم. وقد أبدت بريطانيا اهتماماً بتطوير علاقاتها بالكويت منذ توطيد حكم آل صباح فيها خلال القرن الثامن عشر. فقد سمح الشيخ عبد الله الأول, الذي حكم من 1762 إلى 1812, للبريطانيين ببناء مركز تجارى في الكويت وبالاحتفاظ بقوة من الجنود الهنود لحراسته. لكن خليفته, الشيخ جابر الأول والذي حكم من 1812 إلى 1859, لم يكن مهتما بالحفاظ على العلاقات التجارية مع البريطانيين. لذلك فإنه رفض عرضين بريطانيين برفع العلم البريطاني على السفن الكويتية وبالمحافظة على الوجود البريطاني في المركز التجاري. كذلك فعل الشيخ صباح الثاني, الذي حكم من 1859 إلى 1866. أما ابني صباح, عبد الله الثاني (11866-1892) ومحمد الأول (1892-1896), فقد كان ولاؤهما للدولة العثمانية كافياً لدرجة أنهما قد رفضا تطوير أية علاقات غير عادية مع البريطانيين. وبحلول ذلك الوقت, أصبح التنافس الاستعماري الأوروبي على ممتلكات الدولة العثمانية الضعيفة شديداً. ولذلك فإن صبر بريطانيا بدأ ينفذ إزاء السياسات الموالية للدولة العثمانية التي كان يتبعها شيوخ الكويت. وهكذا, وجد البريطانيون في مبارك فرصتهم المثلى للتحكم في الكويت.

         وقد أدى تطابق المصالح بين مبارك والبريطانيين إلى حصوله على مساندتهم في اغتصابه للسلطة. فقد كان يشعر أن أخويه غير الشقيقين, محمد وجراح, قد تركاه وحيداً. وكان يشكو من أن أمين الخزانة, يوسف آل إبراهيم, هو الحاكم الفعلي للكويت. وفوق ذلك, كان يعتقد أن سوء المعاملة التي كان يلقاها من أخويه سببها تأثير يوسف عليهما. ولذلك, فانه كان يقضى معظم وقته في الصحراء, خارج مدينة الكويت, في النهب والسلب. كما أنه سافر إلى الهند وقضى بعض الوقت في مدينة بومبي. وهناك, قدم له بعض عملاء الحكومة البريطانية مبالغ كبيرة من المال مكنته من أن يخسر في القمار بسعادة غامرة. ولكي يسترد العملاء البريطانيون أموالهم التي أقرضوها لمبارك, فقد أقنعوه بإنهاء حكم أخيه حتى يصبح هو شيخاً للكويت. ولم يكتفوا بإقناعه فقط, وإنما قاموا بتجهيز الحملة المسلحة التي مكنته من تحقيق غرضه.

         وفي 17 مايو/أيار 1896, ترك مبارك الصحراء متوجهاً إلى مدينة الكويت, يصحبه أبناؤه جابر وسالم وكذلك لفيف من أتباعه المخلصين. وبعدما مُنح الإذن بالدخول إلى قصر أخيه, قسَّم أتباعه إلى ثلاث مجموعات. فحدد لنفسه مهمة قتل أخيه الشيخ محمد. أما ابنه الأكبر جابر, فكان عليه قتل عمه جراح. وأناط إلى ابنه الأصغر سالم ومعه مجموعة من الاتباع مهمة احتلال بوابة القصر من الداخل, حتى يمنعوا خروج أحد من الداخل ويقتلوا الحراس إذا حاولوا التدخل. وقد نفذت العملية كما تم التخطيط لها فيما عدا بعض الصعوبات التي سببتها زوجة جراح في محاولتها اليائسة للدفاع عن زوجها. وفي اليوم التالي, خاطب مبارك الناس قائلا أن مشيئة الله قد قضت بأن يموت أخواه في الليلة الماضية, ثم أعلن نفسه شيخا جديداً. ولم يجد ما فعله أو أعلنه أي معارضة من الناس لا قولاً ولا فعلاً.

         لكن يوسف آل إبراهيم ومعه أولاد الشيخين القتيلين تمكنوا من الهرب واللجوء إلى البصرة, حيث استنجدوا بالوالي. وقد وصفوا مبارك بأنه أداة بيد البريطانيين, وطلبوا من السلطات العثمانية مساعدة سعود بن محمد لاسترداد منصب أبيه المغتصب كقائم مقام عثماني للكويت. لكن جهودهم لم تفلح في البداية, لأن والي بغداد لم يؤيدهم. فقد شعر بالإهانة لأنهم لم يلجأوا إليه أولاً, بدلا ًمن والى البصرة الذي كان أقل منه شأناً. ليس ذلك فحسب, بل إنه أيد ادعاءات مبارك بأن القاتل هو يوسف آل إبراهيم. وقد أدى موقف والي بغداد ذاك إلى منح مبارك لقب قائم مقام الوالي في الكويت, في عام 1897. وبالرغم من ذلك, لم ينعم مبارك بالاطمئنان لأن خصومه كانوا لا يزالون أحياء في البصرة يرزقون. ولذلك, فإنه طلب الحماية البريطانية مرتين في عامي 1897 و 1898. لكن البريطانيين رفضوا طلبيه ونصحوه بالبقاء تحت السيادة العثمانية, وذلك لأنهم لم يكونوا راغبين في تلك المرحلة في إثارة أية شكوك عثمانية نحوهم كما أنهم لم يروا أية تهديدات لمصالحهم في المنطقة. ولكن البريطانيون غيروا من موقفهم عندما بدأت دول أوروبية أخرى تبدى اهتماماً بالكويت. ففي عام 1898, أصبحت روسيا مهتمة بشكل جدي بمشروع مد سكة حديدية تربط طرابلس اللبنانية بالكويت. وفي نفس الوقت, كانت ألمانيا تحاول بنفس الجدية الحصول على موافقة السلطان العثماني على مشروع سكة حديد برلين~بغداد, والذي كانت الكويت محطته النهائية على الخليج العربي.

         وهكذا, تلقى المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي, م ج ميد, تعليمات من نائب الملك في الهند, اللورد كيرزون, بأن يوقع اتفاقية حماية مع مبارك في 23 يناير/ كانون الثاني 1899. وطبقا للاتفاقية, وعدت بريطانيا بحماية الكويت من الهجمات الخارجية واعترفت بمبارك وورثته من بعده كحكام شرعيين لها. كذلك قررت بريطانيا منح مبارك راتباً شهرياً مقداره 15,000 روبية هندية. وفى المقابل, وافق مبارك على ألا يتعامل مع أية دولة أخرى بدون موافقة بريطانيا (ملحق 1.ب). وقد أثبتت اتفاقية الحماية أنها لا تقدر بثمن لمبارك ولورثته من بعده, فقد مدت بريطانيا يد العون لهم وأنقذتهم في كل مرة تعرضوا فيها للخطر طيلة القرن العشرين.[15]

 

المحاولات العراقية لاسترجاع الكويت

 

         لم يشأ يوسف آل إبراهيم إضاعة الوقت, فاستمر في محاولاته حتى أقنع حمدي باشا, والى البصرة, بقيادة تحالف كبير لاستعادة الكويت من مبارك. وقد ضم ذلك التحالف كلاً من شيخ قطر قاسم آل ثاني, وشيخ حائل محمد آل رشيد, بالإضافة إلى مجموعة من الأتباع المخلصين للشيخين المغدورين. وعندما شعر مبارك بالخطر, بدأ الحرب بشن ضربة وقائية ضد آل رشيد في الصريف عام 1901. ورغم أنه هُزم, إلاّ أن بريطانيا قد أكدت حمايتها له. وكرد على هجوم مبارك على أتباعها في شبه الجزيرة العربية, أصدرت الحكومة العثمانية أوامرها لوالي بغداد باسترجاع الكويت بالقوة. لكن والي بغداد لم يكن متحمسا لاستخدام القوة لتحقيق ذلك الهدف. وبدلاً من ذلك, ذهب بنفسه إلى مبارك وعرض عليه أن يصبح عضواً في المجلس الاستشاري العثماني (البرلمان) في اسطنبول, أو أن يعيش في أي مدينة عثمانية يختارها, براتب شهري يتقاضاه هناك. وعندما رفض مبارك مغادرة الكويت, أقنعه الوالي بإظهار ولائه للدولة العثمانية بأن يتصرف كقائم مقام عثماني. عندها, وافق مبارك وأنقذ نفسه من هجوم عثماني وشيك. لكنه سرعان ما أظهر عدم ولائه عندما رفض في نفس السنة, 1901, السماح لقوات عثمانية بالتمركز في الكويت. وقد أدى موقفه ذاك إلى أن تبدأ الحكومة العثمانية في العراق بالنظر إلى الكويت على أنها منطقة مغتصبة, وإلى مبارك على أنه شيخ متمرد. ومنذ ذلك الحين, وخلال القرن العشرين, قامت الحكومات العراقية المتعاقبة بعدة محاولات لاسترداد الكويت. وكانت المحاولة الأولى في عام 1901, مباشرة بعد رفض مبارك قبول القوات العثمانية في الكويت, وكان ذلك بعد عامين من توقيعه معاهدة الحماية مع بريطانيا. وقامت بالمحاولة قوات من الحامية العثمانية المرابطة في البصرة, وقوات من عرب شمر, من أتباع محمد آل رشيد.[16] لكن تلك القوات قد انسحبت بدون قتال عندما تصدت لها قوات من البحرية البريطانية وكذلك نتيجة لعودة محمد آل رشيد لمنطقة حكمه بعدما وصلته أخبار عن تمرد هناك.

         أما المحاولة الثانية لاسترجاع الكويت فقد جرت في السنة التالية, 1902. وقادها يوسف آل إبراهيم وحمود بن جراح, ابن أخ مبارك, يساندهما أعضاء من قبيلة الشريفات. وقد أبحروا بسفينتين من دوره على شط العرب ونزلوا في رأس العجوزة, إلى الشرق من مدينة الكويت. وهناك, اكتشفتهم القوارب المسلحة التابعة للسفينة البريطانية, لابويغ, واشتبكت معهم في قتال مرير. وانتهت المعركة بأسر السفينتين, لكن يوسف وحمود وبعض اتباعهما تمكنوا من العودة للبصرة مستخدمين عدداً من القوارب الصغيرة. وهكذا, فان المحاولة الثانية لاسترجاع الكويت قد فشلت أيضاً نتيجة للحماية البريطانية لمبارك. وعلى إثر المعركة, اتفقت الحكومتان البريطانية والعثمانية على الحفاظ على الوضع كما هو في الكويت, الأمر الذي أراح مبارك من الانشغال بتهديدات خصومه.[17]

         ولكي تظهر مزيداً من التأييد لمبارك بعد هاتين المحاولتين ضده, أرسلت بريطانيا نائب الملك في الهند, اللورد كيرزون, لزيارة الكويت في عام 1903. كذلك قامت بتعيين أول وكيل سياسي بريطاني معتمد في الكويت عام 1904, وهو س ج نوكس. وكتعبير عن عرفانه بالجميل, وافق مبارك على تأجير البريطانيين قطعة من الأرض تمتد لمسافة ميلين ما بين مدينة الكويت غربا وبندر الشويخ. وفي المقابل, وافق البريطانيون على دفع إيجار سنوي له مقداره 60,000 روبية هندية, كما أكدوا له اعترافهم بأن الكويت والأراضي التابعة لها تعود له ولورثته من بعده, وأنهم سيحمونه في أوقات الخطر.[18]

        وفى عام 1913, اتفقت بريطانيا والدولة العثمانية على رسم الحدود بين "دول" ومشيخات الخليج العربي, والتي أصبح معظمها تحت الحماية البريطانية. لكنّ تلك الاتفاقية لم يتم التصديق عليها بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914.[19] وطبقاً للمادة الخامسة من تلك الاتفاقية, فإنه قد تم رسم المناطق التابعة للكويت على شكل دائرة نصف قطرها أربعين ميلا, مركزها مدينة الكويت, يحدها شمالاً خور الزبير, وجنوبا القريعين. وقررت تلك المادة أن المناطق الكويتية تشمل جزر وربه وبوبيان ومسكان وفيلكه وأم المرادم وعوها وكبر وقاروه والمقطع, وكذلك الجزر الصغيرة المجاورة لها. وهكذا, فإنه طبقاً لاتفاقية 1913 غير المصدقة, تم اعتبار جزيرة بوبيان على أنها تابعة للكويت. ومع ذلك, فإن الجزيرة بقيت جزءاً من الأراضي العراقية حتى بداية الحرب العالمية الأولى. ففي 3 نوفمبر/تشرين ثاني 1914, حثت الحكومة البريطانية مبارك الصباح, في رسالة موجهة إليه, أن يهاجم أم قصر وصفوان وجزيرة بوبيان بهدف عرقلة المجهود الحربي العثماني.[20] وهكذا يمكن اعتبار هذه الحقيقة التاريخية دليلاً يمكن استخدامه لمساندة المطالب العراقية بجزيرة بوبيان, والتي ظهرت إلى السطح في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين.

         وفعلاً, شارك مبارك في المجهودات الحربية البريطانية ضد الدولة العثمانية وحلفائها في المنطقة حتى وفاته عام 1915. وقد خلفه ابنه الأكبر جابر الذي كان حكمه قصيراً حيث توفى عام 1917. وتلا جابر أخوه سالم الذي حكم حتى وفاته عام 1921. ثم تولى حكم الكويت بعد ذلك الشيخ أحمد الجابر الذي استمر في الحكم حتى عام 1950. وقد انتهت الحرب العالمية الأولى بهزيمة الدولة العثمانية وبتقسيم ولاياتها وأراضيها بين الدول الأوروبية المنتصرة. وبما أن العراق قد أصبح تحت النفوذ البريطاني مثل الكويت, فقد انتهت حالة العداء بين البلدين. ومع ذلك, استمر التوتر بينهما على شكل نزاعات حدودية. لكن بريطانيا رأت أن من مصلحتها أن تهدئ من تلك المنازعات التي تهدد الاستقرار في المناطق الخاضعة لها. من أجل ذلك, قام المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي, السير بيرسي كوكس, بعقد مؤتمر في العقير, بالسعودية الآن, عام 1922. وقد استخدم كوكس الاتفاقية البريطانية~العثمانية غير المصدقة, والتي وقعت عام 1913, كأساس لرسم الحدود المشتركة بين الكويت والسعودية والعراق.

         لم تتوقف المطالب العراقية بالكويت بعد مؤتمر العقير. فالاتفاقية البريطانية~العثمانية الموقعة في عام 1913 لم تكن ملزمة للعراق لأنها لم يتم التصديق عليها أبداً. ولكن بدلاً من الحملات العسكرية, شنت الحكومة العراقية حملة إعلامية ضد الشيخ أحمد الجابر. واستمر الملك فيصل في انتقاد الاحتلال البريطاني للبلاد العربية, بما في ذلك الكويت.[21] وعندما توفى في عام 1933, خلفه ابنه غازي الذي كان في الحادية والعشرين من عمره. وكان الملك غازي أكثر حماساً من أبيه في الحديث عن قضية الوحدة العربية. وعلى الأخص, كان أكثر انتقاداً لشيخ الكويت وحماته البريطانيين. وعلى الرغم من الاحتجاجات البريطانية على تلك السياسة العراقية, إلاّ أن حملة الملك غازي الإعلامية ضد شيخ الكويت لم تتوقف. وتصاعد التوتر بين الملك وسلطات الاحتلال البريطانية لدرجة أنه عندما توفى في حادثة سير في 14 مارس/آذار 1939, شك كثير من العراقيين في أن البريطانيين كانوا مسؤولين عن وفاته. فانتشرت المظاهرات ضدهم في جميع أنحاء العراق, حتى أن القنصل البريطاني في الموصل قد قتل أثناء واحدة منها. وخلف الملك غازي ابنه فيصل الثاني, الذي كان يبلغ الرابعة من عمره. لذلك, فانه قد وُضع تحت وصاية الأمير عبد الإله. وقد أدى ذلك إلى تغيير جذري في السياسة العراقية لاسيما وأن رئيس الوزراء, نوري السعيد, الموالي لبريطانيا لم يكن راغباً بالاستمرار فى الحملة الإعلامية ضد الشيخ أحمد الجابر. لكن وزير البلاط, رشيد علي الكيلاني, كان قومياً عربياً, ولذلك فإنه كان على خلاف مع نوري السعيد في سياسته الموالية للبريطانيين. وفي فبراير/شباط 1941, استقال نوري السعيد متيحا المجال لخصمه رشيد الكيلاني ليصبح رئيساً للوزراء. وعندما طلب البريطانيون من العراقيين أن يقاتلوا معهم ضد الألمان والإيطاليين, رفض الكيلاني ذلك وقاد المقاومة العراقية المسلحة ضد الاحتلال البريطاني الثاني للعراق في مايو/أيار 1941. وأثناء القتال, جاء العديد من المتطوعين العرب من مختلف البلاد العربية, بما في ذلك الكويت, للاشتراك في القتال مع الجيش العراقي ضد المستعمرين البريطانيين. وبعد تغلب البريطانيين على المقاومة العراقية, عاد نوري السعيد ليتولى رئاسة الوزارة من جديد. ونتج عن ذلك تراجع كبير في الحملات الإعلامية العراقية وفى الدعم العراقي المقدم للقوميين العرب في الكويت, واستمر ذلك الحال حتى ثورة 14 يوليو/تموز 1958.[22]

         وبعد ذلك بحوالي ثلاثة أعوام, أي في 19 يونيو/حزيران 1961, وقعت الكويت وبريطانيا اتفاقية صداقة حلت محل اتفاقية الحماية الموقعة عام 1899, وذلك تمهيداً لاستقلال الكويت عن بريطانيا. وفى خلال أُسبوع  من ذلك, أي في 25 يونيو/حزيران 1961, أعلن العراق نيته ضم الكويت على أساس أنها كانت أرضاً عراقية قبل اتفاقية الحماية.[23] ثم قام الرئيس عبد الكريم قاسم بتحريك القوات العراقية باتجاه الحدود لدخول الكويت وضمها بمجرد انسحاب البريطانيين منها. ولمنع ذلك من الحدوث, أرسل البريطانيون 5,000 آلاف جندي ليعسكروا على الحدود الكويتية~العراقية. وقد أدى ذلك التحرك البريطاني إلى وقف الزحف العراقي حتى تم إرسال قوة من 3,300 جندي يتبعون الجامعة العربية لتأخذ مكان القوة البريطانية, وكانت مؤلفة من جنود من السعودية والجمهورية العربية المتحدة والسودان والأردن وتونس. وقد أدت تلك الأزمة إلى أن وجد زعيم القومية العربية آنذاك, جمال عبد الناصر, نفسه في موقف حرج. فقد أرسل قواته ضمن قوات الجامعة العربية لمنع محاولة توحيد قطرين عربيين, وهو الذي كان المدافع الأول عن الوحدة العربية. لذلك وجد نفسه ملزماً بالدفاع عن موقفه, فقال انه فعل ذلك حتى يمنع عودة الاستعمار البريطاني للمنطقة العربية.

         وهكذا, وللمرة الثالثة, قامت بريطانيا بحماية الكويت من العراق. وفي هذه المرة, كانت المصالح البريطانية في الكويت أكثر جلاء وأهمية مما كانت عليه في أول القرن العشرين. فحتى أواخر العقد الخامس من ذلك القرن, كان حاكم الكويت (الشيخ عبد الله السالم) قد استثمر حوالي تسعين مليون دولار في سوق لندن للأوراق المالية. وقد جعله ذلك أكبر فرد مستثمر في ذلك السوق. وبالإضافة إلى ذلك, فإن الحكومة البريطانية كانت تملك ربع شركة نفط الكويت, كما كانت بريطانيا تستورد 40 في المائة من احتياجاتها النفطية من الكويت.[24] وقد انتهت الأزمة أخيرا بقبول الكويت عضواً بالجامعة العربية في 20 يوليو/تموز 1961, ثم عضواً في منظمة الأمم المتحدة في 17 مايو/ أيار 1963.[25]

         وفي مقابل موقف عبد الناصر المؤيد لاستقلال الكويت, أعلنت الحكومة الكويتية في مجلس الأمة في 9 أبريل/نيسان 1963 أنها بصدد مراجعة اتفاقية الصداقة التي وقعتها مع بريطانيا. كما أشارت في بيانها إلى أن الوحدة العربية "حتمية تاريخية", وذلك توافقاً مع ما كان ينادى به عبد الناصر.[26] وفي أكتوبر/تشرين أول 1963, اعترف رئيس الوزراء العراقي (آنذاك) أحمد حسن البكر, باستقلال الكويت وسيادتها, كما وافق على عضويتها في الجامعة العربية وفى الأمم المتحدة.[27] ولكن المجلس الوطني العراقي لم يصادق على قرارات البكر التنفيذية. لذلك, استمر العراقيون في مطالبهم بالكويت على اعتبار أنها أرض عراقية. وبعد ذلك بحوالي عشر سنوات, أي في 20 مارس/آذار 1973, قامت القوات العراقية باحتلال مركز شرطة الحدود الكويتي في الصميته. وقد طلب العراق في مقابل انسحابه من المركز أن توافق الكويت على ضمه أو استئجاره لجزيرتي وربه و بوبيان, وذلك حتى يصبح للعراق موانئ على الخليج العربي. ولكن القوات العراقية انسحبت دون تحقيق أي من مطالبها, تحت ضغوط من الاتحاد السوفيتي والجامعة العربية.[28] أما في الثمانينات, فقد تحسنت العلاقات الكويتية~العراقية, نتيجة للحرب العراقية~الإيرانية التي استمرت من 1980 إلى 1988. وانعكس ذلك في المساندة المالية الكويتية للعراق, وفى السماح للقوات العراقية باستخدام الأراضي الكويتية لشن هجمات على الأراضي الإيرانية, وبالذات على جزيرة خرق. كما قام الكويتيون أيضا ببيع النفط نيابة عن العراقيين. ولكن ذلك أدى فيما بعد إلى أن يتهم العراقيون الكويت باستغلال حقول الرميلة العراقية, الواقعة على الحدود بين البلدين, دون إذنهم.

   

 

 

 

النضال من أجل الديمقراطية والوحدة

 

         بعد وفاة الشيخ سالم في عام 1921, قام أعضاء أسرة آل صباح باختيار أحمد الجابر شيخاً للكويت. وكان العرف يتطلب أن يؤيد الكويتيون من يختاره آل صباح, كائناً من كان. ومع ذلك, فإن أهل الكويت قد قرروا أن يقولوا شيئاً مختلفاً هذه المرة. فقد سئموا القتال ضد القبائل النجدية, والذي عزوه للحكم الفردي للشيوخ. لذلك, أخبروا عائلة آل صباح أنهم سيقبلون الشيخ الجديد فقط إذا قبل بالتشاور مع مجلس للشورى من التجار والوجهاء وكبار السن الكويتيين. وقد أصدر عدد من هؤلاء ميثاقاً لخص أفكارهم حيال ذلك الأمر. فطلبوا أن يكون لهم رأي فيمن سيتم اختياره ليكون شيخاً من آل صباح. كما طلبوا أن يكون الشيخ نفسه رئيساً لمجلس الشورى. كذلك طلبوا أن يدير الحكومة أناس من عائلة آل صباح ومن العائلات الكويتية الأخرى (الملحق 1.ج).

         وكانت ردة فعل الشيخ أحمد الجابر أكثر إيجابية مما توقعه الناس منه. فوافق على فصل الجهازين التنفيذي والقضائي للحكومة عن بعضهما البعض. وأصبحت القضايا الجنائية تنظر أمام المحاكم الشرعية الإسلامية, وأصبح قرار المفتى هو القرار الأخير في قضايا الاستئناف. وقد أدى فصل جهازي الحكومة التنفيذي والقضائي عن بعضهما إلى تحول الكويت من مشيخة إلى "دولة," حل فيها القانون المكتوب محل التقاليد والأحكام الفردية لشيخ القبيلة. وقد وافق الشيخ أحمد الجابر أيضاً على أن يسعى للنصيحة والمشورة من خارج عائلة آل صباح, وذلك في جميع الشؤون الداخلية والخارجية التي تهم البلاد. وبالإضافة إلى ذلك, فقد وافق على أن لكل فرد كويتي الحق في وضع أي اقتراح أمام الشيخ لينظر فيه.

         وبالفعل, تم انتخاب مجلس للشورى مؤلف من واحد وعشرين عضوا برئاسة حمد عبد الله الصقر. لكن المجلس نادراً ما اجتمع أعضاؤه وانتهى بعدما حله الشيخ. وقد ألهمت تلك التجربة الديمقراطية الكويتيين ليختاروا مجلسا بلديا لمدينة الكويت عام 1934 ومجلسا للمعارف عام 1936. لكن صراعاً نشب بين الشيخ وهذين المجلسين نظراً لعدم قبوله لفكرة المشاركة في إدارة شؤون البلاد. ولم يمض وقت طويل حتى قام الشيخ بحل مجلس المعارف, في نفس العام الذي تكوَّن فيه. فأوعز أعضاء المجلس المنحل إلى زملائهم في المجلس البلدي ليستقيلوا بدورهم احتجاجاً على أُسلوب الشيخ في إجهاض تلك التجارب الديمقراطية.[29]

         لم يتوقف النضال من أجل الديمقراطية والوحدة عند حل المجالس الثلاثة. وعلى العكس من ذلك, فقد بدأ أعضاء تلك المجالس في تنظيم المعارضة الكويتية لحكم أحمد الجابر المستبد. وكان باكورة أعمالهم تأسيس جمعية سريه أطلقوا عليها اسم الشبيبة. ومن خلالها, أخذوا ينادون بالوحدة مع العراق, الأمر الذي جلب لهم التأييد من الحكومة العراقية. وعلى الأخص, فقد وجدوا أذناً صاغية عند الملك غازي, الذي ورث عن أبيه قيادة الحركة القومية العربية. فزاد من إدانته للقوى الاستعمارية الأوروبية التي احتلت البلاد العربية خلافاً لوعودها بمنح العرب استقلالهم بعد الحرب العالمية الأولى. وزاد على ذلك بتحديه لبريطانيا عندما طالب بالكويت كأرض عراقية. وكان يعلن, من خلال إذاعته التي كانت تبث من قصره, انتقاداته المستمرة للشيخ أحمد الجابر الذي كان يصفه بأنه "أمير إقطاعي عتيق الطراز" وأن حكمه يتعارض مع حكم العراق القومي المنفتح, وأن دمج الكويت مع العراق هو أكثر فائدة لها.[30]

         وفى يونيو/حزيران 1938, قام وفد من حركة الشبيبة الكويتية, وجلهم من القوميين العرب, بمقابلة الشيخ أحمد الجابر, وسلموه وثيقة تذكره بموافقته على مشاركة أهل الكويت له في الحكم. وقد كانت وثيقة مؤثرة أدت بالشيخ للموافقة على تشكيل مجلس تشريعي بالانتخاب غير المباشر, في نفس العام (ملحق 1.د). وتألف ذلك المجلس التشريعي من أربعة عشر عضواً, لكن الشيخ سرعان ما حله. وأجريت انتخابات جديدة في ديسمبر/كانون أول 1938, أسفرت عن تشكيل المجلس الثالث المكون من عشرين عضواً, والذي كان فيه سبعة من القوميين العرب.[31] وانقسم المجلس إلى فريقين, أحدهما يؤيد الوحدة مع العراق والآخر يؤيد الاستقلال تحت حكم الشيخ.[32] ولم تكن الأوضاع الاقتصادية في الكويت على ما يرام مما أدى بأغلب الناس, خاصة التجار, إلى أن يميلوا للفريق الأول. فقد كانوا يدركون أن أحوالهم يمكن أن تزدهر اذا اتحدت الكويت مع العراق, الأكثر ازدهارا. وبطبيعة الحال, فان تلك المجموعة الوحدوية كانت تتلقى مساندة وتأييداً كبيرين من الحكومة والشعب العراقي.

         ولم يمض وقت طويل حتى حدث الصدام بين الشيخ والقوميين العرب في المجلس. فقد بادر هؤلاء بتزعم المجلس في إعداد دستور ديمقراطي وقومي بهدف ضمان سيادة واستقلال الكويت كجزء من الأمة العربية. وأعطت مسودة الدستور كل السلطة التشريعية للمجلس نفسه, واشترطت وجود حكومة نيابية. كما نصت على أن يكون المجلس التشريعي هو السلطة العليا في إبرام المعاهدات ومنح الامتيازات وتوقيع الاتفاقيات (ملحق 1.ه).[33] وبعدما قرأ الشيخ مسودة الدستور, أضاف لها مادة تقول بأن الكويت مستقلة "تحت الحماية البريطانية." ولكن المجلس رفض إضافة تلك المادة, مما أدى إلى أزمة مارس/آذار 1939 التي قام الشيخ أحمد الجابر أثناءها بإعلان حالة الطوارئ. وقد مكنه ذلك من سحق المعارضة, فتم القبض على أعضاء المجلس وغيرهم من القوميين العرب, وقتل في تلك الأزمة أشخاص عديدون. بعد ذلك, أصدر الشيخ دستوراً آخر أكد فيه على الروابط البريطانية~الكويتية, كما قام بتعيين عشرة أشخاص في المجلس التشريعي, بدلا من القوميين العرب. ومع ذلك, فإن ذلك المجلس لم يجتمع, واستعاض عنه الشيخ بمجلس للشورى من ثمانية أشخاص عينهم جميعاً, ولم تكن نصيحة هؤلاء ملزمة له على أية حال.[34]

      وبالرغم من تلك الانتكاسة في مسيرة الحركة الديمقراطية, إلاّ أن القوميين العرب لم يتوقفوا عن مطالبتهم بالوحدة مع العراق. وتطوع بعضهم, مثل عبد الله الصقر, للاشتراك في المقاومة المسلحة ضد الحملة العسكرية البريطانية الثانية لاحتلال العراق, في عام 1941.[35] وبعد انتكاسة القوميين العرب في العراق ولجوء رشيد الكيلاني إلى ألمانيا, تناقص التأييد العراقي للوحدويين الديمقراطيين في الكويت إلى أدنى مستوى. واستمر ذلك الحال حتى ثورة الرابع عشر من يوليو/تموز 1958, التي أطاحت بالنظام الملكي الموالى لبريطانيا. وعادت فكرة توحيد الكويت والعراق تطل من جديد, وبقوة هذه المرة, لتصل إلى ذروتها في المحاولة العراقية الثالثة لاسترجاع الكويت, عام 1961.

         حدث ذلك التطور أثناء حكم الشيخ عبد لله السالم (1950-1965), والذي تميز كحكم أخيه الشيخ صباح السالم من بعده (1965-1977) بعدم الصدام مع الحركة القومية الديمقراطية. وعلى العكس من ذلك, كان هناك تعاون بينهما. ففي 20 يناير/كانون ثاني 1962, تم انتخاب مجلس دستوري مكون من عشرين عضواً لصياغة الدستور الدائم للبلاد. وفى 11 نوفمبر/تشرين ثاني 1962, صادق الشيخ عبد الله السالم على الدستور الذي نص على تشكيل مجلس للأمة بالاقتراع المباشر من قبل المواطنين الكويتيين الذكور.[36] وبالفعل, أجريت الانتخابات, وتشكل أول مجلس للامة في الكويت في 23 يناير/كانون الثاني 1963. وكان مؤلفاً من خمسين عضواً تم انتخابهم لمدة أربع سنوات.[37]

         لم يتوقف النضال من أجل مزيد من المشاركة الديمقراطية بعد الاستقلال. وخاصة بعد حل مجلس الأمة عام 1976 والذي استمر حتى عام 1981. وقد ازداد التوتر بتولي الشيخ جابر الأحمد الحكم في 31 ديسمبر/كانون أول عام 1977. فبعد ذلك بشهر, أي في 31 يناير/كانون ثاني 1978, تم تعيين الشيخ سعد العبد الله ولياً للعهد ورئيساً للوزراء, والشيخ صباح الأحمد نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للخارجية.[38] ومنذ ذلك الحين, وحتى الأزمة العراقية~الكويتية في عام 1990, فان ثلاثتهم قد حكموا الكويت بشكل مطلق في معظم الأحوال. ولم يكترثوا بالمحافظة على النهج الديمقراطي كلما ظهرت أزمة في البلاد. فلم يسمحوا بالانتخابات إلاّ بعد حوالي خمسة أعوام من حل المجلس, أي في عام 1981, مع أن الدستور ينص على عقدها خلال ثلاثة أشهر فقط. وعندما تم انتخاب مجلس الأمة السادس في عام 1985, بدأت المعارضة في المجلس تساندها الصحف في انتقاد أعضاء من الأسرة الحاكمة لمسئوليتهم عن سقوط سوق المناخ للأوراق المالية وما تبع ذلك من مشكلات.[39] وكان رد الأمير الشيخ جابر الأحمد على تلك الانتقادات حل مجلس الأمة في 3 يوليو/تموز 1986, وتعطيل بعض مواد الدستور, ووضع وسائل الإعلام تحت الرقابة الحكومية.[40] وقد استخدمت الحكومة ظروف الحرب العراقية~الإيرانية كذريعة لتعليق الديمقراطية في البلاد. ومع ذلك, فعندما انتهت الحرب في عام 1988, لم يتم استدعاء مجلس الأمة مما أدى إلى ارتفاع أصوات المعارضة منادية بالعودة إلى الممارسة البرلمانية. وعندما أصرت الحكومة على موقفها متجاهلة هذه المطالب, خرجت المعارضة إلى الشوارع في عامي 1989 و 1990 احتجاجا على ذلك. فصعدت الحكومة من موقفها المتشدد, وبدأت القبض على أقطاب المعارضة ونشطائها. واستمرت مظاهرات واحتجاجات المعارضة وكذلك القمع الحكومي لها حتى 15 مايو/أيار 1990, أي حتى أسابيع قليلة قبل الغزو العراقي للكويت.[41] وربما أسهمت احتجاجات المعارضة تلك والقمع الحكومي لها في تهيئة المناخ لحدوث المحاولة العراقية الرابعة لاسترداد الكويت, المعروفة أكثر بالغزو العراقي, في 2 أغسطس/آب 1990. ويمكن القول أيضاً أن الحكومة الكويتية ربما وجدت في تصعيد التوتر مع العراق وسيلة للخروج من مأزقها الداخلي مع المعارضة. وهذا يمكن أن يفسر الموقف الكويتي المتشدد قبل وأثناء المحادثات العراقية~الكويتية في جده.

 

الثروة النفطية: نمو سكاني ورفاهية

 

         مرت العائدات النفطية الكويتية بصفة عامة في ثلاث مراحل من التغير. كانت المرحلة الأولى بين عام 1934, عندما بدأت الكويت في إنتاج النفط لأول مرة, وعام 1973, عندما ارتفعت أسعار النفط بشكل كبير. في تلك المرحلة, كانت العائدات النفطية صغيرة جداً, نظراً لرخص أسعار النفط ولامتلاك الشركات البريطانية والأميركية للصناعة النفطية. وكان متوسط سعر النفط في عام 1973 حوالي 1.63 دولاراً للبرميل, كما كان إجمالي الصادرات النفطية لذلك العام يعادل حوالي 1.7 بليون دولار. وبحلول 1 أكتوبر/تشرين أول عام 1973, أي قبل الحرب مباشرة, وصلت أسعار النفط إلى حوالي 2.9 دولار للبرميل.

         وقد تميزت المرحلة الثانية بزيادة هائلة ومفاجئة في أسعار النفط. ففي 16 أكتوبر/تشرين أول 1973, ونتيجة للحظر النفطي العربي الذي واكب الحرب العربية~الإسرائيلية في ذلك العام, فان منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) قد رفعت أسعار النفط الخام بحوالي 70 بالمائة. واستمرت الأسعار في الارتفاع السريع حتى وصلت إلى 11.5 دولار للبرميل في 1 يناير/كانون ثاني 1974, محققة زيادة قدرها 300 بالمائة. وفي عام 1975, بلغ إجمالي الصادرات النفطية الكويتية ما قيمته حوالي 8.64 بليون دولار.[42] وفي عام 1977, أصبحت الحكومة الكويتية المالكة الوحيدة للصناعة النفطية في البلاد. ونتج عن ذلك زيادة طفيفة في عائدات النفط في ذلك العام, والتي وصلت إلى 8.9 بليون دولار. لكن خلال عامين, أي في عام 1979, وصلت العائدات النفطية إلى حوالي 16.8 بليون دولار, أي ما يقارب الضعف. ثم ازدادت العائدات قليلا عام 1980, لتصل إلى حوالي 17.9 بليون دولار, نتيجة لارتفاع جديد في أسعار النفط وصل إلى 29.8 دولار للبرميل في أول مايو/أيار,[43] وحتى إلى 35 دولار للبرميل لمدة قصيرة بعد ذلك. ولكن هذه الفورة لم تدم طويلاً, إذ بدأت العائدات النفطية في التناقص حتى وصلت إلى 13.8 بليون دولار عام 1981, و 7.5 بليون دولار عام 1982, و 8.7 بليون دولار عام 1983 (جدول رقم 1.1), و 9.89 بليون دولار في العام المالي 1984/1985, و 9.52 بليون في العام المالي 1985/1986.[44]

         أما المرحلة الثالثة من التغير في العائدات النفطية فقد بدأت في العام المالي 1986/1987 واستمرت حتى عام 1990. وتميزت هذه المرحلة بتراجع ملحوظ في العائدات النفطية بسبب التناقص في الإنتاج والأسعار. فتقلصت العائدات النفطية بدرجة كبيرة لتصل إلى حوالي 5.61 بليون دولار في العام المالي 1986/1987, وحوالي 5.85 بليون دولار في العام المالي 1987/1988, وحوالي 6.05 بليون دولار في العام المالي 1988/1989, وحوالي 6.6 بليون دولار في العام المالي 1989/1990.[45]

         ونظرة سريعة على هذه المراحل الثلاث تظهر بجلاء أن الزيادات الحادة في العائدات النفطية, من 1.8 بليون دولار في عام 1973 إلى 8.6 بليون دولار في عام 1975 إلى 17.9 بليون دولار في عام 1980, لم تكن لتحدث لولا اندلاع حرب أكتوبر/تشرين أول 1973 والحظر النفطي الذي رافقها. ولكن, بينما أصبحت العائدات النفطية أكثر من أربعة أضعاف في خزائن الأقطار العربية المصدرة للنفط, بقيت مساعداتها المالية لباقي الأقطار العربية على مستوى متواضع. فعلى الرغم من أن الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية قد تأسس في 31 ديسمبر/كانون ثاني 1961, إلاّ أن الأقطار العربية قد تسلمت منه حوالي 302 مليون دينار كويتي فقط,[46] من 1 يناير/كانون ثاني 1962 إلى 30 يونيو/حزيران 1977.[47] وعلى الرغم من التناقص في العائدات النفطية في الثمانينات من القرن العشرين, إلاّ أن فوائض الثروة النفطية قد استمرت في الأقطار العربية المصدرة للنفط. ومع ذلك, فمعظم تلك الفوائض كانت تستثمر في الغرب. لذلك, اتسعت الهوة أكثر فاكثر بين الأقطار الغنية والأقطار الفقيرة في الوطن العربي, كما ستتم مناقشته في الفصل الرابع.

         وقد أدت التغيرات التي حدثت في العائدات النفطية إلى تغيرات في التركيبة السكانية في الكويت. فخلال القرن التاسع عشر, تراوح عدد سكان الكويت ما بين 4,000 عام 1821 و 20,000 عام 1865. أما في عام 1900, فقد بلغ تعداد سكان مدينة الكويت حوالي 15,000 بالإضافة إلى حوالي 20,000 آخرين في مناطق الكويت الأخرى.[48]

         وعندما بدأت الثروة النفطية في الازدياد خلال النصف الثاني من القرن العشرين, بدأ عدد السكان يزداد أيضا, خاصة نتيجة للهجرة إلى الكويت. ومع ذلك, فنظراً لسياسة الحكومة في عدم منح الغالبية الساحقة من المهاجرين الجنسية الكويتية (كما سيتم بحثه في الفصل الثالث), فان نسبة المواطنين الكويتيين أخذت تقل كلما زاد عدد المهاجرين.[49] ونتج عن ذلك أن الكويتيين قد أصبحوا أقلية في بلادهم. فطبقاً لإحصاء عام 1957, كان عدد السكان الإجمالي 206,473. وقد بلغ عدد الكويتيين (مواطنين وغير مواطنين)[50] 113,622 فردا, أي بنسبة 55 بالمائة من السكان. وفى عام 1961, تزايد عدد السكان ليصل إلى 321,621 نسمة. كذلك, تزايد عدد الكويتيين ليصل إلى 161,909 لكن نسبتهم تناقصت إلى 50.3 بالمائة نظراً للزيادة السريعة في عدد المهاجرين إلى البلاد. وفي عام 1965, أصبح عدد السكان 467,339 نسمة, ولكن نسبة الكويتيين قد استمرت في التناقص. فوصل عددهم في ذلك العام إلى 220,059 نسمة, وكان ذلك يمثل حوالي 47.1 بالمائة من سكان البلاد. وفى عام 1970, وصل العدد الإجمالي لسكان الكويت إلى 738,622 نسمة. أما الكويتيون, فقد وصل عددهم إلى 347,396 وكان ذلك حوالي 47 بالمائة من السكان. وفى عام 1975, وصل عدد السكان الإجمالي إلى 994,837 نسمة. كما وصل عدد الكويتيين إلى 472,088 نسمة, كانوا يمثلون حوالي 47.5 بالمائة من السكان. أما في عام 1980, فقد انخفضت نسبة الكويتيين بشكل كبير. ففي ذلك العام, وصل عدد السكان إلى حوالي 1,357,952 نسمة. وكان عدد الكويتيين 565,613, وكانوا يمثلون ما نسبته حوالي 41.7 بالمائة فقط من إجمالي السكان. وفى عام 1985, ازداد عدد السكان إلى 1,695,128 نسمة. كما ازداد عدد الكويتيين أيضاً ليصل إلى 679,601, لكن نسبتهم انخفضت لتصل إلى 40.1 بالمائة من عدد السكان الإجمالي. أما الهبوط الكبير في عدد الكويتيين في البلاد فقد حدث ابتداء من عام 1989, عندما بدأت الحكومة تفصل "البدون" عن المواطنين الكويتيين في إحصائياتها وتقديراتها الرسمية. فهبط عدد الكويتيين في ذلك العام إلى 564,262  نسمة, وأصبحوا يمثلون 26.3 بالمائة فقط من إجمالي عدد السكان الذي بلغ 2,142,600 نسمة (جدول رقم 1.2).

         ومن الطبيعي أن تنعكس التركيبة السكانية على قوى العمل أيضاً. ففي عام 1988, كان أجمالي القوى العاملة في الكويت 688,446 عامل وعاملة. وكان العمال الآسيويون يشكلون حوالي 52 بالمائة من إجمالي العمالة في البلاد. أما العمال العرب, بما فيهم الكويتيون, فقد كانوا يمثلون حوالي 47 بالمائة. والباقون كانوا من الأميركيين والأوروبيين. وقد كانت نسبة الكويتيين وحدهم حوالي 18.9 بالمائة من القوى العاملة في البلاد. وكان معظمهم ولا يزال يعمل في الحكومة, خاصة في الخدمات والوظائف المكتبية والفنية.[51]

         وفي غياب ديمقراطية حقيقية تمثل السكان جميعاً, حرصت الحكومة الكويتية على ضمان ولاء المواطنين لها عن طريق تزويدهم بالمنافع والخدمات التي تقدمها لهم.[52] فقد تكفلت العائدات النفطية الكبيرة بتوفير نظام سخي من الرفاه الاجتماعي والعمل في الحكومة يتمتع به المواطنون الكويتيون. فقد أصدرت الحكومة قانون الضمان الاجتماعي, عام 1976, والذي حصرت بموجبه تلقى المساعدات الحكومية في المواطنين فقط. وفي نفس العام, صدر قانون مدخرات الأجيال القادمة, الذي يخصص 10 بالمائة من عائدات الدولة السنوية للاستثمار لمنفعة الأجيال القادمة من المواطنين. وبينما تجاهل القانونان إسهامات غير الكويتيين من المهاجرين وأبنائهم, فإنهما قد أظهرا للمواطنين الكويتيين مقدار الرعاية التي تحفهم بها حكومتهم. وفوق ذلك, تقوم الحكومة بتخفيض أسعار المواد التموينية الأساسية للمواطنين وبشكل مباشر, من خلال توزيع تلك المواد على حملة بطاقات الإعاشة, ومن خلال الجمعيات التعاونية الكويتية التي تجني الأرباح من غير المواطنين وتوزعها على المواطنين. كذلك توفر الحكومة عدة أشكال من المساعدات للمواطنين في مجال السكن, مثل المساكن الجاهزة, وعلاوات السكن في الرواتب, وقروض البناء, بالإضافة إلى مبلغ 2,000 دينار كويتي للمتزوجين حديثا.[53]

         وقد أدت هذه السياسات إلى خلق حالة من التواكل والاعتماد على الحكومة بين المواطنين الكويتيين.[54] كما أن الحكومة قد ضمنت سكوت كثير من المعارضين من خلال تعيين بعضهم في مناصب وزارية, كما حدث مع جاسم الخرافي في الثمانينات, ومن خلال تعيين بعضهم الآخر في المناصب العليا في الكويت والخارج بما يعود عليهم بالمنافع المالية الجمة والمراكز الاجتماعية المرموقة. أما الأكثر حظاً منهم, فقد ارتبطوا بعلاقات مصاهرة مع آل صباح.[55]

         كذلك فان الحكومة قد استخدمت العائدات النفطية للمحافظة على العلاقات الأبوية المتينة بين الأسرة الحاكمة وطبقة كبار التجار الكويتيين. ومثال على ذلك ما فعلته الحكومة من إنقاذ لكبار المتعاملين في سوق المناخ للأوراق المالية, عندما انهار في عام 1982. لكنّ تصرف الحكومة ذاك أثار سخطاً شعبياً لأنه تجاهل صغار المتعاملين في السوق, خاصة أن كبار المتعاملين هم الذين تسببوا في ذلك الانهيار. وقد بدأت أزمة سوق المناخ تظهر للعيان نتيجة للمضاربات الجامحة وغير المعقولة, والتي أدت إلى استخدام عقود مستقبلية تضمن بصكوك مالية مؤجلة, وذلك في الفترة الممتدة بين عامي 1976 و 1982. وبموجب ذلك النوع من العقود, كان اثنان من المتعاملين يتفقان على صفقة مستقبلية بسعر متفق عليه. لكن ذلك السعر كان يزداد من 20 إلى 30 بالمائة في كل عام, وحتى 200 إلى 500 بالمائة مع نهاية عام 1981 وبداية عام 1982.[56] كانت تلك الزيادات الهائلة تحدث نتيجة عمليات البيع والشراء الصورية المتكررة بين  كبار المتعاملين. والأدهى من ذلك أنها كانت أسعاراً لمنتجات وهمية ليس لها وجود في معظم الحالات.

         لقد كانت تلك العمليات مخالفة للقانون الكويتي الذي لم يكن يعترف بالصكوك المالية المؤجلة. وهكذا لم يكن بإمكان حملة تلك الصكوك قانونياً إيداعها أو صرفها. لكن المصارف الكويتية ساهمت في صنع الأزمة أيضاً بصرفها لتلك الصكوك. فكانت تحتفظ بها حتى تحين تواريخ صرفها ثم تستخدمها في معاملاتها الرسمية. وخلال فترة الانتظار تلك, كانت المصارف تستخدم الصكوك المؤجلة التي بحوزتها كأساس لمنح القروض, خاصة إذا كان أصحابها من ذوى السمعة المالية الموثوق بها. وهكذا فإن المصارف قد دخلت إلى سوق المناخ كتابعة لا كرائدة.

         وبحلول يونيو/حزيران 1982, بلغ حجم التداول في سوق المناخ ما قيمته حوالي 5 بليون دينار كويتي من الأسهم. وكان كثير منها صادراً عن شركات خليجية مسجلة خارج حدود الكويت. وكان حجم المعاملات يصل إلى حوالي 14 مليون دينار كويتي يومياً, وكانت الأسعار غالباً ما تتضاعف أو تصبح ثلاثة أضعاف في أسابيع قليلة. أما الحكومة, فلم تتدخل لوقف تلك الفوضى لأنها اعتبرت سوق المناخ برمته غير قانوني. ولذلك, فإنها لم تبذل أي جهد حتى لتنظيم المعاملات التجارية فيه. لهذه الأسباب جميعا, كان انهيار السوق أمراً حتمياً, وحان الوقت لذلك في ربيع عام 1982 عندما جاء موعد صرف العديد من تلك الصكوك المؤجلة. وقد حدث ذلك عندما قام أحد كبار المتعاملين بتقديم صكوكه قبل عطلة عيد الفطر, فبدأ الانهيار الكبير في السوق. ولم تتدخل الحكومة إلاّ بعد فوات الأوان. وعندما بدأت في توزيع التعويضات, حصل كبار المتعاملين في السوق على النصيب الأكبر منها, مما أثار حفيظة صغار المتعاملين وكذلك أعضاء مجلس الأمة. لكن المجلس لم يتخذ أية قرارات حاسمة لأن أحد أكبر ثمانية متعاملين في السوق كان عضواً فيه.[57]

         وقد أدى انهيار سوق المناخ والطريقة التي عالجت بها الحكومة ما نتج عن ذلك من مشكلات إلى الأزمة التي حدثت بين الحكومة ومجلس الأمة, في عام 1986. فقد ارتفعت الأصوات بالنقد للحكومة في مجلس الأمة وفي وسائل الإعلام. وتركز النقد على تقاعس الحكومة عن التدخل في الوقت المناسب. ولكن عندما تصاعد النقد ليشمل أعضاء من الأسرة الحاكمة, قام الأمير بحل مجلس الأمة وفرض الرقابة على وسائل الإعلام. واستمرت هذه الأزمة حتى الغزو العراقي للكويت, في عام 1990. خلال هذه المرحلة, كانت الحكومة تستند في شرعيتها على إقناع الكويتيين أنها ترعى مصالحهم حتى في غياب السلطة التشريعية, وذلك من خلال برامج الرفاه الاجتماعي السخية والمصالحة مع المعارضين ومساعدة المتضررين من سقوط سوق المناخ. وبالفعل, فإن تلك الامتيازات قد نجحت في إقناع الكويتيين بالاستمرار في ولائهم للأسرة الحاكمة. ومع ذلك, فالعديد من الكويتيين (كباقي البشر) يثمنون الحرية والديمقراطية على أنهما أغلى من المنافع المادية. لذلك فإن النضال من أجلهما لم يتوقف لا قبل أزمة 1990 ولا بعدها.

الديمقراطية وحقوق الإنسان في الكويت

 

         على الرغم من أن هناك دستور في الكويت, إلاّ انه لا يعطى المواطنين الحق في تغيير رئيس الدولة أو رئيس الحكومة. وحتى ذلك الدستور, فإنه ليس مقدساً. فقد علقه الأمير, وحكم البلاد بالمراسيم الأميرية. والأهم من ذلك أن هناك خروقات لحقوق الإنسان مبنية في نظام الحكومة الكويتية من خلال مجموعة من السياسات التمييزية التي تستهدف الجماعات المغلوبة على أمرها في المجتمع.

         فدستور عام 1962 يعطي الأمير حق حل مجلس الأمة, لكنه يلزمه بعقد انتخابات عامة لتشكيل مجلس آخر خلال شهرين. فإذا لم يفعل, فان للمجلس القديم الحق في أن يستعيد سلطته حتى يتم انتخاب مجلس جديد. ومع ذلك, فإن الأمير قد علق بعض مواد الدستور وحكم البلاد بشكل مطلق مرتين: كانت الأولى من عام 1976 إلى عام 1981, وكانت الثانية من عام 1986 إلى عام 1992. وهكذا كان حكمه مخالفاً للدستور في كلتا الحالتين. وعندما حدثت هاتان المخالفتان, لم يكن في إمكان المواطنين أن يفعلوا أي شيء, لا قانونياً ولا فعلياً. فالأحزاب السياسية ممنوعة قانونياً حتى يبقى المواطنون متفرقين, فيسهل حكمهم.[58] وبدلاً من ذلك, يلجأ الكويتيون إلى التجمع مع بعضهم البعض بصفة مصغرة وغير رسمية, وهى اللقاء في الديوانيات التي هي أساساً تجمعات على أسس عائلية أو قبلية أو تجارية. وهكذا فإن الحكومة تفضل تجمع المواطنين في الديوانيات لأنه يكرِّس الفرقة والتشرذم بين المواطنين, على عكس الأحزاب السياسية التي تمكن المواطنين من أن يصبحوا أقوياء لدرجة تمكنهم من النضال معاً لنيل حقوقهم.

         أما قانون الإعلام, فانه يمنع نشر أية مادة تتضمن نقداً مباشراً للأمير, خاصة فيما يتعلق بالمعاهدات والاتفاقيات مع الدول الأخرى. وتمتلك الحكومة الإذاعتين المرئية والمسموعة في الكويت, وذلك يتيح لها أن تتحكم في هذين الجهازين بطريقة تسمح لها بالتركيز على الأمور التي تهمها وتعرضها بالطريقة التي تريدها. أما المخالفون في الإعلام المكتوب فانهم يعاقبون بحظر إصدار دورياتهم أو بالغرامة وأحياناً بالسجن.[59]

         وقد اتبعت الحكومة أُسلوباً آخر ساعدها في حكم البلاد بشكل مطلق ألا وهو تقسيم السكان إلى عدة جماعات متنافسة. فالمواطنون يتم تذكيرهم دائما بالمزايا التي يتمتعون بها بالمقارنة مع المهاجرين والبدون, الذين يعانون من الفقر والاستغلال. والمواطنون الذكور يستمتعون بالحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي لا تستمتع بها النساء. حتى عندما أظهرت الحكومة ميلاً لمنح النساء حق التصويت في عام 1999, رفض مجلس الأمة المؤلف من الرجال ذلك مرتين.

         والقانون الكويتي يقصر حق الانتخاب على الذكور البالغين ممن كانوا يعيشون في الكويت قبل عام 1920, واستمروا في الإقامة هناك حتى عام 1959, وينتقل ذلك الحق تلقائياً لأبنائهم الذكور البالغين. أما المواطنون المتجنسون, فعليهم الانتظار 30 عاماً قبل أن يمارسوا حق التصويت. ونتيجة لذلك, كان عدد الكويتيين الذين تمتعوا بحق التسجيل للانتخابات لا يزيد على 82,000 رجل من مجموع السكان البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة, عام 1992. وكان هؤلاء يمثلون جميع الرجال الذين لهم حق التصويت في الكويت تقريباً. أما المهاجرون والمقيمون البدون, فإنهم لا يتمتعون بأية حقوق سياسية على الإطلاق, على الرغم من أنهم يشكلون حوالي 73.7 بالمائة من السكان (جدول 1.2), وأن كثيراً منهم قد ولدوا في الكويت وعاشوا فيها لعشرات السنين. وقد أدى هذا التمييز السياسي إلى تقسيم المجتمع الكويتي بشكل حاد إلى مواطنين ومهاجرين, وما تبع ذلك من اضطهاد واستغلال للمهاجرين, الأمر الذي ستتم مناقشته باستفاضة في الفصل الثالث.

         وفى الجانب الاجتماعي, أقدمت الحكومة الكويتية عام 1986 على منع الكويتيين من الزواج من غير الكويتيات إلاّ بإذن منها. أما الكويتيات, فقد وجهت الحكومة لهن نصائح علنية بعدم الزواج من غير الكويتيين.[60] وعلى الرغم من أن هذا التدخل الحكومي في الزواج يبدو وكأنه ينطبق على الرجال والنساء على حد سواء, إلاّ أن النساء هن المستهدفات في المقام الأول للتمييز ضدهن قانونياً وفعلياً. فأولاً, إنّ حرمانهن من حق الانتخاب يحرمهن أيضاً من محاولة إنهاء التمييز الذي يعانين منه. ثانياً, يحق للرجال فقط أن يعطوا الجنسية لزوجاتهم وأطفالهم. أما أزواج وأطفال الكويتيات المتزوجات من غير الكويتيين فلا يتم منحهم الجنسية الكويتية. وفى حالة الأزواج البدون, فإنهم وأطفالهم يبقون بلا أية جنسية على الإطلاق. ثالثاً الكويتيات المتزوجات من غير الكويتيين ليس لهن الحق في المساعدات الإسكانية الحكومية التي يستمتع بها الكويتيون الذكور. رابعاً, على الكويتيات أن يدفعن رسوم الإقامة لأزواجهن, والإقامة نفسها للزوج والأطفال لا يتم منحها بالزواج فقط وإنما من خلال جهة عمل الزوج. وعلى العكس من ذلك, فان الكويتيين المتزوجين من غير الكويتيات لا يدفعون رسوماً لإقامة زوجاتهم اللائى يتمتعن بحق الإقامة تلقائياً. خامساً, الكويتيات ليس لهن الحق في الحصول على منافع الضمان الاجتماعي, مثل الكويتيين الذكور. أخيراً, توقفت الحكومة عن صرف الإعانات للمطلقات الكويتيات منذ عام 1994, بينما تستمر تلك الإعانات للمطلقين الكويتيين.[61]

         ومما زاد في وضع حقوق الإنسان سوءاً في الكويت عدم وجود منظمات محلية تعمل قانونياً في هذا المجال. ففي أغسطس/آب 1993, قرر مجلس الوزراء وقف جميع المنظمات غير الحكومية عن العمل إلاّ إذا كانت مرخصة. وفي نفس الوقت, لم يتم منح أي ترخيص في هذا المجال منذ عام 1985, باستثناء الترخيص الممنوح لجمعية المتطوعات الكويتيات في عام 1991 لأنها كانت برئاسة زوجة ولى العهد.[62] وكان الهدف من ذلك, ولا يزال, إنهاء وجود منظمات حقوق الإنسان العاملة بالكويت.

         وقد أتاح غياب منظمات حقوق الإنسان للحكومة الكويتية أن تخفي انتهاكاتها الصارخة لتلك الحقوق, وكذلك سياساتها التمييزية ضد المهاجرين والبدون والنساء. وقد خدم ذلك الغياب أغراض الحكومة على وجه الخصوص مباشرة بعد حرب الخليج, عام 1991. فقد قامت قوات الجيش والأمن والجماعات الكويتية المسلحة باقتراف حملة بشعة من الفظائع والانتهاكات لحقوق الإنسان ضد البدون والمهاجرين العرب, خاصة الفلسطينيين والأردنيين والعراقيين واليمنيين والسودانيين. واستمرت تلك الفظائع في العامين التاليين, 1992 و 1993, ولكن بمعدل أصغر. وكان الفضل في معرفة ذلك لتقارير عدد قليل من الصحفيين الغربيين الشرفاء وعدد أقل من نشطاء منظمات حقوق الإنسان الغربية أيضاً. فقد كانت قوات الأمن تعتقل الناس من بيوتهم وعلى نقاط التفتيش المنتشرة في الشوارع بدون تهم أو سابق معرفة بهم, لا لشيء إلاّ لكونهم من رعايا الحكومات العربية التي وقفت على الحياد أو أيدت موقف العراق أثناء الأزمة, وكأن أولئك المهاجرين مسؤولون عن مواقف حكومات بلادهم. وكان بعض هؤلاء المهاجرين يؤخذون إلى مراكز الشرطة أو الاعتقال, حيث يتم استجوابهم لعدة ساعات ثم يتم إطلاق سراحهم. وكان الهدف من ذلك الأسلوب في المضايقة إرهابهم حتى يغادروا البلاد بشكل اختياري, وحتى لا يقال مستقبلاً أن الحكومة الكويتية قد أجبرتهم على الرحيل. لكن آلافاً آخرين من الذين تم اعتقالهم كانوا يعذبون وتُساءُ معاملتهم ويموت بعضهم تحت التعذيب في مراكز الاعتقال, وذلك أثناء الحملة الإرهابية المشؤومة التي جرت عام 1991. وقد اشتملت وسائل التعذيب على إيذاء الجسد بالضرب والحرق بلفافات الدخان والصفع والركل والدفع العنيف إلى الحائط واستخدام الصعقات الكهربائية (كما هو موثق في الفصل العشر).

         ولم تتوقف تلك الفظائع وانتهاكات حقوق الإنسان في السنوات الباقية من العقد التاسع للقرن العشرين, ولكن خفت في العدد والحدة. فطبقاً لما تعلنه الحكومة الكويتية نفسها, والذي لا يمكن أن يعبر عن الحقيقة كلها, فان عدد المعتقلين الذين كانوا بانتظار الترحيل القسري وصل إلى 650 في عام 1993, و400 عام 1994, و 500 عام 1995, و 1000 عام 1996, و 600 عام 1997, و 110 عام 1998, و 120 عام 1999. وقد كان حوالي 10 بالمائة من هؤلاء المعتقلين في مراكز الاعتقال بدون محاكمة لأكثر من عام, وبعضهم لأكثر من خمسة أعوام.[63] وغالباً ما يتعرض هؤلاء الأشخاص للتعذيب وإساءة المعاملة أثناء التحقيق معهم, أي قبل وصولهم إلى مراكز الاعتقال بانتظار الترحيل القسري. لكن لا سبيل لمعرفة شئ عن ذلك لعدم وجود محاكمات لهؤلاء ولعدم وجود منظمات لحقوق الإنسان في البلاد لتحقق في ذلك.

         وبالإضافة إلى الحملة الإرهابية ضد المهاجرين العرب والبدون, والتمييز ضد المرأة الكويتية, فان العمال غير الكويتيين قد أخضعوا إلى تمييز منظم ضدهم جعلهم الأكثر عرضة للاستغلال من أي فئة أخرى في البلاد. فالعمال غير الكويتيين يشكلون الغالبية الساحقة من قوة العمل منذ السبعينات من القرن العشرين. وقد وصل عددهم إلى 1,271,000 في عام 1998 من إجمالي عدد السكان الذي بلغ حوالي مليوني نسمة. وقد شكلوا أكثر من 80 بالمائة من القوى العاملة طيلة التسعينات من القرن العشرين. ومع ذلك, فإنهم لا يزالون يتعرضون لأبشع طرق الاستغلال والتمييز ضدهم. ففي عام 1993, أعادت لجنة الخبراء في منظمة العمل الدولية إعلان انتقاداتها السابقة لوجود تناقضات عديدة بين قانون العمل الكويتي ومواد ميثاق منظمة العمل الدولية, خاصة المواد رقم 1 ورقم 30 ورقم 87. وعلى الأخص, ركزت تلك الانتقادات على السياسات التالية التي تنتهجها الحكومة الكويتية إزاء العمال. أولاً, منع العمال من تأسيس أكثر من اتحاد عمالي واحد في كل مجال من مجالات العمل. ثانياً, اشتراط توفر مائة عامل على الأقل للتصريح لأي اتحاد عمالي جديد. ثالثاً, اشتراط أن يكون قد مضى على العمال غير الكويتيين فترة خمس سنوات في البلاد قبل أن يسمح لهم الانضمام لأي اتحاد عمالي. رابعاً, إنكار حق العمال غير الكويتيين في التصويت والترشح لقيادة الاتحادات العمالية مع أنهم يشكلون الغالبية الساحقة من العمال في البلاد. خامساً, منع أعضاء الاتحادات العمالية من مزاولة أية نشطات سياسية أو دينية. سادساً, وجوب تحويل موجودات الاتحادات العمالية المنحلة إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بدلاً من توزيعها على العمال وورثتهم.[64]

         ويعد الحد الأدنى للأجور في القطاع العام, والذي تقرره الحكومة, من أكثر الأمثلة وضوحا على الاستغلال والتمييز ضد العمال من غير المواطنين في الكويت. ففي عام 1995, كان الحد الأدنى للأجور حوالي 774 دولاراً في الشهر (حوالي 226 ديناراً كويتياً) للمواطنين, ولكنه كان 315 دولاراً في الشهر (حوالي 90 ديناراً كويتياً) لغير المواطنين. وهكذا بلغ الحد الأدنى للأجور لغير المواطنين حوالي 40 بالمائة فقط من ذلك الذي يتقاضاه المواطنون. وقد كانت هذه السياسة الحكومية التمييزية مثالاً يحتذى من قبل أصحاب الأعمال في القطاع الخاص (مزيد من التفصيل عن التمييز ضد غير الكويتيين موجود في الفصل الثالث).

         أما أكثر العمال غير الكويتيين عرضة للاستغلال فهم أكثرهم فقراً وضعفاً, وعلى الأخص أولئك الذين يشترون تأشيرات الدخول (الفيزا) قبل دخولهم للبلاد. ففي عام 1999, كان هناك انتشار كبير للتجارة بتأشيرات الدخول. فيقوم كفيل كويتي بإصدار تأشيرة دخول للعامل وهو في بلاده في مقابل حوالي 1,500 إلى 1,800 دولار للتأشيرة الواحدة. وعند حضور العامل إلى الكويت, يكتشف أن الكفيل لا يقدم له أي عمل. لذلك, فإنه يقوم بالبحث عن عمل عند صاحب عمل آخر. وهنا يقع في مخالفة قانونية تؤدى إلى ترحيله, ذلك أنه ينبغي عليه أن يعمل مع الكفيل الذي أصدر التأشيرة فقط. أما عندما يجد عملاً عند صاحب عمل آخر, فإنه يكون عرضة لجميع أنواع الاستغلال والتهديد بالتبليغ عنه من قبل صاحب العمل والكفيل الرسمي.[65]

 

الخلاصة

 

         تبرهن الشواهد التاريخية على أن الكويت كانت جزءاً من العراق حتى الحرب العالمية الأولى. لهذا السبب, فان الحكومات العراقية المتعاقبة لم تعترف تماماً باستقلال الكويت. ومع ذلك, تطورت الكويت ككيان مستقل تحت الحماية البريطانية. وقد مكنت الثروة النفطية الكويت أن تتطور بلا رجعة لتصبح "دولة" مستقلة لها علاقات رسمية مع جيرانها, بما في ذلك العراق. وهكذا فإن الصراع ما بين الحقوق التاريخية للعراق في الكويت والحقائق المتعلقة بوجود "دولة" الكويت (كما تسمى رسمياً) قد أسهم في استمرار الأزمة بينهما طيلة القرن العشرين.

         أما بخصوص النظام السياسي في الكويت, فإن الأسرة الحاكمة قد اعتمدت على مساندة حلفائها من أعضاء طبقة التجار الأثرياء في البلاد. كذلك فان الأسرة الحاكمة قد اعتمدت على مساندة الذكور من الكويتيين لها في إنكارها للحقوق الإنسانية الأساسية للغالبية الساحقة من سكان الكويت. فالكويتيات يتعرضن للتمييز ضدهن سياسياً واجتماعياً ورسمياً. أما البدون والمهاجرون, فهم محرومون من حقوقهم الإنسانية الأساسية, خاصة حقهم في الإقامة الدائمة والجنسية, وذلك يحرمهم من التمتع بمزايا المواطنة, خاصة المساواة في الخدمات والأجور والمشاركة في العمل السياسي.

         وقد تصاعدت انتهاكات حقوق الإنسان في الكويت, مباشرة بعد الحرب عام 1991, لتصل إلى مستوى حملة إرهابية ضد البدون والمهاجرين العرب, خاصة الفلسطينيين. وقد تمتعت الحكومة الكويتية بمظلة حماية من النقد توفرت لها بسبب عدم وجود منظمات محلية لحقوق الإنسان, وكذلك بسبب القيود الشديدة المفروضة على المنظمات والجماعات العالمية لحقوق الإنسان. وبالإضافة إلى ذلك, فان الحكومة الكويتية قد استفادت من التعاطف الذي أبدته نحوها دول التحالف, الأمر الذي أدى إلى ألا تقوم تلك الدول بعمل أي شئ لوقف تلك الحملة, أو لانتقاد انتهاكات حقوق الإنسان التي استمرت طيلة التسعينات بعد ذلك.

         أما أهم استنتاج من هذا الفصل, فهو أن الغزو العراقي للكويت عام 1990 كان محاولة عراقية لحسم الأزمة عن طريق استرداد ذلك الجزء الذي اقتطع من العراق منذ مطلع القرن العشرين. صحيح أنه كانت هناك أسباب مباشرة هامة أدت لتصعيد الأزمة, لكن ذلك لا يلغى تلك الحقيقة التاريخية. وقد كانت هذه الرؤية غائبة أثناء المناقشات القليلة عن أسباب الغزو في دول التحالف, والتي دارت في الفترة ما بين 2 أغسطس/آب 1990 و 17 يناير/كانون ثاني 1991. كما غابت عن النقاش أيضاً, طبيعة العلاقة ما بين السعودية والكويت, والتي أدت إلى أن تأخذ السعودية جانب الكويت بدلاً من أن تستمر في الوساطة أو تقف على الحياد. لذلك, ستكون العلاقات السعودية~الكويتية الموضوع الرئيس في الفصل الثاني

 

 

ملحق 1.أ

حكام الكويت من آل صباح*

1. صباح الأول (صباح الجابر, 1752-1764).

2. عبد الله الأول (ِعبد الله الصباح, 1764-1815).**

3. جابر الأول (1815-1859).

4. صباح الثاني (1859-1866).

5. عبد لله الثاني (عبد الله الصباح, 1866-1892).

6. محمد الأول (محمد الصباح, 1892-1896).

7. مبارك الأول (مبارك الصباح, 1896-1915).

8. جابر الثاني (جابر المبارك, 1915-1917).

9. سالم الأول (سالم المبارك, 1917-1921).

10. أحمد الأول (أحمد الجابر, 1921-1950).

11. عبد الله الثالث (عبد الله السالم, 1950-1965).

12. صباح الثالث (صباح السالم, 1965-1977).

13. جابر الثالث (جابر الأحمد, 1977-للآن).

----------------------------------------

*Abu Hakima (1982); Joudah (1964); Rush (1987); KMI (1986: 53). شاميه (1989)                                            

ملاحظة: ابتداء من الحاكم الرابع, صباح الثاني, هناك اتفاق بين المصادر على التواريخ السالفة الذكر. أما بالنسبة للحكام الثلاثة الأول, فهناك اختلاف طفيف في المصادر مقداره 2-4 سنوات.

** أل التعريف هنا تعني "ابن."

ملحق 1

اتفاقية محدودة بين شيخ الكويت وبريطانيا*

بسم الله تعالى شأنه

           إن الغاية من تحرير هذه الاتفاقية المشرفة هو إتمام التعهد والاتفاق بين اللفتنانت كولونيل مالكولم جون ميد المقيم السياسي لصاحبة الجلالة بالنيابة عن الحكومة البريطانية كطرف أول وبين الشيخ مبارك بن صباح شيخ الكويت كطرف ثان. بأن الشيخ مبارك بن صباح بكامل حريته يرغب أن يرتبط ويلزم وارثيه في الحكم بأن لا يستقبل أي وكيل أو ممثل لأي سلطة أو حكومة في الكويت أو في أي مكان آخر من حدود مقاطعته بدون الموافقة السابقة للحكومة البريطانية. وهو بالإضافة إلى ذلك يلزم نفسه ووارثيه وخلفه في الحكم بأن لا يتنازل أو يبيع أو يؤجر أو يرهن أو يعطى للاستغلال لأي غرض كان أي جزء من مقاطعته لأي حكومة أو رعايا أي سلطة بدون الموافقة السابقة لهذه الأغراض من حكومة صاحبة الجلالة.

         وهذا الاتفاق يمتد لأي جزء من المقاطعة التابعة للشيخ المذكور مبارك ابن شيخ صباح, التي قد تقع الآن في حوزة رعايا أي حكومة أخرى. ورمزا للصداقة على توقيع هذه الاتفاقية القانونية المشرفة بين اللفتنانت كولونيل مالكولم جو ميد, المقيم السياسي لصاحبة الجلالة في الخليج الفارسي, والشيخ مبارك ابن الشيخ صباح يقوم الطرف الأول بالنيابة عن الحكومة البريطانية والطرف الثاني بالنيابة عن نفسه ووارثيه وخلفائه, بالتوقيع على هذه الاتفاقية بحضور الشهود, في اليوم العاشر من رمضان عام 1316, الموافق لليوم الثالث والعشرين من كانون الثاني 1899.

            التوقيع                    التوقيع

           م. ج. ميد                 مبارك الصباح

 المقيم السياسي في الخليج الفارسي

الشهود

ل. وكهام هود

كابتن ج. كالكوت جاسكن          السيد محمد رحيم ابن عبد النبي

* هذه هي النسخة الأصلية من الاتفاقية كما وردت في كتاب الشملان

   (1959  : 322), وكتاب الفرحان (1960: 124).

 

ملحق 1

ميثاق عام 1921

بسم الله الرحمن الرحيم

     نحن الواضعون أسماءنا بهذه الورقة قد اتفقنا واتحدنا على عهد الله وميثاقه بإجراء هذه البنود الآتية:

1. إصلاح بيت الصباح كي لا يجرى بينهم خلاف في تعيين حاكم.

2. إن المرشحين لهذا الأمر هم الشيخ أحمد الجابر والشيخ حمد المبارك

    والشيخ عبد الله السالم.

3. إذا اتفق رأى الجماعة على تعيين أي شخص من الثلاثة يرفع الأمر إلى

   الحكومة للتصديق عليه.

4. المعين المذكور يكون بصفة رئيس مجلس شورى.

5.  ينتخب من آل الصباح والأهالي عدد معلوم لإدارة شؤون البلاد على

 أساس العدل والانصاف.

----------------------------------------

المصدر: الشملان (1959: 197). وقد حصل على الوثيقة الأصلية من جده الذي كان أحد الموقعين عليها.

ملحق 1

مذكرة حركة الشبيبة للشيخ أحمد الجابر

بشأن تشكيل المجلس التشريعي

عام 1938

     إن الأساس الذي بايعتك عليه الأمة لدى أول يوم من توليك الحكم هو جعل الحكم بينك وبينها على أساس الشورى التي فرضها الإسلام ومشى عليها الخلفاء الراشدون في عصورهم الذهبية. غير أن التساهل الذي حدث بين الجانبين أدى إلى تناسى هذه القاعدة الأساسية. كما أن تطور الأحوال والزمان واجتياز البلاد ظروفاً دقيقة تبعث المخلصين من رعاياك أن يبادروا إليك بالنصيحة راغبين في التفاهم وإياك على ما يصلح الأمور ويدرأ عنهم وعنك عوادي الأيام وتقلبات الظروف ويصون لنا كيان بلادنا وحفظ استقلالنا غير قاصدين إلاّ إزالة أسباب الشكوى وإصلاح الأحوال عن طريق التفاهم مع المخلصين من رعاياك ومتقدمين إليك بطلب تشكيل مجلس تشريعي مؤلف من أحرار البلاد للإشراف على تنظيم أمورها. وقد وكلنا حاملي كتابنا هذا ليفاوضوك على هذا الأساس والله تعالى نسأل أن يوفق الجميع إلى ما فيه صالح البلاد.

                                                   الإمضاء

                                             جماعتك المخلصون

----------------------------------------------المصدر: الفرحان (1960: 95).

 

 

 

ملحق 1

مواد القانون الأساسي لدستور الكويت

الذي وضعه مجلس عام 1938

 

المادة الأولى: الأمة مصدر السلطات ممثلة في نوابها المنتخبين.

المادة الثانية: على المجلس التشريعي أن يشرع القوانين الآتية: الميزانية,

              القضاء, الأمن العام, المعارف, الصحة, الأشغال, الطوارئ,

              وكل قانون آخر تقتضي مصلحة البلاد تشريعه.

المادة الثالثة: مجلس الأمة التشريعي مرجع لجميع المعاهدات والامتيازات

             الداخلية والخارجية والاتفاقيات, وكل ما يستجد من هذا القبيل لا

             يعتبر شرعياً إلاّ بموافقة المجلس وإشرافه عليه.

المادة الرابعة: بما أن البلاد ليس فيها محكمة استئناف, فان مهام المحكمة

            المذكورة تناط بمجلس الأمة التشريعي حتى تشكل هيئة مستقلة

            لهذا الغرض.

المادة الخامسة: رئيس مجلس الأمة التشريعي هو الذي يمثل السلطة التنفيذية

            في البلاد.*

----------------------------------------------

المصدر: الفرحان (1960: 96).

* طبقا لميثاق 1921, فان الشيخ هو رئيس المجلس أيضاً.

 

 

 

 

 

جدول 1.1

العائدات النفطية فى الدول العربية الرئيسية المصدرة للنفط

     السنة    مجموع   امارات   السعوديه     قطر      ليبيا       الكويت    العراق        الجزائر 

 0.05         0.31     0.52      0.11      0.06      0.46      0.01     1.6    1963*

 0.27          0.52      0.82      1.35      0.12      1.21      0.23      4.5     1970

 0.99          1.84      1.73      2.22      0.46      4.34      0.90    12.4     1973

 3.3            5.7        6.5        5.9        1.8      22.6        5.5      51.3     1974

 3.4            7.5        7.5        5.1        1.7      42.4        6.0      73.6    1975**

 3.7            8.5        6.9        7.5        2.1      30.8        7.0      66.5     1976

 4.3            9.6        8.9        8.9        2.0      42.4        9.0      85.1    1977**

 4.6          10.2        7.7        8.4        2.2      32.2        8.2      73.5     1978

 7.5          21.3      16.8      15.2        3.5      57.5      12.8     134.6     1979

 12.5         26.1      17.9      22.6        4.9    102.2      19.2    205.4     1980

10.7         10.4      13.8      15.3        4.6    113.2      18.7     186.7     1981

  8.5           9.7        7.5      13.9        3.9      76.0      15.5     135.0     1982

  9.7           8.4        8.7      10.9        2.4      47.6      11.7       99.4     1983

 13            11           9         10           3         26         12          84 1985***

  7            11           6           6           2         20           9           61        1987

  6            12           6           6           2         20           8           60        1988

  6            15           7           6           2         24         11           71        1989

  9              9         10         10           3         37         17           95        1990

  8               -           1.5      10           4        33            9           65.5     1991

  8               -           7           9           4        33            9           70        1992

 10               -         10           7           4        38          13          82        1993

   9               -         10           8           2        35          13           77        1994

   7               -         11           8           2        44          13           85        1995

   6               -         15         10           4        44          16           95        1996

 

   7.2      175.4     194.7     203.7      61.1   920.9    243.6   1956.6   المجموع

 المصادر: (المجموع لا يشمل السنوات 1963, 1970, 1973).

OPEC Annual Statistical Bulletins, cited in Farid and Sirriyeh (1986: 120, 190): Years 1963-1983 (except 1975, 1977).

** Al-Jassem (1981:32-36): Years 1975, 1977.

*** EIU (www.envista.com:80/ebook/tables/T51.html).

جدول 1.2

سكان الكويت

 المجموع             المهاجرون              الكويتيون               السنة

      النسبة      العدد           النسبة            العدد  

 

1957   113,622    55.0    92,851   45.0   206,473

1961   161,909    50.4    159,712  49.6   321,621

1965   220,059    47.1    247,280  52.9   467,339

1970   347,396    47.0    391,266  53.0   738,662

1975   472,088    47.5    522,749  52.5   994,837

1980   565,613    41.7    792,339  58.3 1,357,952

1985   681,288    40.1  1,016,013  59.9 1,697,301

1989   545,738    26.7

      *250,651    12.3  1,244,572  61.0 2,040,961

1990   564,262    26.3

      *262,324    12.3* 1,316,014  61.4 2,142,600

1995

     **160,000                       ***1,817,397

 

المصادر: وزارة التخطيط الكويتية, مكتب الإحصاء المركزي, الملخصات الإحصائية السنوية, 1989, جدول رقم 11 وجدول رقم 12.

Crystal (1992: 50); KMI (1986: 29).

بنك الكويت الصناعي, إحصائيات القوى العاملة في الكويت, 16 أغسطس/آب 1976.

Alessa (1981: 13).

*   تشير إلى البدون, أي سكان الكويت الذين هم بدون جنسية. وقد بدأت الإحصائيات

   الرسمية توردهم بشكل منفصل عن الكويتيين ابتداء من عام 1989.

Human Rights Watch (1995: 11-12).

** بحلول عام 1995, كان عدد البدون يقدر ما بين 135,000 (وهذا هو الرقم الرسمي) و

    180,000 (وهذا الرقم أكثر دقة). ويعزى هذا النقصان في عددهم بالمقارنة مع عام

    1990 الى طرد الكثيرين منهم من البلاد والى منع آخرين من العودة إليها بعد الحرب.

Human Rights Watch (1995: 12).

*** U.S. Bureau of the Census, International Data  Base.

ملاحظات ومصادر



[1]  مقتطف من كتاب وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر الثالث (1995:

   332).

 

[2]  يمكن الإشارة إلى قبيلة العتوب أيضاً على أنها بنو عتبى. والقبيلة هي النظام السياسي والاجتماعي في المجتمعات الرعوية. وتتألف عند العرب من عدة عشائر, والتي تتألف بدورها من عدة بطون, والتي تتألف هي الأخرى من عدة أسر.

 

 الرشيد (1960: 31).[3]

 

[4]   كلمة كويت هي تصغير كوت. وهي تستعمل في جنوب العراق وشرق شبه الجزيرة العربية للإشارة إلى أي حصن صغير مبنى بجوار الماء. والوقت التقريبي لبناء مدينة الكويت كان في عام 1672, عندما كان الشيخ برَّاك أميراً لقبيلة بنى خالد (وزارة الإعلام الكويتية, 11986: 12, 19-20).

 

[5] أقدم إشارة عربية لكاظمة, أو للكاظمة كما كانت تدعى أحيانا, كانت في عام 623  ميلادية, عندما أصبحت موقعاً لمعركة ذات السلاسل الشهيرة. وقد جرت المعركة بين العرب المسلمين, الذين كان يقودهم خالد بن الوليد, والجيش الساساني الفارسي (الفرحان, 1960: 80).

 

 [6] Joudah (1964: 9-18).

  [7] Slot (1991: 69-72, 103-1109).

 

 

[8]   وهذا يفسر التأييد البحريني للكويت في عام 1990, وكأنه سداد لدين قديم لآل

   صباح. 

 [9] Joudah (1964: 19); (شامية (1989: 44-45

 [10]

 المشيخة هي كيان سياسي أكبر من القبيلة ولكنه أصغر من المدينة~الدولة. وربما تمثل المشيخة تحالفاً بين عدة قبائل يترأسه شيخ أقوى القبائل المتحالفة. وحتى استقلالها السياسي عن بريطانيا في النصف الثاني من القرن العشرين, كانت الكيانات السياسية العربية على الساحل الغربي للخليج العربي مشيخات أيضاً. وهذه هي البحرين وقطر وأبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القيوين ورأس الخيمة والفجيرة. وقد اتحدت المشيخات السبعة الأخيرة مكونة الإمارات العربية المتحدة في عام 1971. أما قطر والبحرين, فقد آثرتا الاستقلال.

 

[11]  Finnie (1992: 5-6).

[12]  Finnie (1992: 5-7).

[13]  Asiri (1990: 3).

 

 [14]  أكثر التقاليد العربية شيوعاً في اختيار الشيوخ الجدد هو قبول الناس للابن الأكبر للشيخ المتوفى كخليفة لأبيه. ولكن هذا التقليد قد أدى إلى نسبة عالية من الاغتيالات. فالطموحون من أعضاء الأسر الحاكمة الذين لا ينحدرون مباشرة من الحاكم يتم استثناءهم. ولذلك, فالطريقة الوحيدة المتوفرة لهم ليصبحوا حكاماً أصبحت باغتيال الحاكم وورثته المحتملين.  وفي حالة آل صباح في الكويت, كان قتل مبارك لأخويه في عام 1896 هو المناسبة الوحيدة التي تم الاستيلاء على السلطة فيها عن طريق الاغتيال. ما عدا ذلك, لم تكن الخلافة يوماً مشكلة خطيرة. فعندما توفى الشيخ صباح الثاني في عام 1866, أصبح ابنه عبد الله الثاني شيخاً للبلاد. وعندما توفى عبد الله في عام 1892, أصبح أخوه محمد (وليس أحد أبنائه) هو الشيخ الجديد. وبعد وفاة مبارك عام 1915, أصبح ابنه الأكبر, جابر, حاكماً للبلاد وتلاه في ذلك أخوه سالم في عام 1917. وعندما توفى سالم في عام 1921, تلاه ابن أخيه, أحمد الجابر, والذي خلفه ابن عمه عبد الله السالم عام 1950. وعند وفاة عبد الله السالم في عام 1965, تلاه أخوه صباح السالم الذي بقى في الحكم حتى وفاته في عام 1977 عندما خلفه ابن عمه جابر الأحمد (ملحق 1.أ).

 

[15] Dickson (1956: 136-140); Joudah (1964: 52-61).

  الرشيد (1960: 121-127).

 

 [16]  كان آل رشيد هم المنافسين الرئيسيين لآل سعود. وعندما هاجمت قوات محمد آل رشيد الكويت في عهد مبارك, أصبح تحالف آل سعود مع آل صباح أكثر متانة أمام العدو المشترك.

 

[17] Dickson (1956: 136-141); Joudah (1964: 61-67).

الرشيد (1960: 126-127), شاميه (1989: 117-118). 

[18] Dickson (11956: 139-41).

 

[19]

النص الكامل للاتفاقية البريطانية~العثمانية لعام 1913 موجود كملحق في كتاب جوده (1964) وباللغة العربية في ترجمة نفس الكتاب, جوده (1979).

 

[20]  الفرحان (1960: 134), الشملان (1959: 327-32).

 

 

 [21]  أصبح فيصل بن الحسين ملكاً على سوريا بعد الحرب العالمية الأولى. ولكن بعد هزيمته في مقاومة جيش الاحتلال الفرنسي, تم خلعه عن العرش وطرده من سوريا. وبعد أن وضع العراق تحت الانتداب البريطاني في عام 1920, استدعاه البريطانيون ومكنوه من التنافس على عرش العراق مع ثلاثة متنافسين آخرين في اقتراع شعبي عام. وقد أعلنته الحكومة العراقية, التي كان يترأسها عبد الرحمن الكيلاني, ملكاً على العراق في 23 أغسطس/آب 1921, بعد فوزه بحوالي 96 بالمائة من الأصوات. وهكذا, أصبح العراق نظاما ملكياً دستورياً وديمقراطياً. وكان يُنظر إلى فيصل على أنه زعيم القوميين العرب, الذي قاد النضال لتحرير العرب من نير الأتراك, كما قاوم الاستعمار الفرنسي في سوريا. وفي عام 1922, اعترفت بريطانيا باستقلال العراق ولكن ضمن علاقات خاصة معها. وفى عام 1930, وقع رئيس الوزراء العراقي, نوري السعيد, اتفاقية مع بريطانيا أتاحت للعراق الانضمام لعصبة الأمم. وفى مقابل ذلك, سمح للبريطانيين بالبقاء في قاعدتين عسكريتين بالعراق لمدة 25 عاما أخرى (المارديني, 1980: 127-130).

 المارديني (1980: 127-138).[22]

[23] Asiri (1990: 7).

[24] Asiri (1990: 20-26).   

[25] KMI (1986: 14).

[26] Asiri (1990: 24).

[27] Bin Sultan (1995:154).

[28] Asiri (1990: 54-55).

[29] Dickson (1956: 257-58); Joudah (1964: 165-169);

    KMI (1986: 56).

الرشيد (1960: 235), الشملان (1959: 199-200).

[30] Khaduri (1960: 141); Joudah (1964: 169-170).

الشملان (1959: 197-200)

[31] Joudah (1964: 171-172); KMI (1986: 56).

 الفرحان (1960: 95-96)

[32] Kirk (1952: 350).

 الفرحان (1960: 96).[33]

[34] Joudah (1964: 172-175).

 لباده (1991: 126). [35]

 

[36]   لا يزال حق الترشيح والانتخاب حكراً على الذكور من المواطنين الكويتيين. وفى عام 1999, رفض مجلس الأمة محاولتين, إحداهما من قبل الأمير, لمنح النساء الكويتيات حق الانتخاب. وهكذا, تستمر التجربة الديمقراطية في الكويت بصفتها التمييزية ضد النساء والبدون والمهاجرين.

 

[37] KMI (1986: 14, 48); شاميه (1989: 260)  

[38] Asiri (1990: 143).

[39] Roth, 1991: 29, 32-33.

 

قام أحد زعماء المعارضة في مجلس الأمة, وهو حمد الجوعان, باستجواب وزير العدل الشيخ دعيج السلمان الصباح بشأن تصرفاته حيال أزمة سوق المناخ. واتهم الوزير بأنه كان يحابى كبار أصحاب الأسهم على حساب صغارهم, وذلك عندما بدأت الحكومة دفع تعويضات لهم على خسائرهم من جراء سقوط سوق المناخ. وقد أدى ذلك الاستجواب في النهاية الى استقالة الشيخ دعيج من منصبه الوزاري.

 

[40] Al-Yahya (1993: 21-38); شاميه (1989: 398)

[41] Roth (1991: 29); The Economist (1990: 21-22).

[42] Al-Yahya (1993: 7-8); El-Mallakh (1981: 15).

[43] El-Mallakh (1981: 15-19).

[44] The Economist (1990: 13).

[45] The Economist (1990: 13).

 

   كان الدينار الكويتي يساوى حوالي 3.397 دولار.[46]

 

[47] El-Mallakh (1981: 182); KMI (1986: 14).

[48] Joudah (1964: 26-30, 68).

 

[49]   تتجنب الحكومة الكويتية استعمال كلمة "المهاجرين" وبدلاً من ذلك تشير إليهم على أنهم عمال أجانب. والسبب في ذلك أنها لا تريد منح هؤلاء المهاجرين أية حقوق سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية تساويهم بالمواطنين (لمزيد من التفصيل, اقرأ الفصل الثالث).

 

[50]    تنفرد الكويت عن سائر الأقطار العربية بوجود مجموعة من السكان الذين لا يحملون أية جنسية, أو كما يصفهم الكويتيون بأنهم "بدون" أي بدون جنسية. وهكذا, فان أفراد هذه المجموعة السكانية المغلوبة على أمرها لا هم مواطنون ولا هم أجانب. مزيد من التفصيل عن محنة "البدون" في الفصل الثالث.

 

[51]  The Economist (1990: 18-19).

[52] The Economist (1990: 23-24).

[53] KMI (1986: 15, 86).

[54] Al-Yahya (1993: 8).

[55] The Economist (1990: 35).

[56] Al-Yahya (1993: 21-22).

[57] Al-Yahya (1993: 24-38).

 

[58]    في مايو/أيار 1997, قامت مجموعة مكونة من 75 مواطناً كويتياً بتحدي الحظر الحكومي على تشكيل الأحزاب السياسية وذلك بتأسيس تجمع سياسي أسموه التجمع الوطني الديمقراطي. لكن الحكومة لم تصرح لهم بأن يجتمعوا في مكان عام, لذلك فانهم اضطروا للاجتماع في أحد المكاتب التجارية الخاصة (المصدر: التقرير السنوي عن حقوق الإنسان لعام 1997 الذي تصدره وزارة الخارجية الأميركية).

 

[59] US Department of State, Annual Human Right

   Reports (1993).

[60] US Department of State, Annual Human Right

   Reports (1993).

[61] US Department of State, Annual Human Right

   Reports (1993, 1994, 1995).

[62] US Department of State, Annual Human Right

   Reports (1993).

[63] US Department of State, Annual Human Right

   Reports (1993-1999).

[64] US Department of State, Annual Human Right

   Reports (1993).

[65] US Department of State, Annual Human Right

   Reports (1999).